mardi 25 janvier 2022

حين يصبح المصرف المركزي اللاعب الوحيد: أي استقلالية للسياسة النقدية؟ 06-Jan-2022

 حين يصبح المصرف المركزي اللاعب الوحيد: أي استقلالية للسياسة النقدية؟

06-Jan-2022 https://www.aljoumhouria.com/ar/news/630833/%D8%AD%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%8A-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

بعد الفورة الكبرى لإشكالية استقلالية مصرف لبنان المركزي وأهميتها لتأمين مصداقية السياسات النقدية في الثمانينات، عادت هذه الاشكالية بمتطلبات مختلفة في السنوات الأخيرة خصوصا مع اعتماد السياسات النقدية غير التقليدية... وسط الأزمات تتعدد أدوار وساطة المصرف المركزي لإدارة السيولة بغض النظر عن تسميات السياسات لا سيما منها أنواع التليين الكمي والنوعي التي اتخذت في لبنان مظلة الهندسات المالية وتتخذ اليوم إطار سلسلة التعاميم التي باتت مرتكز انشغال الناس وحديثهم نظرا لغياب أي مقومات سياسة اقتصادية مالية نقدية مصرفية شاملة واضحة رؤيوية في غياب أي رؤيا للسياسة العامة للبنان في المطلق. كيف يمكن قراءة الصيغة الجديدة لاستقلالية المصرف المركزي؟ وأي مؤشرات لقياسها؟ وكيف يمكن إيجادها في قانون النقد والتسليف في لبنان؟

يعود تاريخ استقلالية المصارف المركزية إلى تأسيس المؤسسات الأولى من نوعها كسلطات نقدية تعمل على إدارة السيولة وحماية النقد من تأثيرات التضخم وتقلبات سعر الصرف حفاظاً على القدرة الشرائية لعملة البلد المعني. وتطور البحث منذ نحو أربعين عاما حول مفهوم إستقلالية المصرف المركزي، وتظهّر في السنوات القليلة الماضية إجماع معين على الحاجة إلى المصرف المركزي المستقل، لتصميم السياسة النقدية وتنفيذها خارج قبة السلطة السياسية التي يمكن أن تنحرف في الإجراءات مع اقتراب مواعيد الانتخابات في ظل ضغوط السياسيين على السلطة النقدية لإرضاء الناخبين بأي كلفة لاحقة..

 

وقد جهدت السياسات الحديثة غير التقليدية في تثبيت إمكانية تحقيق صدقية المصرف المركزي ولو في ظل مساهمته في تمويل الدولة والدين العام عبر زيادة السيولة وخفض معدل الفوائد الى ما يلامس حدود الصفر دعماً للاستثمار ولتنشيط الاقتصاد ككل، ذلك أنه من خلال سياسة المعايير الإسترشادية القائمة على إعطاء الجمهور علماً مسبقاً بمخططات السلطة النقدية لجهة تنامي Forward Guidance الكتلة النقدية ومستوى الفوائد واتجاه سعر الصرف بما يساعد العملاء الاقتصاديين على صوغ توقعاتهم بنحو صحيح، خلافاً لأسلوب المفاجأة والكتمان الذي كانت بعض المصارف المركزية تعتمده لإحداث فورة اقتصادية فجائية ولو بكلفة تضخّم باهظة مستقبلاً، وغالباً يكون ذلك تحت ضغط السياسة المالية للدولة إن لتمويل عجوزاتها المالية ودينها العام أو عبر خلق النقد لإحداث طفرة إقتصادية وفائض سيولة ووظائف ونمو مرحلي لإراحة الناخبين ودفعهم للابقاء على خياراتهم للقوى الموجودة في مواقع السطة بغض النظر عن تكاليف الخيارات التضخمية في المستقبل للاجراءات التي يعتمدونها...

 

منذ سنوات لعب مصرف لبنان دور «دينمو» الوساطة بين القطاع المصرفي والدولة فانغمست المصارف في توظيف الودائع لديها بين شراء سندات الدولة وشهادات ايداع المصرف المركزي مقابل فروقات خيالية بمعدلات الفوائد في محاولة تأخير انفجار الأزمة في غياب أي رؤيا اقتصادية فعلية والالتزام بتنفيذ أي من الاصلاحات التي تعهّد بها لبنان مراراً، خصوصاً في المؤتمرات الدولية المانحة للبنان الى ان أصبح المصرف المركزي منذ انفجار الأزمة شبه اللاعب الوحيد في غياب أي سياسة إقتصادية واضحة للتعامل معها، حتى أنه منذ إعلان وقف سداد الدين في آذار 2020 لم يتم اتخاذ أي إجراء رسمي لضبط وتخفيف انحدار الاقتصاد قبل البحث في إعادة نهوضه... فأصبحت السلطة النقدية مصدر القرارات الوحيد عبر سلسلة التعاميم.

 

وقد استدعت دقة الأوضاع المالية التدخّل المستمر للمصرف المركزي لتمويل القطاع العام حتى أصبح أبرز المكتتبين في سندات الخزينة والتي دفعته مراراً للمشاركة في عمليات «السواب» والهندسات المالية مع المصارف التجارية، ما يعكس الشكل الثاني من السياسات النقدية غير التقليدية المعروفة بسياسات التليين النقدي الكمّي Quantitative Easing القائمة على ضخ السيولة لشراء السندات المالية من القطاعين العام والخاص والتليين النقدي النوعي، فضلاً عن الشكل الثالث للسياسات النقدية غير التقليدية القائمة على الشراء الكثيف للسندات على رغم ارتفاع درجة مخاطرها Qualitative Easing.

 

إلا أن السياسات الحديثة غير التقليدية واجهت عوائق عدة حدّت من فعاليتها ولا سيما من حيث انعكاساتها على المالية العامة وعدم تحفيز الدولة على ترشيد الانفاق العام وضبط الدين العام، خصوصا مع خفض الفوائد ومنها طبعاً على سندات الخزينة ما يسمح للدولة بالتراخي في ضبط المديونية طالما أنها غير مكلفة لناحية خدمة الدين العام، خصوصا بالعملات الأجنبية التي لا يطبعها المصرف المركزي بل يلجأ الى جذبها من المصارف عبر توظيف ودائع الناس لديها في شهادات الايداع بالدولار الأميركي كما حصل في لبنان، علماً أن قراءة استقلالية المصرف المركزي تتطلب النظر الى مستويين: المستوى النظري في النصوص القانونية التي ترعى تأسيس المصرف المركزي وعمله والمستوى الفعلي المتّصل بهامش ممارسة المصرف المركزي للصلاحية عملياً، فضلاً عن الاستقلالية المالية للسلطة النقدية.

 

على المستوى النظري، تُظهر الأدبيات الاقتصادية جملة مؤشرات محددة تساهم في قياس مستوى استقلالية المصرف المركزي يمكن اختصارها في الجدول التالي وإيجاد الإجابات المناسبة لها في قانون النقد والتسليف، من التزامن بين فترة تجديد السلطة السياسية (الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة) وولاية حاكمية السلطة النقدية، مروراً بأهداف السلطة النقدية وآلية التوفيق بينها وبين أهداف السلطة المالية وصولا الى آلية توزيع أرباح المصرف المركزي وتحويل جزء منها للخزينة...

 

صحيح أنه مع تطور الدين العام كانت السياسة الأنسب للسلطة النقدية اللبنانية مرتكزة على الأسلوب الكلاسيكي الجديد ولكن الأدبيات الاقتصادية تؤكد أنّه حتى لو كان المصرف المركزي يسيطر بصرامة على معدل نمو الكتلة النقدية على المدى القصير بهدف ضبط التضخّم، فإنّ المديونية المتزايدة للدولة لا بد من أن تؤثر على التوقعات التضخمية. والقدرة الشرائية للعملة الوطنية... وإذا كان خيار العملاء الاقتصاديين في مرحلة ما هو «استيراد الصدقية النقدية» باللجوء إلى الدولرة، وكان اختيار مصرف لبنان هو السعي لتحقيق الاستقرار النقدي وفقا للنهج التقليدي النقدي من خلال التحكّم بالتضخم بالارتكاز على سياسة نقدية مقيّدة، قبل التحرك تدريجاً بنحو موازٍ لربط سعر الصرف في ظلّ معدلات دولرة آخذة في الارتفاع، بحثاً عن ضمان القدرة الشرائية للمدخرات وتسهيلاً للتسعير والتداول للمنتجات.. فالدولرة الجزئية لا بد من أن تقود الى خيار ثابت على المدى الطويل: إما الدولرة الشاملة أو الاستقرار النقدي الفعلي الذي يعيد الثقة بالعملة الوطنية على أساس صدقية السلطة النقدية والاستقلالية الفعلية للمصرف المركزي وخياراته في الحفاظ على القدرة الشرائية للمدّخرات.. فهل تكون 2022 سنة الحسم في أحد هذين الاتجاهين؟ ولأيّ منهما الأرجح أن تكون الغلبة؟

بين ميزان المدفوعات ومالية الدولة: كيف أصبح سعر الصرف «إصطناعياً»؟ 06-Dec-2021

 بين ميزان المدفوعات ومالية الدولة: كيف أصبح سعر الصرف «إصطناعياً»؟

06-Dec-2021 https://www.aljoumhouria.com/ar/news/626460/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%81%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%B3%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

بات معلوماً أنّ العام 2011 شكّل نقطة مفصلية باتجاه الانقلاب السلبي في جميع المؤشرات الاقتصادية، لاسيما منها وضع ميزان المدفوعات الذي تحوّل من فائض يفوق الـ 7 مليارات دولار، الى تراكم عجوزات بمليارات الدولارات، باستثاء العام 2016، الذي تمّ فيه تسجيل «فائض اصطناعي» في ميزان المدفوعات جراء استقطاب دولارات من الخارج لتوظيفها في الداخل تحديداً في الأوروبوند، وشهادات إيداع المصرف المركزي بالعملات الأجنبية عبر «الهندسات المالية»، بمحاولة شراء الوقت في غياب الإصلاحات المالية والادارية الفعلية، ومع بداية تضييق «مصادر الدولار» الى لبنان بعد اندلاع الأزمة في سوريا من جهة وإسقاط حكومة لبنان عام 2011 وتبدّل مناخ الاستقرار السياسي... إلّا أنّ الملفت أيضاً، أنّه في صلب مرحلة انقلاب الموازين السياسية المؤثرة مباشرة على المناخ الاستثماري، وتضاعف عوامل المخاطرة في البلاد (المؤثرة على الفوائد وعلى التصنيف السيادي، كما ذكرت حينها جميع تقارير مؤسسات موديز، فيتش، ستاندرد بورز...)، وزيادة انغماس الجهاز المصرفي في تمويل العجز المتمادي للدولة ولسدّ حاجات المصرف المركزي من احتياطات الدولار... تمّ الإبقاء على تثبيت سعر صرف الدولار الى الليرة اللبنانية على أساس 1507.5 كسعر وسطي وكأنّ أي شيء في المشهد الاقتصادي لم يتبدّل. ومهما كان ثمن هذا التثبيت، كيف انتقل سعر الصرف من أن يكون انعكاساً حقيقياً لوضع الاقتصاد ليصبح مؤشراً «وهمياً» لا علاقة له بمتانة الاقتصاد وديناميكيته؟ وأكثر من ذلك، كيف استمر التمسّك بهذا الخيار من جميع الأفرقاء والمسؤولين حتى اليوم، على الرغم من انكشاف الواقع الاقتصادي وانفلاش السوق الموازي وتعدّد أسعار الصرف؟

بعد طي صفحة الحرب الداخلية مطلع التسعينات، شهد لبنان حالة من المديونية المفرطة، ومنها جزء متزايد بالدولار الأميركي وسياسة جذب رؤوس الأموال بالعملة الأجنبية لتزويد الإحتياطي الأجنبي لمصرف لبنان بقدرته على الحفاظ على ربط سعر صرف الليرة بالدولار، لاسيما منذ العام 1997 على أساس 1507.5 ليرة لبنانية/ الدولار الأميركي. وقد ظلّ الوضع مقبولاً حتى عام 2011 عندما اندلع الصراع في سوريا وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين على لبنان مع تدهور النمو الاقتصادي، وبدأ منحى تراكم عجز ميزان المدفوعات. منذ عام 2011، ارتفعت نسبة الدين العام/الناتج المحلي الإجمالي بشكل مستمر، لتتجاوز 176% في نهاية عام 2019 مع تدهور وضع المالية العامة وزيادة الدين العام مع تراجع معدل النمو الاقتصادي من حوالى 8.5% في 2011 إلى أقل من 1% في نهاية 2019. في الواقع، يظهر التفاوت الكبير في أوضاع الدين العام عبر العالم، صعوبة تحديد عتبة إفلاس أو عدم استدامة الدين العام، ويتعلق ذلك بإثنين من "معايير ماستريتش" للمالية العامة: سقف 3% من العجز المالي الى الناتج المحلي، وسقف 60% نسبة الدين العام الى الناتج المحلي.


ومع التبدّل الجذري في مناخ الاستقرار السياسي منذ العام 2011 وانقلاب فائض ميزان المدفوعات، الى تراكم عجز متزايد، يعني سنوياً خروجاً صافياً للدولار الأميركي من لبنان، جاء الفراغ الرئاسي لحوالى سنتين ونصف والتشنج السياسي والأمني المتنقّل بين المناطق والتجاذب السياسي على كل الملفات، ليدهور مناخ الاستقرار الأساسي للاستثمار وجو الثقة والصدقية تجاه البلدان المانحة التي شهدت عدم الالتزام بأي من الإصلاحات الاقتصادية التي كان سبق واقترحها لبنان في أوراقه السابقة من باريس 1، 2، 3 وصولاً الى "سيدر"، خصوصاً في ما يخص قطاع الكهرباء، الذي تسبّب بعجوزات مالية بين 1.5 و2 مليار دولار سنوياً، حتى جمعت مع تراكم الفوائد عليها أكثر من 43 مليار دولار، قاربت نصف قيمة الدين العام، وكانت تتغطّى على شكل سلفات خزينة بالدولار الأميركي من المصرف المركزي دون إمكانية تسديدها ولا حتى معالجة ملف الكهرباء، فيما كانت تستنزف إحتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. ويتراجع تصنيف لبنان السيادي من قِبل جميع مؤسسات التصنيف الدولية "فيتش" "موديز" "ستاندر بورز"... ما يعني قرع جرس العجز عن سداد الديون بالدولار تحديداً...



علماً أنّ ميزان المدفوعات يتشكّل من مجموع الميزان التجاري وميزان الرساميل. ومن المعروف تاريخياً أنّ كل فائض في ميزان المدفوعات كان ينتج من فائض كبير في ميزان الرساميل (الفرق بين حركة دخول وخروج الرساميل)، يتمكّن من التعويض بفائض أكبر عن عجز الميزان التجاري (الفارق بين الاستيراد والتصدير)، الذي لطالما عرف تاريخياً تراكم عجوزات في لبنان حيث يفوق الاستيراد أضعاف التصدير، نظراً لأسباب بنيوية استراتيجية وليس لعوائق ظرفية قابلة للتبدّل بسهولة.



ومن أبرز العوامل التي أدّت الى هذا العجز المتزايد في الميزان التجاري، هو أنّ لبنان بلد مستهلك من الدرجة الاولى، وحاجة استهلاكه الى السلع المستوردة في تزايد مستمر، بفعل ارتفاع القوة الشرائية لدى السكان، وخصوصاً في الفترة التي كانت فيها عملته "مدعومة" عبر ربطها بالدولار (1507.5) منذ العام 1997، ولكون لبنان بلد سياحة وخدمات، يزوره الإجانب بأعداد كبيرة ويزيدون من استهلاك مختلف الماركات العالمية، ليمثّل الاستيراد أكثر من 80 % من الاستهلاك في لبنان.


كذلك يبرز ضعف قدرة لبنان على التصدير. إذ على الرغم من التوسع الكبير الذي حصل في السنوات الاخيرة في ميدان الانتاج الصناعي والزراعي، وبالرغم من الزيادة الملحوظة في حجم الصادرات اللبنانية الى الخارج، فإنّ العناصر والإمكانات الإنتاجية المتوفرة في لبنان لا تزال ضعيفة لأسباب عدة، نظراً للحاجة الى استيراد المواد الأولية للمنتوجات الصناعية ومختلف التجهيزات وصولاً الى التغليف، كما لارتفاع كلفة عناصر الإنتاج من كلفة الرأسمال، أي معدّل الفائدة على كلفة الأجور، كذلك بسبب ضيق السوق اللبناني وصعوبة تحقيق ما يُعرَف في عالم الاقتصاد بـ"إقتصاد الكم" الذي يقلّص كلفة الوحدة المنتجة كلما زاد عدد الوحدات المنتجة. كما هناك مشكلة تأمين المياه الكافية لجميع المناطق وضعف شبكات الري، وطبعاً بشكل أساسي أزمة قطاع الكهرباء، وكل ما ينتج منها من عراقيل انتاجية تقلّص القدرة التنافسية للمنتج اللبناني.


ومع ذلك، طالما كان ميزان المدفوعات في مسار تصاعدي، ظلت فجوة النمو بين ودائع العملات الأجنبية والموجودات الخارجية للنظام المصرفي مضبوطة، وبالتالي انخفضت نسبة الودائع إلى الأصول الخارجية من 1.7 عام 1997 إلى 2.0 في نهاية 2011.



أما أخيراً، وبحسب إحصاءات الجمارك اللبنانية، انخفض العجز التجاري بنسبة 37% ليبلغ 9780 مليون دولار مقارنة مع 15508 ملايين دولار في 2019. وقد أدّى ذلك الى تراجع في الاستيراد بنسبة 25.9%، وارتفاع في التصدير بنسبة 19.4%، لكن اللافت أنّ حصّة السلع المدعومة من مجمل الواردات كانت تبلغ 46.9%، وبالتالي فإنّ باقي السلع لم تنخفض بأكثر من 27.8% في عزّ الانهيار المصرفي والنقدي والاقتصادي.


وتشير الإحصاءات، إلى أنّ واردات لبنان بلغت 14240 مليون دولار في نهاية 2020 مقارنة مع 19239 مليوناً في 2019، في مقابل صادرات بقيمة 4458 مليون دولار في 2020 وبقيمة 3731 مليوناً في 2019.


التراجع الذي طرأ على الاستيراد بدأ يظهر اعتباراً من الشهر الثالث من السنة الماضية، واستمر بوتيرة متراجعة إلى أكثر من النصف حتى شهر تشرين الثاني الذي كاد أن يبلغ مستوى الاستيراد المسجّل في الأشهر نفسها من 2019. وهذا الأمر مرتبط إلى حدّ ما بالانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب.


يمثّل عجز الميزان التجاري الجزء الأهم من عجز ميزان المدفوعات. لذا، فإنّ تراجع عجز الميزان التجاري ضروري ومهم، باعتباره يفسّر جانباً أساسياً في ميزان المدفوعات يتعلق بخروج العملات الأجنبية من لبنان. التراجع في العجز التجاري بنسبة 37% لا يمكن التعويل عليه كثيراً. صحيح أنّ العجز تقلّص بقيمة 5728 مليون دولار، إلّا أنّ حجم العجز ما زال كبيراً ويبلغ 9780 مليون دولار. العجز يمثّل حاجة لبنان إلى حجم كبير من الدولارات يوازي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي المقدّر من صندوق النقد الدولي بنحو 18.6 مليار دولار.


اللافت أنّ كمية السلع المدعومة المستوردة إلى لبنان في 2020 تبلغ 6680 مليون دولار (مدعومة بنسبة 90% للبنزين والدواء والقمح والمستلزمات الطبية والغاز والمازوت والفيول، أي باستثناء 960 مليون دولار مواد غذائية مدعومة بنسبة 100% على أساس 3900 ليرة لكل دولار، وتُموّل من احتياطات مصرف لبنان بما قيمته 5148 مليون دولار)، أي ما يوازي 68.3% من العجز التجاري، ونحو 46.9% من مجمل الواردات.


وبالتالي، فإنّه بعد استثناء الكميات المدعومة من فاتورة الاستيراد، يتبيّن أنّ الاستيراد تراجع في عام 2020 بنسبة لا تزيد عن 28.7%. فبحسب أرقام الجمارك، إنّ لبنان استورد بقيمة 7.7 مليارات دولار من السلع غير المشمولة بدعم الاحتياطات بالعملات الأجنبية، وفي عام 2019 استورد من هذه السلع بقيمة 10.7 مليارات دولار، ما يعني أنّ التراجع قيمته 3 مليارات دولار فقط.


تراجع بهذا المستوى مستغرب جداً في ظل تطورات سعر صرف الليرة. سعر الليرة انخفض بنسبة 85%، بينما تضاعف سعر الدولار مقابل الليرة بنحو 8.6 مرات. كل هذه الخسائر لم تحتّم تراجعاً كبيراً في الاستيراد والاستهلاك. فمن مفاعيل الأزمات أنّها تضرب القدرة الشرائية ما ينعكس سلباً على الاستهلاك، وبما أنّ الجزء الأكبر من استهلاكنا مستورد، فإنّه ينعكس سلباً على الاستيراد.


من أبرز المتغيرات التي أثّرت في الميزان التجاري وبالتالي ميزان المدفوعات منذ اندلاع الأزمة، أنّ هناك بعض السلع التي تراجع استيرادها، من أبرزها استيراد السيارات الجديدة والمستعملة، وبعض السلع المعمّرة الأخرى، بينما لا يزال استيراد اللبنانيين من باقي السلع شبه مستقرّ. وتشكّل تحاويل الدولار الواردة الى لبنان، سواء من تحويلات المغتربين أو باقي التحويلات الرأسمالية بما فيها الأموال التي تدخل إلى لبنان نقداً، تأمين استمرارية تمويل الاستيراد، كونها تصل الى أيدي الجهات التي تستعملها من أجل تمويل الحركة الاستهلاكية. لم يستفِد لبنان من هذه الأموال سوى في تحريك الاستهلاك وإسباغ نوع من الاستقرار على الاستيراد.


علماً أنّه بعد زلزال بيروت حصل ضخّ كبير للأموال إلى المقيمين في بيروت، لا سيما عبر المنظمات غير الحكومية، بغض النظر عمّا وصل منها فعلياً بالعملات الأجنبية الى المتضررين مباشرة أو الذين تضرّروا جزئياً. مصدر هذه الأموال كان من الدول والمنظمات الدولية مباشرة أو عبر مؤسسات المجتمع المدني، وبعضها لا يزال قائماً إلى اليوم. هذه الأموال حفّزت حركة الاستهلاك والاستيراد قليلاً، من أجل تغطية بعض الأضرار أو لمساعدة السكان على الصمود.


ولكن مع اختتام العام 2021، وتحقّق معظم شروط صندوق النقد الدولي حتى قبل المحادثات معه (مع توقّف دعم المنتجات ولو بنتيجة نفاد احتياطي العملات الأجنبية وليس بفعل قرار اقتصادي استراتيجي هادف، وتقلّص عجز ميزان المدفوعات، ولو بفعل العجز عن تأمين الدولارات للمزيد من الاستيراد، وضبط عجز الكهرباء نظراً لتوقّف الإضاءة والانتقال الى المولّدات بشكل شبه كامل والاضطرار الى تصحيح التعرفة قريباً، والاعتراف التدريجي بضرورة أن يعكس سعر الصرف حقيقة السوق)، هل يكون عام 2022 عام تصحيح الخيارات الاقتصادية تلقائياً، ولو على طريقة "مكره أخاك لا بطل"؟!

الغرق المالي-النقدي-المصرفي في لبنان: هكذا انغمس الاقتصاد في تمويل الدولة! 04-Nov-2021

 الغرق المالي-النقدي-المصرفي في لبنان: هكذا انغمس الاقتصاد في تمويل الدولة!

 04-Nov-2021 https://www.aljoumhouria.com/ar/news/621818/%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%86%D8%BA%D9%85%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

من المعروف أن العام 2011 شكّل تاريخ الانقلاب السلبي في كل المؤشرات الاقتصادية وصولا الى انفجار الأزمة عام 2019 (من النمو الاقتصادي الذي تدهور من أكثر من 8.25% الى أقل من 1%، وصولا الى ميزان المدفوعات الذي تحوّل من فائض يفوق الـ 7 مليارات دولار الى تراكم عجوزات بمليارات الدولارات...) بعد اندلاع الأزمة في سوريا من جهة وسقوط الحكومة وتبدّل مناخ الاستقرار السياسي والعمل المؤسساتي في لبنان عام 2011... إلا أن الملفت أيضا أنه شكّل مرحلة الانقلاب على مبدأ إستقلالية مصرف لبنان المركزي عبر مزيد من انغماسه في تمويل القطاع العام وانجرار مجمل الجهاز المصرفي نحو هذا الخيار بعد أن عاوَد معدل الدين العام والناتج المحلي الارتفاع من نحو 130% عام 2006 الى نحو 180% عام 2019 قبل انفجار الأزمة... فكيف ارتسمت هذه المشهدية الجديدة التي أغرقت الوضع النقدي والمصرفي في أزمة المالية العامة المزمنة؟ وكيف تمادى توجيه التمويل المصرفي من مدخرات الناس بنحو غير مسبوق صوب الاكتتاب بسندات الخزينة والأوروبوند والتوظيف في شهادات إيداع المصرف المركزي؟ عوامل عدة جعلت كل الاقتصاد اللبناني منغمساً في تمويل الدولة بدلاً من أن تكون الدولة ناشطة لتفعيل الاقتصاد...

إشكالية العجز المالي في لبنان والسعي للتمويل عبر اللجوء إلى المصرف المركزي بدأا مع بداية سنوات الحرب عبر السعي الى التمويل النقدي لعجز الميزانية العامة بسبب تدهور إيرادات الموازنة في الثمانينات وكان بشكل أساسي بالليرة اللبنانية، قبل أن تبدأ الاستدانة بالدولار الأميركي وتتزايد لتصبح اليوم في حدود ثلث الدين العام. أما أكثر ما هو ملفت فهو تحميل معظم الدين العام، إن كان بالليرة أو بالدولار، للجهاز المصرفي اللبناني (مصرف مركزي ومصارف تجارية) فضلاً عن انغماس المصارف في توظيف معظم الودائع بالدولار لديها على شكل شهادات إيداع لدى المصرف المركزي… (رسم رقم 1)

 

 

ومن المعروف إقتصادياً أن مفهوم استقلالية المصرف المركزي يقتضي تأمين ثلاث ركائز أساسية:

الاستقلالية القانونية في النصوص، الاستقلالية الفعلية في الممارسة، والاستقلالية المالية في حسابات المصرف المركزي تجاه الدولة.

 

ولطالما شددت الأدبيات الاقتصادية، وخصوصاً مع الموجة الكلاسيكية، على تأمين الفصل التام للسياسة النقدية للمصرف المركزي عن السياسة المالية للحكومة ووزارة المال خصوصاً لتفادي لجوء الحكومة متمثّلة بوزارة المال لطلب تغطية عجوزاتها المالية من خلال تدخل المصرف المركزي، إن كان عبر ضخ السيولة وتحمّل انعكاساتها التضخمية الفورية أو من خلال الضغط على المصرف المركزي للمساهمة في الدين العام عبر الإكتتاب بسندات الخزينة والتفاوض حول شروطها بالكمية والآجال ومستوى الفوائد... أو طباعة النقد وزيادة في السيولة واصطناع نهضة عابرة في الأسواق في فترات محددة، مثل الفترات التي تسبق الإنتخابات، لإحداث صدمة إيجابية وهمية لا تلبث أن تتحوّل كابوساً تضخمياً يصعب ضبطه من دون أي مساهمة في نمو إقتصادي حقيقي وخلق فرص العمل المطلوبة. (رسم رقم 2)

 

عملياً، تم انغماس السلطة النقدية والقطاع المصرفي في لبنان بتمويل عجز المالية العامة وتوافق الأفرقاء الثلاثة (المالية العامة والمصرف المركزي والمصارف) على الهندسات المالية عام 2016 لتأخير انفجار الأزمة واجتذاب أكبر مقدار من الدولارات «بأي ثمن» (أي بأعلى معدّلات فوائد) لمزيد من الوقت للإصلاح والتمكن من الاستفادة من اموال مؤتمر «سيدر» مع الاستمرار في سعر الصرف نفسه أياً يكن تدهور المؤشرات الاقتصادية، لا سيما منها تدهور ميزان المدفوعات، فتم إغراق الجهاز المصرفي بـ»فشل القطاع العام» وخياراته من المالية الى النقدية، ولكن من دون الالتزام بتنفيذ أي من الاصلاحات، لا بل تم إقرار سلسلة رتب ورواتب بحسابات خاطئة باعتراف السلطة المالية نفسها قبيل الانتخابات النيابية 2018 لا بل توظيف 5300 موظّف إضافي بعد إقرار قانون وقف التوظيف (وفق تقرير التفتيش المركزي) حتى باتت أجور ورواتب القطاع العام تمتص أكثر من ثلث الموازنة قبل انفجار الأزمة فيما لا يتجاوز معدّلها عالميا 15 % .

 

وقبل الانتخابات النيابية كان الدين العام في آذار 2018 نحو 81.9 مليار دولار، وقد وصلت نسبته إلى 152.8 % للناتج المحلي، وكان ثالث أعلى معدّل في العالم. وبقيت موجودات مصرف لبنان السائلة بالعملات الاجنبية، التي تشكّل دعامة الاستقرار النقدي، عند مستوى مرتفع، إذ بلغت 34.3 مليار دولار في نهاية آذار 2018.

 

وبلغت قيمة الدين العام المحرر بالليرة اللبنانية 77300 مليار ليرة، مشكّلة نحو 62.6 % من اجمالي الدين العام، في مقابل ما يعادل 46126 مليار ليرة للدين المحرر بالعملات الاجنبية، أي ما نسبته 37.4 % من الدين العام الاجمالي، مع ملاحظة أنه يعتبر دينا حكوميا فقط (لأن الدين العام يفترض أن يشمل أيضا ديون المؤسسات العامة ومستحقاتها مثل المقاولين والمستشفيات ذات فواتير غير مدفوعة من الدولة، الضمان الاجتماعي...).

 

وقد عادت وزارة المال إلى إصدار سندات الخزينة اللبنانيّة بالليرة، إنما بعد رفع الفوائد المدفوعة عليها من 7.46 % إلى 10.5 %، عملاً بالإتفاق بين الوزارة ومصرف لبنان، الذي أنهى شهرين من توقّف الإكتتاب في سندات الخزينة.

 

مع تنامي الأزمة، عمد مصرف لبنان إلى إطلاق هندسات وإجراءات إستثنائيّة، عرض من خلالها فوائد سخيّة مقابل توظيف سيولة القطاع المصرفي بالدولار عنده، لرفع إحتياطه بالعملات الأجنبيّة، وبعدها عمد إلى إمتصاص السيولة بالليرة، بالطريقة نفسها، لتفادي تحوّلها ضغطا في اتجاه شراء الدولار.

 

وهنا، لم يعد من مصلحة المصارف توظيف سيولتها مباشرة في سندات الخزينة، نظرا إلى الأرباح السخيّة التي تحققها من توظيفاتها مع المصرف المركزي. وهكذا، إرتفعت ودائع المصارف لدى المصرف المركزي من 65.3 مليار دولار في بداية 2015 إلى 113 مليار دولار حتى تشرين الأوّل 2018.

 

ولتعويض هذا النقص في تمويل الدين العام وشراء سندات الخزينة، لعب مصرف لبنان دور الوسيط، عبر توظيف أمواله بشراء السندات بنفسه... فتناقصت حصة المصارف من سندات الخزينة إلى 36 % حتّى حزيران 2018، مقابل إرتفاع حصّة مصرف لبنان الى 48 %. وفي إكتتابات الفصل الثاني من عام 2018، اشترى مصرف لبنان وحده 58 % من هذه السندات.

 

وبين الفوائد المرتفعة التي كان يتم دفعها لتوظيفات المصارف في مصرف لبنان، والفوائد الأقل التي كان ينالها المصرف المركزي مقابل توظيف جزء من هذه الأموال في عمليات شراء سندات الخزينة، كان مصرف لبنان يتحمّل فارق الفوائد كخسائر في الموازنة طوال السنوات الماضية

 

وكانت مختلف الازمات الحكومية والتوتر السياسي وتداعي مناخ الثقة للاستثمار تضغط سلبا على سندات الدين اللبنانية كما على السندات بالعملات الأجنبية «اليوروبوند» التي كانت تحمل نصفها المصارف ونحو 5 مليارات من الدولارات لدى المصرف المركزي والبقية لغير المقيمين... وكانت تخسر قيمتها مع تراجع تصنيف لبنان السيادي لدى مؤسسات التصنيف «فيتش»، «موديز» و«ستاندرد أند بورز»، مما دفع بعض حامليها الى طرحها في السوق للبيع تجنبّاً لخسائر اضافية محتملة في اسعارها.

 

كذلك مطلع العام 2019 قرر المصرف المركزي الخروج من هذا الدور، الذي كان يكلّف موازنته فارق الفائدة، فتوقّف الإكتتاب في سندات الخزينة، الى حين التوصّل إلى إتفاق بديل مع وزارة المال. أمّا المصارف فلم يكن لها مصلحة في الإكتتاب بفوائد السندات المخفوضة، مقارنة بفوائد توظيفاتها مع مصرف لبنان.

 

وهكذا لم يكن هناك من حل سوى تحميل الماليّة العامّة فارق الفائدة والكلفة، عبر رفع فوائد سندات الخزينة، لدفع المصارف إلى الإكتتاب بهذه السندات، وتم الإتفاق على هذا النحو بين وزارة المال ومصرف لبنان.

 

هذا المسار، يعني في إختصار، أنّ رفع الفوائد والأرباح في الفترة الماضية على التوظيفات مع المصرف المركزي للتحكّم بالسيولة، وإمتصاصها، والتعامل مع الأزمة، طاولت حتى الاكتتابات بسندات الدين العام وكلفتها.

 

اليوم بلغ حجم الدين العام 97.75 مليار دولار حتى نهاية حزيران 2021، وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المال. إنما في الواقع هذا الرقم هو عن الدين العام الذي يشمل دين الدولة الداخلي والخارجي، وقد تم احتساب الجزء الذي بالدولار الأميركي على أساس سعر الصرف الرسمي أي على 1515 ليرة مقابل الدولار وهو يصبح أقل بكثير اذا تم تحويل الدين بالدولار إلى الليرة اللبنانية على أساس سعر صرف السوق الموازية.

 

ووفق الارقام الرسمية، فإن الدين العام بالليرة اللبنانية بلغ 91 ألفا و169 مليار ليرة أو ما يعادل 60.5 مليار دولار في نهاية حزيران 2021. أما الدين بالعملات الاجنبية، والذي يشمل الاستحقاقات والكوبونات غير المدفوعة منذ توقّف الدولة عن السداد في آذار 2020، فيبلغ 37.3 مليار دولار مرتفعاً 3.4 % منذ نهاية العام 2020 و7 % منذ حزيران 2020. ووفق هذه الارقام، فإن نحو 8.1 مليارات دولار من رصيد الدين بالعملات الاجنبية كانت عبارة عن متأخرات حتى حزيران 2021.

 

ويشكل الدين المحلي ما نسبته 62 % من الدين الاجمالي، فيما الدين الخارجي يمثل 38 %. ويحمل مصرف لبنان ما نسبته 38 % من الدين العام (61.6 % دين بالليرة اللبنانية مقارنة بـ50.2 % قبل عام)، ثم المصارف بنسبة 15.5 % (25 % دين محلي مقارنة بـ27.8 % قبل عام) والمؤسسات المالية غير المصرفية 8.2 %. أما الدين العام الصافي، أي الذي يستثني ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان والمصارف، فبلغ 86.4 مليار دولار في نهاية حزيران.

 

أما الدين بالدولار الأميركي «الأوروبوند»، فيتبيّن أنه حتى آخر تمّوز 2021، كانت المصارف التجاريّة لا تزال تحمل 8 مليارات و100 مليون دولار منه، ومصرف لبنان يحمل 5 مليارات دولار، أمّا المؤسّسات الماليّة والاستثماريّة الخارجيّة فهي تحمل معظم بقية سندات الاوروبوند، علماً أن معالجة مسألة الدين العام وإعادة هيكليته بعد التوقف الفجائي عن السداد في حكومة الرئيس دياب عام 2020 بات من أولويات المحادثات مع صندوق النقد الدولي، مع أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت قد وعدت بالتفاوض مع الدائنين الأجانب لإعادة هيكلة الدين الخارجي المرتبط بسندات الأوروبوندز.

 

وتشمل إعادة هيكلة الديون السيادية عادةً خفض القيمة الاسمية للدين وتمديد آجال الاستحقاق، على أمل أن يتعافى الاقتصاد وأن تكون الحكومة قادرة على الدفع أو إعادة التمويل. وهذا الأمر مرتبط بوضع الحكومة خطة إصلاح تكسب صدقية المجتمع الدولي. فيما كانت «غولدمان ساكس» توقعت في تقريرها الأخير أن يفقد حاملو سندات الأوروبوندز 75 % من قيمة مستحقاتهم.

 

يبقى أنّ «إطفاء» الدين العام بطباعة العملة الوطنية ينعكس تضخّماً، والتخلّف عن سداد الدين بالعملات الأجنبية في انتظار إعادة هيكلته، ينعكس تراكماً في الخسائر في النظام المصرفي المنغمس بنحو هائل في تمويله... صحيح أنّ عدم استدامة الدين العام كانت تنذر بالانهيار إلا أن الغرق المالي-النقدي-المصرفي الشامل ما هو إلا ثمرة التشابك بينها في توجيه معظم الادخار من المصارف نحو القطاع العام (مالية عامة مصرف مركزي) بدل الاستثمار الخاص والمشاريع المنتجة.