mercredi 19 septembre 2018

أي مشروعية إجتماعية للمؤسسات الإقتصادية ؟ (15-09-2018)

د. سهام رزق الله
جريدة الجمهورية السبت 15 أيلول 2018
أي مشروعية إجتماعية للمؤسسات الإقتصادية ؟ http://www.aljoumhouria.com/news/index/436139 
المشروعية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية لا تزال مفهوما جديدا يشكل مفاجأة واستغرابا في الأوساط التي تعتبر أن طبيعة عملها تفرض السعي الى أعلى نسبة أرباح بغض النظر عن رضى المجتمع ومشاركته بها. فماذا تعني حقيقة «المشروعية الاجتماعية» بالنسبة لمؤسسات القطاع الخاص التي تبغي الربح بطبيعتها؟ ما هي المشروعية المقصودة؟ من يمنحها ومن يحجبها؟ وعلى أي أساس؟ وبأي سبل، سيما في غياب دور الدولة في هذا المجال؟
يعرّف الاقتصاديون-الاجتماعيون «المشروعية الاجتماعية» بأنها الادراك المشترك لدى مختلف أصحاب المصالح في المجتمع أن مؤسسة معينة تقوم بالنشاطات المطلوبة والمؤاتية والمرغوبة بالنسبة للنظام الاجتماعي المبني على مجموعة معايير وقيم ومعتقدات إجتماعية. ويزداد مؤخرا تسابق المؤسسات على تظهير نفسها مسؤولة إجتماعيا في القضايا التي تهم الناس من حيث الحفاظ على البيئة، المردودية الاقتصادية لمشاريعها، الاستجابة للحاجات الاجتماعية والتركيز على التنمية المستدامة بالمحافظة على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة...

أما أصحاب المصالح المؤثرون على المؤسسات والمتأثرون بها فهم: المساهمون، المستثمرون، الموظفون، المستهلكون، الموردون، المنافسون، الإعلام، المؤسسات الرسمية، الجمعيات والمنظمات غير حكومية المتخصصة في الشؤون البيئية والاجتماعية وحقوق الانسان، النقابات المنظمات...

تجدر الإشارة الى أن اكتساب المؤسسة «المشروعية الاجتماعية» يتطلب إدراج معايير المسؤولية الاجتماعية في استراتيجية المؤسسات كاملة، وليس فقط ضمن مشروع محدد من مشاريعها.

أما المؤسسات التي هي الأكثر حاجة لاكتساب «المشروعية الاجتماعية» فهي بشكل أساسي المؤسسات التي تفرض طبيعة عملها خطر التسبّب بتلوّث للبيئة أو استنزاف لمواردها الطبيعية (بعض المصانع، المقالع...) أو تلك التي تحقّق أعلى مستوى أرباح مقارنة بسائر القطاعات في المحيط الذي تعمل فيه (كما هي مثلا حال المصارف في لبنان وقطاع البناء قبل حالة الجمود الحالية) والتي تسعى لإظهار اهتمامها بمشاركة المجتمع بقسم من أرباحها التي تساهم في تحقيقها.

توجد ثلاثة سبل لتبنّي المؤسسة للقيم والمعايير التي تكسبها «المشروعية الاجتماعية» رضائيا او فرضا من قبل المجتمع الذي تعمل فيه:
أولا- العادة: بعض المؤسسات تعتاد بشكل لا إرادي على تبنّي قيم ومبادئ يفرضها عليها مجتمعها والبيئة الحاضنة لأعمالها بغض النظر عن قناعاتها بها.
ثانيا- التقليد: البعض الآخر من المؤسسات تسعى الى تقليد خيارات مؤسسات أخرى أثبتت نجاحها ومصداقيتها في المجتمع واكتسبت فيه «المشروعية الاجتماعية» المرجوة. وبالتالي، تعتمد المؤسسات الأخرى على تقليدها باعتمادها القيم والاجراءات التي اتبعتها دون أن تخاطر وتجرّب خيارات أخرى، فتتبنّى تجارب ناجحة عن وعي وبشكل إرادي أو عن غير وعي وبشكل لا إرادي، فقط طبقا لما يرضي المجتمع.
ثالثا- الامتثال والتبنّي الصادق: الفئة الثالثة من المؤسسات تتمثّل بجملة قيم ومبادئ ومتطلبات العمل المؤسساتي وتتبناها عن قناعة وإرادة تامة فتدرجها في استراتيجيتها وتضع لها آليات التنفيذ اللازمة بغض النظر عمّا يقوم به سواها.

أما الضغوط التي يمارسها المجتمع والبيئة الحاضنة للمؤسسات لمنحها «المشروعية الاجتماعية» المطلوبة لصالح نفسها ولصالحه على حد سواء، فهي من ثلاثة أنواع:
أولا- ضغوط قانونية: من تشريعات وقوانين حقوق وقواعد عمل تلزمها بها وتعاقبها على غيابها وتؤمن لها «مشروعية قانونية».
ثانيا- ضغوط قيمية: من معايير وقيم وشهادات ومقاييس تسمح بتصنيف المؤسسة دوليا في حال التزامها بها مما يؤمّن لها «مشروعية معنوية».
ثالثا- ضغوط تقليدية: من ممارسات وإجراءات شكلت أدوات نجاح لمؤسسات أخرى حتى باتت بطاقة اعتماد للعبور نحو «المشروعية الاجتماعية» المضمونة والمجرّبة دون مخاطرة.

وبغض النظر عن الضغوط والقناعات والسبل المعتمدة لاكتساب «المشروعية الاجتماعية»، وفي ظل غياب دور الدولة في تأطير وضمان المسؤولية الاجتماعية، يبقى الرهان على قناعة والتزام الشركات الخاصة من جهة، وعلى إمكانيات المراقبة والمتابعة من قبل المجتمع من جهة أخرى، لأن المشروعية الاجتماعية تتطلب أكثر من جهد لمجرد إكتسابها...إنها تتطلب جهودا مستمرة للمحافظة عليها.
_______


mardi 11 septembre 2018

الاقتصاد الاجتماعي التكافلي: الخيار الثالث؟ (11-09-2018)

الاقتصاد الاجتماعي التكافلي: الخيار الثالث؟
د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف – باحثة في مركز "قدموس" الدولي)
في موازاة القطاعين العام والخاص، يبرز القطاع الثالث غير الربحي (مثل الجمعيات والتعاونيات والمؤسسات الاجتماعية والريادة الاجتماعية وصناديق التعاضد) كخيار حديث يستند الى ما يعرف بميزة التضامن والتكافل. فما هو سر هذا القطاع الجديد الذي يستقطب يوميا المزيد من الداعمين والممولين والعاملين؟ الامً يستند من حيث المقاربات والامً يرمي من حيث الميزات والغايات؟ ثمة نظريات عديدة تتناول الاقتصاد الاجتماعي التكافلي، فما هي المقاربات المختلفة حول مبدأ التضامن وحيثياته وقراءاته المتنوعة
http://csrsa.net/post/1228 المؤثرة في الأداء الاقتصادي؟
**************************
من الجدير الإشارة الى أن مفهوم التضامن والتكافل شهد نهضة بارزة منذ أوائل التسعينات مع تطوّر السعي لما يسمى بإقتصاديات التنمية المستدامة التي تشمل مؤشرات أبعد وأوسع من معدل النمو الاقتصادي الذي غالبا ما لا يكفي لتظهير التقدم الإقتصادي الإجتماعي البشري على مختلف المستويات.
إنطلاقا من مفهوم التضامن، يظهر الاقتصاد جملة مبادئ وقيم تختلف من جهة عن تلك التي تطبع القطاع العام نظرا لأن مكونات الاقتصاد التضامني غير مملوكة من الدولة وغير مدارة من قبلها وكونها تعطي حرية الانتساب اليها والانسحاب منها، ومن جهة أخرى تختلف عن القطاع الخاص كونها لا تبتغي الربح كما أنها تفسح المجال للديمقراطية في التصويت على القرارات حيث لكل فرد في مؤسسة إجتماعية صوت واحد وليس لكل فرد وزنه تبعا لثقل مساهمته في الشركة كما هي الحال في القطاع الخاص. إلا أن الاقتصاد التضامني لا يعني عدم تحقيق الأرباح، بل ثمة مؤسسات إجتماعية ومنظمات غير حكومية تدير إمكانيات تمويل هائلة وتدفع أعلى رواتب ولكنها تعيد إستثمار كافة أرباحها ولا توزعها على المساهمين كما هي الحال في القطاع الخاص.
ويعكس مبدأ التضامن مساحة مشتركة وروابط بين الأهداف والمصالح بين مجموعة من الناس تتلاقى على جملة من القيم والحاجات والغايات التي تدفعها للتعاون لتحقيقها. أما من أبرز شروط التضامن فهو الترابط بين الأفراد (ضمن الجمعية، أو التعاونية، أو صندوق التعاضد...) وضرورة العمل المشترك غيرالفردي وغير المستقل لتحقيق الغاية المشتركة والمصلحة العامة للمجموعة.
أما في مقاربات التضامن فيلاحظ:
من جهة، مقاربة إيجابية تجعل من التضامن واقعا وتبحث في الإيجابية الاجتماعية التي تربط الأفراد بحالة كلية متكاملة.
من جهة أخرى، مقاربة إسمية لا تقرأ بشكل عام الترابط بين الأفراد ضمن الكل في المجموعة بل تسعى الى نوع من إستقلالية بما يؤسس للبناء الاجتماعي بدلا من الإيجابية الاجتماعية وحسب.
أما أبرز المعايير التي تشكّل ميزات الاقتصاد الاجتماعي التضامني التكافلي فهي:
أولا: حرص واهتمام الاقتصاد الاجتماعي بمجالات خارجة عن العناصر الاقتصادية المباشرة (البيئة، الصحة، العدالة الاجتماعية...)
ثانيا: رفض الفردية التنافسية التي يتسم بها المجتمع الرأسمالي.
ثالثا: إدارة ذاتية لمكونات ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي وانخراطها في المجالات الانتاجية الأكثر ضعفا وتهميشا.
رابعا: المساهمة في دمج الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة أو الأكثر تهميشا في الدورة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.
خامسا: العدالة والمساواة بين الأفراد ضمن المجموعات كما بين المستهدفين في المشاريع والمستفيدين منها.
سادسا: الحرية الفردية ولو ضمن روح التعاضد والتكامل في المؤسسات وبين المجموعات لاسيما عبر احترام حرية وإرادة الأفراد في الانضمام الى المبادرات التعاونية والتضامنية وروحية التبادل والديمقراطية في اتخاذ القرارات ضمن المؤسسات الاجتماعية التضامنية كما في مسيرة تنفيذها.

بالننتيجة إن المصالح الفردية تصبح تضامنية طالما تأخذ بعين الاعتبار روح التبادل في التضامن ضمن المؤسسات. وذلك يتعدى الحق بأن يكون الفرد مقدرا في عمله من خلال المردود كبديل مباشر لمجهوده الذي يبذله، ليحصل على المكافآت الرمزية كما المادية التي تعكس تقييم أدائه وتقديره كفرد بشكل مستقل ومميز بما هو أبعد من إعطائه حقه كبدل أتعاب وكمجرد فرد قابل للاستبدال ويؤدي واجبه ضمن مؤسسة.
وإذا كان الاقتصاد التضامني يوحي نظريا أن المبادرات التضامنية هي عمل عفوي، إلا أن الواقع يظهر خلاف ذلك تماما. فالمبادرات الاجتماعية التضامنية الناجحة التي يقدمها ترتكز في معظم الأحيان على تجارب نموذجية وعلى تعاميم ومخططات هادفة تخضع لدراسات عديدة لاسيما وأن الهيئات المساهمة في تمويلها من منظمات غير حكومية محلية أو دولية أو مشتركة تعتمد على معايير رفيعة في دراسة الحاجات لكل مشروع يتقدم لها كما على الأوراق المناهجية وآليات التنفيذ ورزنامة المراحل المقترحة والحملة الإعلانية التمويلية المواكبة كما لخطة تقييم مراحل التنفيذ كما لاهتمام المشروع بتلمس مدى استجابته لحاجات المجتمع المعني به.
من هنا، تبدو أوضح أسباب نمو القطاع الثالث المعروف بالقطاع الذي يبتغي الربح أو الاقتصاد الاجتماعي التضامني التكافلي والذي تطوّر وتحوّل من مجرّد قطاع قائم على مبادرات خيرية متفرّقة الى قطاع منظّم ومموّل وهادف وأكثر ن كل ذلك الى قطاع خاضع لمعايير ولتقييم دائم يشكل حجر الأساس لاستمراريته. أما أبعاد الاقتصاد الاجتماعي المبني على التضامن فهي بحدّ ذاتها ترسم آفاقه المستقبلية التي تجعل المشاريع تستهدف الانسان وتلبية حاجاته وتعطيه فرصة التعبير عن مدى رضاه بعد تنفيذها بدل من جعله رقما يقوم بمجهود ويحصل على أجر مثله مثل غيره، فلا يترك بصمة خاصة به ولا يتكافأ عليها ويبقى رهن القلق من الاستبدال في أي لحظة.
فهل تكون جاذبية الاقتصاد الاجتماعي التضامني انطلاقا من هذه المبادئ والمميزات صرخة وحافزا لإعادة النظر في قيمة الفرد ضمن مجموعة العمل في القطاعين التقليديين العام والخاص أو طريقا لتنامي القطاع الثالث على حسابيهما؟
_____________________________