samedi 3 février 2024

«الثالوث المستحيل» نسف إستقلالية مصرف لبنان: الدولرة الزاحفة تتحكّم بمساره...Tuesday, 26-Sep-2023

 https://www.aljoumhouria.com/ar/news/692000/%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D9%86%D8%B3%D9%81-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%A7%D8%AD%D9%81%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A8%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D9%87?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

"الثالوث المستحيل" نسف اسقلالية مصرف لبنان:

والدولرة الزاحفة تتحكّم بمساره...

 

د. سهام رزق الله (بروفسورة في كلية العلوم الاقتصادية – جامعة القديس يوسف)

 

بعد أن نسف "الثالوث المستحيل" إستقلالية مصرف لبنان على مدى سنوات نظرا لاستحالة تأمين استقلالية السياسة النقدية في ظل تثبيت سعر الصرف من جهة وحرية حركة الرساميل من جهة أخرى، لم تنجح السلطات اللبنانية في إقرار قانون تحديد حركة الرساميل وبات المصرف المركزي عاجزا عن استمرار تثبيت سعر الصرف واتجه الى تحريره بمحاولة استعادة استقلاليته... إلا أن مقاربة السياسة النقدية في إقتصاد جدا جدا مدولر منذ أكثر من أربعين عام وبدرجة باتت تصل الى 90% له خصوصية تنسف كل المسار لأنها تفقد فعالية كل الأدوات التقليدية للسياسة النقدية وتفرض معادلة أخرى تقود حتما نحو الدولرة الشاملة بانتظار أن تصبح رسمية لا محال...

من المهم معرفة مبدأ الثالوث المستحيل" في الأدبيات الاقتصادية حيث قدم كل من الاقتصاديين جون ماركوس فليمنج وروبرت مونديل في عدة مقالات مختلفة بين عامي 1960 و 1963 طرحهم عما يسمي بالمعضلة الثلاثية المشهورة أيضًا باسم trilemma، وهو مفهوم في الاقتصاد يستحيل بموجبه علي المصارف المركزية الجمع - في نفس الوقت- بين الثلاثة الاقانيم التالية :

·      سعر صرف أجنبي ثابت.

·      حرية حركة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.

·      سياسة نقدية مستقلة، وتعني قدرة البنك المركزي علي تحديد أسعار الفائدة بشكل مستقل.

وقد تمت ملاحظة فشل كل الاقتصادات التي حاولت تحقيق الأهداف الثلاثة معا.

وفقًا للثالوث المستحيل، يمكن للبنك المركزي أن يتبع سياستين فقط من السياسات الثلاث المذكورة في وقت واحد مع استحالة تحقق الثالثة. مما سيضطره إلي التخلي عن أحد الأهداف الثلاثة. لذلك لدى البنك المركزي ثلاثة خيارات لتطبيق السياسات هي:

إذا اختار البنك المركزي تطبيق سعر صرف ثابت وحرية تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية لن يستطيع تطبيق سياسة نقدية مستقلة، لأن تحديد سعر فائدة محلي يختلف عن سعر الفائدة العالمي من شأنه أن يقوض سعر الصرف المستقر... وكيف إذا كان المصرف المركزي في البلد المعني أيضا يعاني من قلة استقلالية عمليا بسبب انغماسه في تمويل عجز الدولة وديونها بالعملة المحلية والأجنبية؟ وأكثر من ذلك، كيف الحال اذا كان المصرف المركزي هو لاعب وحيد في إقتصاد بلد يغيب فيه التصويت على الموازمات طيلة اثنا عشر عاما!؟؟ ويتم فيه اعتماد القاعدة الاثنا عشرية طيلة هذه الفترة مع اللجوء الى مجلس النواب للتصويت على تخطي سقوف الانفاق وامداد الدولة بسلفات خزينة متواصلة ومن ثم جر الجهاز المصرف كله للانغماس بتمويل الدولة عبر الاكتتاب بسندات خزينتها بالعملتين المحلية والأجنبية وثم عبر هندسات مالية لشراء الوقت بغية تحقيق إصلاحات لم تتحقق يوما؟ وأبعد من ذلك، كيف يكون الوضع إذا أضفنا لكل هذه العناصر أن البلد المعني هو بلد جدا جدا مدولر وسلفات الخزينة والتمويل من المصرف المركزي يتم تحويله عبره الى الدولار الأميركي لتغطية مصاريف الدولة التي معظمها بالدولار في بلد مدولر من أكثر من اربعين عام وبشكل متزايد من أزمة نقدية الى أخرى؟

 إذا حددت الحكومة سعر صرف ثابتًا وسمحت بحرية حركة رؤوس الأموال، فسيتعين عليها تغيير أسعار الفائدة إستجابة للضغوط الخارجية. ستحتاج الحكومة إلى زيادة أسعار الفائدة (وجذب تدفقات الأموال الساخنة) من أجل الحفاظ على قيمة العملة المحلية وتثبيت سعر الصرف الثابت. كما يعني هذا أنه في فترات الركود ، قد لا تستطيع الحكومة خفض أسعار الفائدة لأنها إذا فعلت ذلك فسوف تتدهور العملة الوطنية.

وإذا اختار البنك المركزي تطبيق سياسة نقدية مستقلة وحرية تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية لن يستطيع تطبيق سعر صرف ثابتًا. كيف ذلك؟ إذا كانت الحكومة ترغب في الحفاظ على الاستقلال النقدي وسمحت بحرية تنقل رؤوس الأموال، فستحتاج إلى السماح بسعر صرف معوم. على سبيل المثال، إذا كانت الحكومة في مواجهة مع التضخم يمكنها زيادة أسعار الفائدة. لكن أسعار الفائدة المرتفعة هذه قد تؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة. البلدان التي ترغب في تعزيز النمو ستخفض أسعار الفائدة، لكن أسعار الفائدة المنخفضة من شأنها أن تتسبب في تدفق الأموال الساخنة إلي خارج البلاد، ومن ثم انخفاض سعر الصرف.

أما إذا اختار البنك المركزي تطبيق سعر صرف ثابت وسياسة نقدية مستقلة، لن يمكنها توقع تدفقات رؤوس الأموال ، بل علي العكس يتعين فرض ضوابط للتحكم في تدفقات رؤوس الأموال. فإذا كانت الحكومة ترغب في تطبيق سعر صرف ثابت وأيضًا تغيير أسعار الفائدة وفقًا لتفضيلاتها الخاصة ، فستحتاج إلى التحكم في تدفق الأموال إلى الخارج (فرض سقوف علي شراء وبيع الأصول المالية، فرض ضرائب علي المضاربات علي العملة ، تحديد فترات استبقاء الأموال بالبلاد..) وقد تصل الى ضبط حركة الاستيراد للتحكّم بنزف العملات الأجنبية الى الخارج...

فالمعروف أنّه في ظلّ حرية حركة الرساميل التي كان يضمنها نظام الاقتصاد الحر المنفتح في لبنان، من الضروري الاختيار بين التضحية بثبات سعر الصرف والإبقاء على مرونته، لترك هامش تحرّك للمصرف المركزي لاعتماد الاستقلالية في تحديد وتنفيذ سياسته النقدية الهادفة الى المحافظة على القدرة الشرائية للعملة الوطنية ومكافحة التضخّم وإدارة السيولة في السوق، أو القيام بالعكس تماماً، أي التضحية باسقلالية المصرف المركزي عبر توجيه خياراته للحفاظ على تثبيت سعر الصرف عبر ربط سعر صرف العملة الوطنية بالعملة الأجنبية الأكثر تداولاً واستقراراً وتعاملاً دولياً وهي الدولار الأميركي، خصوصاً بعد اعتماده كعملة ثانية إلى جانب الليرة اللبنانية منذ الأزمة النقدية التي عرفها لبنان في الثمانينات، والتي أطلق على أثرها مسار دولرة مرتفعة غير رسمية ولكنها "مفروضة" من قِبل القطاع الخاص كأمر واقع منذ ذلك الحين، بغرض الهروب من خطر تقلّبات سعر الصرف وافتقاد العملة الوطنية لمهامها الأساسية في الثمانينات كأداة تسعير وتسديد للعمليات الشرائية الكبرى والمحافظة على القدرة الشرائية على المدى البعيد وصعوبة استعادة الثقة منذ ذلك الحين، على الرغم من جهود وكلفة تثبيت سعر الصرف على مدى 22 عاماً. علماً أنّه الخيار الأكثر فعالية لتحقيق الاستقرار النقدي في ظل اقتصاد مدولر كما هي الحال في لبنان، حيث لا نفع من الاكتفاء بإدارة السيولة بالليرة اللبنانية طالما الحصة الأكبر من السيولة المتداولة في السوق هي بالدولار الأميركي.

إلّا أنّ التحسينات التي كانت ممكنة ومطلوبة كانت تكمن في معدّل سعر الصرف المناسب لعملية الربط بين العملتين وفق تطوّر المؤشرات الماكرو-إقتصادية، خصوصاً منها ميزان المدفوعات، الذي يُظهّر رصيد دخول وخروج العملات الأجنبية لمختلف الأسباب بين لبنان والخارج، فضلاً عن سعر هامش تحرّك سعر الصرف ومرونة تدخّل المصرف المركزي في المحافظة عليه، بما يُبقيه ضمن مستوى مقبول من دون استنزاف كبير متواصل للاحتياطي بالعملات الأجنبية.

إنّ تدفق رأس المال، عن طريق خلق طلب زائد على النقد الوطني، يؤدي تلقائياً إلى ارتفاع قيمة العملة الوطنية، ما لم يخزّن البنك المركزي جميع التدفقات الواردة في احتياطياته بالعملات الأجنبية. لبعض الوقت، إنّ المبالغة في تقييم العملة تحافظ على أسعار السلع المستوردة منخفضة، بينما في ارتفاع الأسعار يتمّ تعويض سلع التصدير من الاستثمارات الممولة من القروض الخارجية.

قبل زيادة إنتاجية البلاد وقدرتها على التصدير واستقطاب الاستثمار والتوظيفات الخارجية، غالباً ما يظهر سعر الصرف مبالغاً فيه، تماماً كما شهده لبنان، لا سيما مع تراكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ العام 2011 في لبنان، باستثناء سنوات الهندسات المالية عامي 2016 و2017 التي استقطبت بعض الرساميل من الخارج لشراء الأوروبوند وشهادات إيداع المصرف المركزي بالعملات الأجنبية أي لإقراض القطاع العام (بين خزينة الدولة ومصرفها المركزي). الأمر الذي يؤدي تلقائياً الى ارتفاع الدين الخارجي الصافي بالعملات الأجنبية بالنسبة للاقتصاد المحلي (الناتج المحلي الإجمالي).

وبالتالي، إنّ لحظة حدوث أي خطأ في السياسات، والتوجّه المفرط لرأس المال المقترض نحو السلع غير القابلة للتداول، والمبالغة في التقييم المفرط للعملة والعجز الكبير في الحساب الجاري، في سياق ضعف في الاحتياطيات بالنسبة للديون الخارجية قصيرة الأجل، لا بدّ أن يُترجم ذلك بخطر إثارة أزمة ثقة في البلاد، وخروج جماعي مفاجئ وهائل للرساميل وانهيار سعر الصرف.

كما أنّ المصطلح العام للأزمة المالية يجمع هذه الأنواع الثلاثة للأزمات: أزمة ميزان المدفوعات، وأزمة السيولة ومعدل سعر صرف العملة، والأزمة المصرفية المحلية.

من هنا، ولتجنّب الأزمات المالية والنقدية، فإنّ حرية التنقّل الدولي المجاني لرأس المال تتطلب نظرياً ظروف استقرار مماثلة لتلك الموجودة داخل البلدان التي تعتمدها.

 

أما أبرز الهواجس التي يعكسها العملاء الاقتصاديون اليوم إزاء مشروع قانون "تنظيم وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية"، فهو أنه لا يأتي من ضمن خطة استراتيجية متكاملة، في الوقت الذي يفترض أن يكون ضبط حركة الرساميل مجرد إجراء ظرفي ضمن خطة نهوض بنيوية للاقتصاد. وإن كان القرار هو ضبط السيولة المتبقية بالعملات الأجنبية، فمن الملحّ وضع خطة استراتيجية من جهة أولى لشرح سُبل ترشيد استعمال السيولة المتبقية بالدولار الأميركي، ومن جهة ثانية لكيفية تأمين استمرارية استيراد المواد الضرورية من الخارج مما يتطلّب جردة دقيقة وشفافة لحسابات مصرف لبنان وتقييم للحاجات الأساسية من قبل الوزارات المعنية. وتوفّر هذه الخطة الإطار الصحيح الذي يبنى على أساسه مشروع قانون القيود المالية ويتم تضمينه في الأسباب الموجبة للقانون. ومن جهة ثالثة اتخاذ القرار بشأن نظام القطع حيث لم يعد من مفر من اللجوء الى نظام الربط الصارم Hard Peg لليرة اللبنانية وسط الارتفاع الهائل لمعدّل الدولرة الذي لا يسمح بالإبقاء على نظام الربط المرن الحالي ولا باللجوء الى النظام الحر العائم، فلا يبقى سوى مجلس النقد/الدولرة الشاملة. وهذا يتطلّب اعتماد سعر صرف يتم على أساسه الذهاب الى الربط الصارم مما يحتاج أيضا كمية معيّنة من الاحتياطي بالعملات الأجنبية...

يبقى القول لمن يسأل عن فائض بميزان المدفوعات قبل البحث بإمكانية الدولرة الشاملة، انه لو كان لدينا فوائض  يفي ميزان المدفوعات لما كنا أساسا دخلنا في أشد أزمة نقدية-مالية-مصرفية إقتصادية شاملة مع دولرة مزمنة منذ أربعين سنة وباتت اليوم تفوق ال 90% !!! لا بل ان الانتقال الى الدولرة الشاملة الرسمية هو الذي ساهم في الاكوادور مثلا بتحسين ميزان المدفوعات وامتقاله من حالة العجز الى الفائض وقد أثبتت الأدبيت الاقتصادية أن من إيجابيات الدولرة الشاكلة الرسمية تفادي أزمات ميزان المدفوعات واستعادة الثقة بالاقتصاد الوطني مع ثبات عملته مما يسهل انخراطه بالاقتصاد والتجارة العالمية واعادة استقطاب الرساميل والاستثمارات الأجنبية والحركة السياحية خاصة اذا كان تاريخيا مهيأ لاستقطاب الرساميل والاستثمارات الأجبية والانفاق السياحي...ان الاجراءات الظرفية لا يمكن تنفيذها بمعزل عن الرؤيا البنيوية التي تتطلّب بدورها جردة دقيقة وشفافة لحسابات مصرف لبنان وتقييم للحاجات الأساسية من قبل الادارات العامة المولجة. من لا ينظر لبعيد يخاطر بالوقوع مجددا عن قريب، بل يخاطر في إمكانية النهوض عما قريب...

__________________________________

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire