lundi 18 septembre 2017

المسؤولية الاجتماعية للشركات في مواجهة أزمة اللاجئين - د. سهام رزق الله المصدر: النهار 15 أيلول 2017

المسؤولية الاجتماعية للشركات في مواجهة أزمة اللاجئين - د. سهام رزق الله المصدر: النهار 15 أيلول 2017
أصبح الأثر الاجتماعي والاقتصادي لأزمة الهجرة، لا سيما مع تزايد تدفق اللاجئين منذ بداية الأزمة السورية، يشكل أمرا محورياً في النقاش الاجتماعي والاقتصادي على الصعيدين الوطني والإقليمي. وقد تجاوز التدفق غير المحدود للاجئين المهاجرين قدرات الدولة وإمكانات المنظمات الإنسانية لتشكل تحديا كبيرا للاقتصاد الاجتماعي والقطاع الخاص المسؤول اجتماعيا.

كيف يمكن تحقيق مثل هذا التدخل وما هي تحديات تحويل أزمة المهاجرين واللاجئين إلى فرصة لتنمية البلدان المضيفة؟
يبدو الاتجاه العام هو النظر إلى تدفق المهاجرين واللاجئين كعبء ثقيل على مؤشرات التنمية المستدامة للبلدان المضيفة، والتحول إلى مصادر حقيقية للتنمية في هذه البلدان. ويتطلب هذا التحول بالتأكيد وضع استراتيجيات لتمويل مشاريع التنمية التي تزيد من حجم "الكعكة" بدلا من القلق بشأن تقاسمها بين عدد أكبر من المستفيدين .
والهدف من ذلك هو إشراك الشركات اللبنانية المسؤولة اجتماعيا والجهات الفاعلة في الاقتصاد الاجتماعي (المنظمات غير الحكومية المحلية، والتعاونيات، والمجتمعات المتبادلة، وما إلى ذلك) في استراتيجية شراكة مع الدولة والوكالات الدولية التي تعزز إدماج اللاجئين في نظام الصحة والتعليم والتدريب المهني لتوجيههم نحو القطاعات التي تحتاج إلى العمل ...
من هذه النقطة، نتفهم مشاركة الشركات الكبيرة مثل غوغل (1.1 مليون دولار أميركي و5.5 ملايين دولار أميركي لكل صندوق متطابق) لدعم اللاجئين السوريين، (مع 1.1 مليون دولار) لدعم برامج الطوارئ المحلية، فضلا عن إريكسون، فولفو، زارا ... وأيضا العديد من أندية كرة القدم الأوروبية والعديد من المنظمات غير الحكومية الدولية (مثل إنقاذ الطفولة) كجهات فاعلة في المجتمع المدني تسعى إلى دعم اللاجئين وإدماجهم في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلدان المضيفة وتسهيل حصولهم على التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية ...
ومع ذلك، إذا كان بعض الشركات الألمانية لا تزال مترددة في الاستثمار في التدريب المهني للاجئين، وذلك بسبب خطر طردهم ... إلا أنه ينبغي الإشادة بمشاركة القطاع الخاص وحرصه على المساهمة في معالجة التحديات الاقتصادية - الاجتماعية التنموية...
وفي حالة لبنان، كان تأثير الأزمة السورية وتدفق اللاجئين السوريين حاسماً ويطغى على المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية المستدامة.
وتظهر تقارير البنك الدولي [2014] انخفاضاً في معدل النمو الاقتصادي بين عامي 2012 و2014 بمقدار 2.9 نقطة، أي بزيادة في عجز الموازنة بمقدار 2.6 مليار دولار أميركي، نتيجة زيادة في النفقات المختلفة (في البنية التحتية، والتعليم، والحماية الاجتماعية، والكهرباء، والمياه، وما إلى ذلك)، وزاد عدد اللبنانيين تحت خط الفقر البالغ عددهم 170 ألف شخص إضافي...
وأظهرت دراسة أجرتها جامعة القديس يوسف أن 20٪ من اللاجئين غير مسجلين وأن السلطات اللبنانية تحتاج إلى تصريح إقامة للاجئين الذين تزيد أعمارهم على 14 عاماً، في حين أن العديد من اللاجئين لا يزال وضعهم غير قانوني.
وفي الواقع، فإن لبنان، المتّسم بالفقر في الموارد والإفراط في المديونية بأكثر من 75 مليار دولار أميركي أو 175٪ من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لميزانية عام 2017 غير قادر وحده على مواجهة مثل هذه الأزمة.
وفي ما يتعلق بالتمويل اللازم والمساعدة التي تلقاها لبنان، تجدر الإشارة إلى أننا يحتاج، وفقا لأرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أكثر من 2.48 مليار دولار أمريكي لتغطية تكاليف استضافة اللاجئين، لم يتلق حتى الآن سوى نصف الدعم المطلوب منذ عام 2015 وفقا للخطة التي وضعتها الدولة اللبنانية.
واليوم، يحث لبنان على تقديم مساعدة عاجلة من جميع القطاعات على أساس تخصيص 36٪ من الأموال لمجتمع اللاجئين اللبنانيين (الرعاية الصحية والتعليم والطاقة وغيرها) والباقي للخدمات الإنسانية السوريون ولبنان الذين يعرفون أن 71٪ من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر و8٪ منهم يعانون من الفقر المدقع و 28.5٪ تحت خط الفقر.
إذا كانت الدولة اللبنانية وحدها غير قادرة على مواجهة هذه الأزمة، وما زالت المساعدات الدولية غير كافية، فإن القطاع الخاص اللبناني هو المسؤول اجتماعيا وأصبحت الجهات الفاعلة في الاقتصاد الاجتماعي أكثر انخراطا.
المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان وأزمة اللاجئين
خلافا لمعظم البلدان العربية، عانى لبنان من المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال مبادرات القطاع الخاص والطوعي من دون أي توجيه أو تنظيم أو حوافز أو مكافآت من الدولة.
وقد بدأ القطاع الخاص، كدينامو في الاقتصاد اللبناني، بإدخال مبادئ المسؤولية الاجتماعية للشركات وفقا لمعيار ISO26000 في استراتيجيات شركاتها المختلفة بما في ذلك المصارف.
وأظهر مسح أجري كجزء من أبحاثي في المسؤولية الاجتماعية للشركات في جامعة القديس يوسف أن معظم المشاريع تتمحور حول القضايا المتعلقة بالتعليم والبيئة والتنمية المستدامة من خلال إدارات محددة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، والميزانيات، والتقارير السنوية للمسؤولية الاجتماعية للشركات.
غير أن المبادرات الجديدة تولي أهمية متزايدة لمشكلة اللاجئين السوريين في البلد.
وقد دعمت بعض المصارف اللبنانية (على سبيل المثال برنامج ماستركارد كجزء من الاستجابة الإنسانية الهائلة للأزمة السورية من خلال إنشاء مشروع قسائم إلكترونية مبتكرة في لبنان. هذه البطاقات الإلكترونية قابلة لإعادة التوزيع في أكثر من 300000 نسخة منذ عام 2013 والتي يمكن استخدامها لدى المراكز التجارية المشاركة في هذا البرنامج في لبنان.
وان كانت معظم الشركات اللبنانية غير قادرة على المساهمة على غرار الشركات العالمية الكبرى مثل غوغل وغيرها في برامج المسؤولية الاجتماعية، إلا أن تقسيم العمل والتدخل الهادف ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات وبالشراكة مع المنظمات غير الحكومية المحلية، يسمح للقطاع الخاص اللبناني أن يدعم تنمية لبنان ووسائله التي لا غنى عنها للتغلب على أزمة اللاجئين.
في الحصيلة، أزمة اللاجئين هي مثال واضح على كيفية مناقشة السلوك التجاري المسؤول اجتماعيا اليوم والذي لم يعد خياراً يتيح بعدم التصرف في أوقات الأزمات.
كل الشركات مدعوة للمشاركة بثقة واهتمام لدى جميع أصحاب المصالح في المجتمع الذي تعمل فيه (الموظفون، العملاء، الدول، الشركات المتنافسة، وسائل الإعلام، المنظمات غير الحكومية، البلديات، الخ)
ويبقى أن نرى إلى أي مدى يمكن تحقيق شراكة بين القطاعين العام والخاص والجهات الفاعلة في المجتمع المدني من أجل تحويل أزمة اللاجئين إلى التنمية المنشودة.
الدكتورة سهام رزق الله - أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف
باحثة في مركز "قدموس"

الجمعيات دينامو «القطاع الثالث»... نشاط مُكثّف وتمويل واعد 15/09/2017

د. سهام رزق الله-جريدة الجمهورية الجمعة 15 أيلول 2017 -
الجمعيات دينامو «القطاع الثالث»... نشاط مُكثّف وتمويل واعد

وسط زحمة التجاذب في الإقتصاد التقليدي بين القطاعين العام الخاص، والتبارز في إمكانية الاستجابة للحاجات الاقتصادية-الاجتماعية بين مقاربات تراوح من أقصى المدارس اليسارية الى أقصى التوجّهات الليبرالية، برز بقوة «القطاع الثالث» كخيار جديد صاعد.«القطاع الثالث» أو ما يُعرَف بالإقتصاد الإجتماعي التضامني والتكافلي يشمل مختلف الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والتعاونيات وصناديق التعاضد والمؤسسات الإجتماعية.
لقد بنى ذاته بسرعة قياسية في السنوات الأخيرة ليفرض نفسه اليوم قطاعاً منظّماً يدير أكبر رساميل من الداخل والخارج، ويخلق أكبر عدد من فرص العمل بأفضل الشروط لشباب طموح يبحث عن مميّزات «قطاع ثالث» متحرّر من حصرية القطاع العام ومن ربحيّة القطاع الخاص ليجعل الموارد المالية في خدمة الإنسان والمجتمع.
الذراع التنفيذية
وإن كانت مؤسسات وهيكليات قطاع الإقتصاد الإجتماعي التضامني متعدّدة إلّا أنّ أبرزها يبقى في لبنان مرتكزاً حول الجمعيات والمنظّمات غير الحكومية التي يتنامى عددها منذ العام 2010 ليفوق العشرة آلاف منظمة ناشطة وفاعلة بين آلاف المسجّلين لدى وزارة الداخلية، (منها جمعيات صغيرة محدّدة النشاط والأهداف)، وقسم كبير منها ناشط بالتعاون مع وزارات عديدة لا سيما منها وزارة الشؤون الاجتماعية، بين الاهتمام بالرعاية للأطفال والمسنّين وشؤون المرأة المسجونين، ذوي الحاجات الخاصة، وحقوق الانسان والحفاظ على البيئة والتنمية الشاملة، فضلاً عن التعاونيات المهنية وصناديق التعاضد المسجّلة لدى وزارة الزراعة والأندية المسجّلة لدى وزارة الشباب والرياضة.
وأكثر من ذلك فإنّ ميزة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وهي المحرّك الأساس لنشاط القطاع الثالث الاقتصاد الاجتماعي التضامني، هي أنها أيضاً الذراع التنفيذية لتنفيذ أيّ مشاريع تندرج في إطار المسؤولية الإجتماعية لشركات القطاع الخاص الراغبة بالانخراط في هذا المجال الصاعد عالمياً، دعماً لجعل الاقتصاد في خدمة التنمية المستدامة، أكثر من الاكتفاء بتسجيل أعلى نسبة أرباح آنية.
علماً أنّ إيجابيات هكذا مشاريع لا تحسّن فقط صورة وسمعة الشركات المسؤولة إجتماعياً، إنما تنعكس كذلك على علاقتها بمختلف الأفرقاء المعنيين والمؤثرين والمتأثّرين بأعمالها من مستهلكين وموظّفين ومساهمين ومنافسين، إدارات عامة ومجتمع مدني.
وبذلك تقوم الجمعيات اليوم بدور كبير وإستثنائي ولا تمثّل فقط قطاعاً ثالثاً إنما صلة وصل كانت مفقودة بين القطاع العام والقطاع الخاص، لإيصال مطالب المجتمع الذي بات يفضّل تقديم التمويل المباشر للجمعيات والمنظمات غير الحكومية المعروفة والموثوق بها وبمهنيتها في إدارة المشاريع والتوفيق بينها وتقديم التقارير حولها الى الجهات المانحة.
من هنا، يبدو مفهوماً إستقطاب القطاع الثالث لأكبر فرص تمويل من الداخل والخارج للتعاون معه لتنفيذ مشاريع مسؤولية إجتماعية، وتشجّع الوزارات على التعاقد مع كثير من الجمعيات للمشاركة في مشاريع عديدة، كما تطمئن السفارات والمظّمات الدولية المانحة الى تمويل مشاريعه.
قطاع جديد ثوري
وإذا كانت غالبية الشركات الكبرى تخصّص قسماً مستقلاً لمتابعة مشاريع المسؤولية الإجتماعية، فمن الضروري أن تشبك معها الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والتأكيد على أنّ أهداف هكذا شراكة تندرج ضمن إطار استراتيجيات المؤسسات وقطاعها وخصوصيّة أسواقها، لمعرفة نوع المشاريع الذي يهمّها محلياً أو حتى دولياً، والذي يجلب لها المردود غير المُعلن من تلميع صورة واكتساب رأي عام وحصّة سوق وأرباح مستقبلية من جميع النواحي. كما على الجمعيات معرفة مدى اهتمام المؤسسات باجتذاب الشباب وخلق فرص عمل ودعم لهم حرصاً على الموارد للأجيال القادمة.
كما من المفيد أن تثبت أنّ مشاريع المسؤولية الإجتماعية تحمل إنعكاسات إيجابية على نموّها ومروديّتها على المدى البعيد بما فيه من تحسين نتائج للمساهمين ورواتب للعاملين واستقرار في التعاون مع مختلف الأفرقاء المعنيين بالسوق.
وإذا كانت غالبية الشركات والمؤسسات تميل لاحتساب المردود والنتائج على المدى القصير المنظور، وحتى عندما «تستثمر» في مشاريع مسؤولية إجتماعية، يبقى على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الشريكة معها في تنفيذ المشاريع أن تساعدها على التفكير على المدى البعيد، ضمن استراتيجية شاملة تنقل المستثمرين من تنفيذ مشاريع تكتيكية للمسؤولية الإجتماعية لتصبح المؤسسة ككلّ مسؤولة إجتماعياً.
وبذك وخلافاً لما كان يُعتقَد من أنّ الجمعيات تقتصر على بعض الأعمال الخيرية التي يقوم بها متطوّعون ينعمون بوقت فراغ يسمح لهم بخدمة المجتمع، باتت اليوم الجمعيات في صلب بروز قطاع ثالث جديد وثوري يخطف الأنظار عن القطاعات التقليدية، يدير رساميل كبيرة ويخلق فرص عمل لشباب ينضمّون إليه بعد مباريات ودراسة ملفات ومقابلات ويعملون فيه بشهادات عليا وكفاءات مميّزة تعزّز سيرهم الذاتية وتحمل لهم فرصاً مستقبَلية في منظمات محلّية وإقليمية ودولية... هذا «القطاع الثالث» لا يزال رغم تألّقه في بداية رحلة طويلة لا سيما وأنه ينتقل من المشاريع التنموية الى إدارة الأزمات، وهذا ما يجعله ريادياً وإبتكارياً لا سيما في منطقة تغصّ بالأزمات.
في الواقع، لا يغفل عن أحد أن معظم التمويل الذي كان يأتي تحت راية ضرورة التنمية وإعادة توزيع الثروات بات اليوم يأتي أكثر تحت عنوان مواجهة الأزمات والنزوح، لاسيما بعد الأزمة السورية وانتشار عدد كبير من النازحين في البلدان المجاورة، خصوصاً في لبنان حيث نسبة النازحين هي الأعلى بالنسبة الى عدد سكان البلاد الأصليين.
وبالتالي أصبح اليوم عنوان التمويل الأساسي هو من ناحية دعم النازحين ومستقبلاً دعم عودتهم الى بلادهم وإعادة إعمارها، ومن ناحية ثانية دعم البلدان المستضيفة للصمود وإعادة تعزيز ما تحمّلته بنيتها التحتية ومقوّماتها الإقتصادية البيئية الإجتماعية.
* أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف وباحثة في مركز قدموس الدولي