samedi 3 février 2024

بين المدخل المالي... والمخرج النقدي: الأزمة اللبنانية أمام خيارات مصيرية...Monday, 19-Jun-2023

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/685468/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%B1%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A9?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews                                                       :بين المدخل المالي... والمخرج النقدي    

الأزمة اللبنانية أمام خيارات مصيرية...

 

د. سهام رزق الله (بروفسورة مشاركة في كلية العلوم الإقتصادية – جامعة القديس يوسف)

 

من أبرز ما ينبغي التنبّه له أمام ازمة متعدّدة الأوجه كالأزمة الاقتصادية المالية-النقدية-المصرفية الشاملة الحالية في لنبان هو أن المدخل الذي شكّل المسبّب الأساسي للولوج في الأزمة ليس بالضرورة نفس باب المخرج منها... صحيح أن رصد مكمن الخلل الرئيسي يشكّل أولوية لحسن تشخيص المشكلة وتفادي تكرارها، لكن في خصوصية الاقتصاديات المدولرة لسنوات وبعد تكرار أزمات، من المهمّ معرفة أن تشابك أوجه الأزمة بالشكل الذي تطورت فيه الحال في لبنان مع "إشتراكات" تفشّت في الجسم الاقتصادي ونسفت "جهاز المناعة" الذي لطالما تمثّل بالجهاز المصرفي لديه، فهي تحتّم أن يكون مفتاح مخرج الأزمة من خلال الشق النقدي تحديدا أي خيارات المصرف المركزي للسياسة النقدية ونظام سعر الصرف الذي على أساسه يتم تحديد الموازنة الجديدة للدولة واحتساب القيمة الحقيقية للدين العام وميزانيات المصارف وكل المؤشرات الماكرو-إقتصادية... كيف يمكن شرح هذا المسار من المداخل المالي الى المخرج النقدي للأزمة الحالية؟ وكيف تترجم الخيارات المصيرية للبنان من هنا؟

************************

إن الأزمة في لبنان متعددة الأبعاد المالية والنقدية والخدمات المصرفية مع عجز مزدوج (المالية العامة وميزان المدفوعات) متكرر في بلد شديد الاعتماد على الدولار ، حتى أنه يعاني من "الإدمان تحيل على الدولار الأمريكي" لمدة أربعين عامًا ويتعارض مع مبادئ عمل الثالوث المستحيل Mundell-Fleming نظرًا لأننا تحملنا الكثير من التكلفة واستنفدنا الكثير من الاحتياطيات بالدولار الأمريكي من خلال الرغبة في إدراك بطريقة غير منطقية في نفس الوقت القمم الثلاثة لهذا المثلث: ثبات سعر الصرف ، وحرية حركة رأس المال واستقلالية السياسة النقدية للبنك المركزي ... من الواضح أن استقلالية مصرف لبنان هي التي دفعت الثمن خاصة مع غياب الموازنة لمدة 12 عامًا (2005-2017) واستخدام التمويل النقدي لسد العجوزات المالية عبر إقرار "تخطي أنفاق" في النجالس النيابية... من ثم شراء الوقت من قبل "الهندسة المالية" من أجل تنفيذ الإصلاحات التي لم يتم إطلاقها من قبل…. الودائع بالدولار الأمريكي التي لم يتم تغطيتها من قبل صافي الأصول الأجنبية للنظام المصرفي (بسبب العجز المستمر في ميزان المدفوعات) تم توجيهها إلى سندات اليوروبوند الحكومية وشراء شهادات الإيداع بالدولار الأمريكي من مصرف لبنان والاعتمادات بالدولار الأمريكي إلى القطاع الخاص (وهي الخطيئة الأصلية التي فاقمت الأزمة من خلال التأثير المضاعف لزيادتها دون أن يغطيها الدولار الأمريكي والذي يسمح بالتعويض بالدولار الأمريكي ...)

الأماكن الثلاثة التي وُضعت فيها الودائع بالدولار الأمريكي لم تعيدها بالدولار الأمريكي حتى تتمكن البنوك من إعادتها بالدولار الأمريكي إلى المودعين ...

ثم استنفاد الاحتياطيات المتبقية بالدولار الأمريكي بعد انهيار الاقتصاد بسبب سياسة الدعم التي تم تحديدها على مستوى كبار القادة السياسيين في اجتماعات صريحة في بعبدا والسراي الكبير وطبقها مصرف لبنان ... حتى فترة البرلمان انتخابات لإرضاء الرأي العام .. والتي تعرضت لانتقادات شديدة في تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ...

في عام 1993 ، تخلى لبنان عن نظام سعر الصرف العائم الذي لا يتوافق مع الاقتصاد المرتفع للدولرة ، وبلغت ذروة الدولرة في عام 1987 (92٪) بعد تضخم مفرط بلغ 487٪ ... انتقلنا مؤقتًا إلى انزلاق نظام التكافؤ (الزحف إلى الربط المتحرّك (قبل الانتقال إلى الربط التقليدي مقابل العملة

ربط ثابت تقليدي تجاه عملة واحدة بنطاق ضيق 1501-1514 وسعر متوسط ​​1507.5 من 1998 حتى فبراير 2023 مع الانتقال إلى سعر رسمي مصطنع قدره 15000 لم يتم اعتماده وللسحب من البنوك ...

في حين أن دولرة الودائع كانت حاسمة للهيكل المالي الكلي لما بعد الحرب ، كذلك أدت إلى دولرة الودائع الى دولرة أخرى في الاقتصاد ، بما في ذلك دولرة الإقراض وكذلك الدين العام. يتم شرح هذه السببية بأن "دولرة الودائع تحفز الدولرة في القروض. تشجع المستويات المرتفعة من ودائع العملات الأجنبية لدى المصارف على إقراض المتعاملين المحليين بالعملة الأجنبية للمحافظة على مواضع الميزانية العمومية المتطابقة ، ويسري مفعول ذلك بنقل عبء سعر الصرف الى المقترضين في حال تدهور سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي.. أما في حال كان المقترضون عاجزين عن التسديد نظرا لكون مداخيلهم بالعملة الوطنية فيكون الخطر انتقل الى المودعين وهذا ما حصل فعليا في لبنان حيث كل من وظفّت المصارف الدولارات لديهم توقفوا عن تسديدها بالدولار (من الدولة وصولا الى المقترضين من القطاع الخاص)..

أصل الأزمة هو الخلل في المالية العامة وعجوزات الموازنة أما مفتاح الخروج من الأزمة فهو نقدي .. لماذا؟ لأنه بدون إخفاقات الميزانية وإشراك الأنظمة المصرفية في تمويلها وانعكاس وضع جميع مؤشرات الاقتصاد الكلي منذ عام 2011 على وجه الخصوص (انخفاض في معدل النمو ، والانتقال من سلسلة من الفوائض إلى تراكم العجز في ميزان المدفوعات….) لم تكن الأزمة النقدية لتحدث ولن تأخذ هذا الحجم أبدًا ... علاوة على ذلك ، بدون البدء بخيار نقدي ونظام سعر صرف جديد ، من السخف أن تكون قادرًا على التعامل مع الركائز الأخرى (الميزانية والمصرفية للأزمة ...) لأننا ببساطة نحتاج إلى معرفة كيفية حساب أرقام الموازنة لسنة واحدة وميزانيات البنوك قبل إعادة هيكلتها….

في تشرين الأول 2019 سقط نظام سعر الصرف القائم على الربط المرن لليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، أي عمليا يعيش لبنان منذ ثلاثة سنوات بدون أي نظام سعر صرف لتفادي الجميع الانغماس بمسؤولية اختيار النظام البديل في ظل هيستيرا الدولرة الجزئية الشرسة وغير الرسمية التي تفرض نفسها على وقع فوضى الأسواق وتسحق كل من لا يصل الى يده سوى مدخول بالليرة اللبنانية.. ذلك بدلا من مواجهة الواقع من قبل السلطات الرسمية المعنية لحماية المساواة الاجتماعية بين المواطنين وحقّهم ببدل أتعاب ومداخيل بنفس العملة التي يتكبّدون فيها تدريجيا كل المصاريف، ولا سيما منهم العاملين في القطاع العام الذين أصبحوا عمليا على هامش النظام الاقتصادي-الاجتماعي ككل. السبب هو الخطأ الفادح التي تتم فيه مقاربة الأزمة من كل الزوايا إلا الزاوية التي يفترض البدء بها أي اعتماد نظام سعر صرف جديد قبل التطرق لكل بقية نواحي الأزمة وحتى الموازنة التي يستحيل تقديمها بأرقام حقيقية قبل بت نظام سعر الصرف والخيار النقدي للبلاد بما يتناسب مع دولرة تتخطى نسبة 80%.

تعزز الدولرة غير الرسمية شبه الكاملة اليوم "تطبيع الوضع" كما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي دون السماح باستقرار فعال في غياب قرار رئيسي بشأن نظام سعر الصرف الجديد (من خلال إدراك أن السوق يفرض ارتباطًا صارمًا ( حمولة العملة أو الدولرة الكاملة) وفي حالة عدم وجود قرار من مجلس العملة ، فإن الدولرة الكاملة الزاحفة هي التي تحظى بالأولوية بعد فترة من ازدوجية العملة وسط  الثنائية بين الليرة اللبنانية والدولار الأميركي مع طغيان الدولار الذي يسود كل العاملات في الأسواق من التسعير الى الدفع والادخار واحتساب الرسوم ودفع الرواتب تدريجيا لدرجة تحويلات رواتب موظفي القطاع العام فورا بالدولار وتحويل الحسابات المصرفية الى الدولار تلقائيا دون حتى ترك الخيار للموظف بين العملتين... إلى جانب تقرير صندوق النقد الدولي ، يشير الفصل الثاني صراحةً إلى أن "الميزة الخاصة لمقاربة الأزمة في لبنان تسمح بتقديم تحليل للدولرة في لبنان ، ويخلص إلى أن الأزمة الحالية من المرجح أن تعزز مستويات الدولرة المرتفعة ، حتى بعد التعافي الاقتصادي الشامل. تقليديًا ، أدت أزمات العملات المتعددة إلى تباطؤ الدولرة في البلاد ، واتسع نطاقها بمرور الوقت بالنسبة للودائع والقروض والدين العام. »

أدى الفشل المنهجي للنظام المصرفي اللبناني وانهيار العملة إلى ظهور اقتصاد كبير قائم على النقد القائم على الدولار ، تقدر قيمته بنحو 9.86 مليار دولار ، أو 45.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. لا يزال القطاع المصرفي معسرا ، حيث تجاوزت الخسائر المالية في النظام المصرفي 72 مليار دولار ، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. ولا يزال عجز الحساب الجاري يمول ، في الغالب ، من الاحتياطيات إجمالي النقد الأجنبي من بنك دو لبنان. انخفض إجمالي احتياطي النقد الأجنبي لمصرف لبنان بمقدار 2.6 مليار دولار في عام 2022 ليبلغ 15.2 مليار دولار في نهاية عام 2022 (بما في ذلك ما يقرب من 5 مليارات دولار في شكل سندات أجنبية). إن منصة الصيرفة للصرافة ، الأداة النقدية الرئيسية التي يستخدمها مصرف لبنان لتحقيق الاستقرار في الليرة اللبنانية ، لا يُساء استخدامها فقط كأداة نقدية ، ولكن الآن أيضًا كآلية للاستفادة من معاملات الصرف الأجنبي. في هذا السياق ، يخفي تطبيع حالة الأزمة حقيقة أن الاقتصاد اللبناني مستمر في التدهور السريع للغاية ، وهو على منحدر بعيد جدًا عن مسار يؤدي إلى الاستقرار ، وبالأحرى إلى التعافي ... البدء بمراجعة واتخاذ قرار بشأن نظام سعر الصرف الجديد وحساب جديد "بالدولار الحقيقي" لجميع الأرقام (العجز ، الدين العام ، الميزانيات العمومية للمصارف ، إلخ) لإنهاء فترة من الأرقام المصطنعة التي حجبت الواقع وإعادة البناء. اقتصاد بأرقام فعلية تعكس الواقع. يتعلق الأمر بإعادة التشغيل مع اقتصاد أصغر ولكن اقتصاد حقيقي ...

عند الافتقاد الكلي والمزمن للثقة بالعملة الوطنية وطغيان التعامل بالعملة البديلة لا يعود الخيار بينها وبين البديل أي الدولار الأميركي في حال لبنان بل يصبح الخيار في آلية الربط الصارم المناسبة وكيفية الانتقال التدريجي اليها بغية نجاحها بأسرع وقت وأقلّ كلفة... عام 1993 فتح لبنان صفحة جديدة من خلال نظام سعر صرف جديد لأن الدولرة المرتفعة أفقدت فعالية النظام العائم وعام 1998 اضطر لبنان لتعزيز هذا الخيار.. اليوم تستحيل العودة الى تعويم رسمي حر لسعر الصرف كونه مكلف وغير ملائم لاقتصاد جدا مدولر، كل يستحيل استعادة الثقة بنظام الربط المرن لسعر الصرف..حان وقت حسم الخيارات المنقديةالمصيرية، كل تأخير في الطرح الجريء لضرورة الانتقال الى نظام الربط الصارم يزيد كلفته أكثر ولا تسمح بتفاديه حتى لو تعافى الاقتصاد كما تؤكده الادبيات الاقتصادية والتجارب الدولية والتقارير المتخصّصة...  

_______________

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire