samedi 6 juin 2020

أين لبنان من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؟

أين لبنان من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؟

Tuesday, 02-Jun-2020 06:28
في الواقع، وبعدما تفاقمت الأزمات الإجتماعية الى حدّ تسجيل عدم قدرة الدولة على الإستجابة وحدها الى الحاجات الإنسانية والإجتماعية للفرد أو الجماعة، ظهر واضحاً انّ الهمّ الإجتماعي بات مسؤولية مجتمعية، يتشارك فيها الجميع، وفي مقدّمهم مؤسسات القطاع الخاص تحت راية المسؤولية الاجتماعية للمساهمة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة الـ17 للتنمية المستدامة حتى العام 2030. فما هي أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؟ وأين لبنان من كل منها؟ فمن الثابت، انّ للمجتمع المدني دوراً كبيراً يلعبه بالتكامل والتعاون مع القطاعين الخاص والعام، فيما التحدّي الأساسي في تحقيق هدفين متوازنين: تأطير دور ومدى عمل المجتمع المدني، من ضمن الاستراتيجية التنموية للمؤسسات المعنية تجاه مجتمعها بمختلف مكوناته من جهة، وتأمين الربط والتواصل المفقودين بين المشاريع التي تنفذها المنظمات غير الحكومية وتوجيه التمويل المطلوب لها...
مع رفع الأمم المتحدة جدول أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بدأ التطلّع نحو مؤسسات القطاع الخاص لترجمة مفهوم «المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات»، من خلال المساهمة الفعلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17. هذه الأهداف لا تستطيع طبعاً الحكومات تنفيذها بمساهمة القطاع العام وحده، بل هي تتطلّب مساهمة القطاع الخاص بشكل أساس، عبر برامج المسؤولية الاجتماعية، كما تعاون مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي التضامني، من جمعيات ومنظمات غير حكومية وصناديق تعاضد وتعاونيات ومؤسسات ريادة إجتماعية...

اول أهداف الأمم المتحدة يبدأ بالقضاء على الفقر، الذي لا يزال بكل أشكاله أحد أكبر التحدّيات التي تواجه البشرية. فعلى الرغم من أنّ عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 1990 و2015، فإنّ كثيرين لا يزالون يكافحون من أجل تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية. أما في لبنان، فمن أبرز المشاريع الكبرى التي تصبّ في هذا الإطار، نذكر البرنامج الوطني لاستهداف الفقر، الذي تميّزت به وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع البنك الدولي، والذي يشهد ازدياداً في المطالب مع اشتداد الأزمة الاقتصادية.

والهدف الثاني، هو القضاء التام على الجوع، عبر زيادة النمو الاقتصادي والإنتاجية الزراعية. وقد استُكملت هذه الخطوات بسياسات تشجيع توزيع فائض الغذاء، ضمن شروط الصلاحية والسلامة والصحة العامة، ونذكر في هذا الإطار إقتراح قانون وهب فائض الغذاء المعلّب لدى التجار والمستوردين وإيصاله الى المحتاجين وفق أعلى المعايير، قبل شهر من انقضاء صلاحيته، بما يسمح بمكافحة الجوع والفقر على السواء.

أما في ما يتعلّق بهدف الصحة الجيدة والرفاه، فقد تحققت عالمياً خطوات واسعة في سبيل الحدّ من وفيات الأطفال، وتحسين صحة الأمهات، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا وغيرها من الأمراض وصولاً الى فيروس كورونا أخيراً... وتبقى الحاجة الى تأمين التغطية الصحية الشاملة وأفضل خدمات صحية لإنقاذ أكبر عدد من الناس وتحسين نوعية عيشهم وتعايشهم مع المشكلات الصحية بأفضل المعايير.. وهو ما لا يزال نقطة ضعف في البلدان النامية. وقد تبيّن انّ من أبرز هموم التعامل مع فيروس كورونا في لبنان، افتقاد البطاقة الصحية الشاملة وتعدّد الصلاحيات والهيئات الضامنة وتغطيتها...

وبالنسبة الى هدف التعليم الجيد، فقد تمّ إحراز تقدّم هائل عالمياً منذ العام 2000، وفي لبنان الذي يتميّز بمستوى أكاديمي، يبقى التعليم مرتكزاً بنحو أساسي على القطاع الخاص، ويحتاج دعم الدولة لتوفير التعليم لجميع شرائح المجتمع، بما يساعد في الخروج من الفقر نحو التقدّم المعيشي والاجتماعي الشامل.

أما هدف المساواة بين الجنسين، فيتمثّل بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء والفتيات. وقد ثبت أنّ تمكين النساء والفتيات له أثر مضاعف، ويساعد في دفع النمو الاقتصادي والتنمية في كل المجالات.

وفي مجال المياه النظيفة والنظافة الصحية، تشدّد أهداف الأمم المتحدة على تأثير ندرة المياه على أكثر من 40 % من السكان في أنحاء العالم. أما في لبنان، فمن المعروف أنّ مياه الأمطار التي تتساقط سنوياً تساوي أضعاف حاجات البلاد من المياه، لو تمّ إنشاء السدود المناسبة وفق المعايير العلمية المطلوبة، إلّا أنّ غيابها يجعل لبنان يعاني شح المياه، ما يؤثر على المساحات المزروعة التي تحتاج الري كما المشاريع السياحية..

وفي مجال الطاقة، تؤكّد أهداف التنمية المستدامة على ضرورة تأمين الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة، وقد زاد عدد من يحصلون على خدمات الكهرباء عبر العالم بمقدار 1.7 مليار نسمة، بين عامي 1990 و2010. وقد أسفرت الجهود الرامية إلى تشجيع الطاقة النظيفة، عن توليد أكثر من 20 % من الطاقة العالمية من مصادر متجدّدة للطاقة اعتباراً من عام 2011.

وفي لبنان، يبقى قطاع الطاقة من أبرز نقاط الضعف في الاقتصاد، حيث تتسبب الكهرباء بعجز سنوي بحدود ملياري دولار أميركي، من دون تأمين التيار الكهربائي المتواصل، ما يكبّد الناس والمؤسسات تكاليف الاشتراك بمولّدات خاصة ويرفع تكاليف الإنتاج الوطني ويخفّض قدرتها التنافسية..

كما يمثّل العمل اللائق ونمو الاقتصاد أحد أبرز أهداف التنمية المستدامة، إذ على الرغم من التأثير المتواصل للأزمة الاقتصادية للعام 2008 والركود العالمي، انخفض عدد العمال الذين يعيشون في فقر مدقع بمقدار كبير على مدى السنوات الـ25 الماضية. وتشكّل الطبقة الوسطى اليوم في البلدان النامية أكثر من 34 % من مجموع القوى العاملة ، وهو عدد تضاعف ثلاث مرات تقريباً بين عامي 1991 و 2015. ولكن بعض البلدان، ومنها لبنان، تعاني من غياب أي رعاية إجتماعية للذين يعانون من البطالة، والحاجة الملحة الى سياسة مواكبة لتوجيه الشباب الى التخصّص وفق حاجات السوق.

كما انّ من أهداف التنمية المستدامة، الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية. إذ تمثل الاستثمارات في الصناعة والبنية التحتية والابتكار، عوامل حاسمة للنمو الاقتصادي والتنمية. ولأنّ أكثر من نصف سكان العالم يعيشون اليوم في المدن، ازدادت أهمية النقل العام، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات..

ومن أبرز اهداف التنمية لدى الأمم المتحدة، هو الحد من وجوه عدم المساواة، حيث يكسب أغنى 10% من سكان العالم نحو 40 % من إجمالي الدخل العالمي، بينما يكسب أفقر 10% ما بين 2% و7% فقط من مجموع الدخل العالمي. وفي البلدان النامية، ارتفعت معدلات عدم المساواة بنسبة 11% إذا ما أخذنا في الاعتبار معدلات النمو السكاني. وتتطلب هذه التفاوتات الآخذة في الاتساع، اعتماد سياسات سليمة لتمكين الفئات من أصحاب الدخل الأدنى، وتعزيز الإدماج الاقتصادي للجميع. وهذا الهدف هو من الأكثر اجتذاباً لمبادرات المؤسسات الخاصة في لبنان، من باب المسؤولية الاجتماعية وتقليص الفروقات وتعزيز تطوير التقدّم الاجتماعي لمختلف الشرائح الاجتماعية..

ومن أهداف التنمية أيضاً إنشاء مدن ومجتمعات محلية مستدامة. إذ يعيش اليوم أكثر من نصف سكان العالم في المناطق الحضرية. وفي عام 2050، من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى نحو 6.5 مليارات نسمة، أي نحو ثلثي البشرية جمعاء، ما يحتاج الى كثير من العمل في مجال تأمين أسلوب عيش مستدام في هذه المدن الكبرى، لتلبية احتياجات الناس، مع المحافظة على الموارد الطبيعية أيضاً للاجيال القادمة.

وفي هذا الاطار، يُضاف أيضاً هدف الإنتاج والإستهلاك المستدام لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، بما يقتضي خفض البصمة الإيكولوجية بنحو عاجل، عن طريق تغيير طرق الانتاج والاستهلاك.

فضلاً عن جملة الأهداف البيئية من العمل المناخي لتخفيف الآثار الخطيرة الناجمة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وغيره.. ومن الاهداف أيضاً، الحفاظ على الحياة تحت الماء، وهدف حماية الحياة في البر حفاظاً على التنوع النباتي والبيولوجي والموارد الطبيعية.

وبغية تحقيق مختلف الأهداف السابقة للتنمية المستدامة، تشدّد الأمم المتحدة على أولوية الحفاظ على السلام والعدل والمؤسسات القوية لتحقيق السلم والأمن والازدهار، كما على إقامة الشراكات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر التعاون على المستوى الدولي. كذلك تحتاج بلدان كثيرة إلى المساعدة الإنمائية الرسمية، للخروج من أزمات مالية وإقتصادية مستجدة وتحفيز النمو كما التنمية..

ويبقى القول، إنّ النضال للتنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية عموماً في لبنان، لا يزال يفتقد الى التنظيم المؤسساتي، في غياب أي توجيه أو أي نظام مؤشر قياس أو شهادة تقدير للمؤسسات التي تقدّم منتجات أو خدمات وفق المعايير الدولية للمسؤولية الاجتماعية. ويبدو ملحاً إيجاد منصّة جامعة للمؤسسات المساهمة في التنمية المستدامة، عبر إقرار قانون خاص لهذه الغاية. وقد يشكّل تأسيس منصّة كهذه مساحة تلاقٍ وحوار إقتصادي- إجتماعي بين القطاعين العام والخاص وتكامل علمي- مهني، بما يفتح المجال لفرص عمل وتنمية واسعة للأجيال القادمة.

القطاع المصرفي أدرى بواقعه وحاجاته!.. خطة نهوض من المصارف الدائنة الى الدولة المديونة

القطاع المصرفي أدرى بواقعه وحاجاته!.. خطة نهوض 
من المصارف الدائنة الى الدولة المديونة
Thursday, 28-May-2020 06:48
بعد جولة الأخذ والرد حول خطة الحكومة المقترحة للنهوض بالاقتصاد، بعد نكبة الاعلان عن وقف سداد الدين العام واللجوء الى صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة مثلثة الأبعاد للمالية العامة والمصرف المركزي والقطاع المصرفي، دون إدراجه في صياغة الحل، لم تتخذ المصارف خيار التصويب العبثي على خطة الدولة، على الرغم من اقتراح شطب رساميل البنوك عشوائياً، كجزء مما اعتبرته الحكومة "توزيع خسائر"، بل أقدمت على تفنيد وضع القطاع وكيفية نهوضه. وبعد أيام قليلة من تقديم الدولة اللبنانية النسخة الرسمية من خطّتها، نشرت جمعية مصارف لبنان دراسة مفصّلة تشرّح فيها المصارف نفسها أوضاع القطاع في إطار الحال الاقتصادية الشاملة والأعباء التي حمّلها إيّاها وضع المالية العامة والقطاع العام من جهة، ومسؤولية تمويل الاقتصاد والمحافظة على استقرار مؤشراته من جهة أخرى. فما هو واقع التشابك بين أزمة المالية العامة والقطاع المصرفي؟ وأي رؤيا للمصارف للخروج من المأزق واستعادة دورها؟
على الرغم من كون المصارف في خط المواجهة المباشر مع المودعين، إلّا أنّ المعروف أنّ صلب الأزمة ليس في القطاع المصرفي نفسه، بنتيجة أزمة رهن عقاري وسوء إدارة مخاطر على غرار أزمة 2008 التي استنفرت فيها الدول لتعويم العديد من المصارف، بل العكس تماماً، حيث استند القطاع العام المثقل بديونه على مموّله الأول وهو القطاع المصرفي. علماً أنّ للمصارف مسؤوليات أخرى تتصل بدورها الرئيسي في تمويل الاقتصاد والاستثمار الخاص، ولا سيما في بلد مثل لبنان، يُعتبر من "إقتصاديات الاستدانة"، حيث البورصة ضعيفة والمستثمر يعتمد أساساً على التسليفات المصرفية لتطوير أعماله، للمساهمة في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل...

وقد أظهرت مجمل الدراسات، أنّه أبعد من انكشاف المصارف على سندات "اليوروبوند" التي تحملها بحوالى 14 مليار دولار أميركي و"اليوروبوند" التي يحملها المصرف المركزي بقيمة 5.7 مليارات دولار أميركي، فثمة مصادر قلق أخرى من الانكشاف السيادي للقطاع. فبالإضافة إلى سندات "اليوروبوند" التي يحملها القطاع المصرفي، تبيّن أنّ المصارف اللبنانية وظّفت حوالى ثلثي ودائعها بالدولار لدى المصرف المركزي، عبر شهادات إيداع بالدولار الأميركي، حتى بات عليه إلتزامات بقيمة 52.5 مليار دولار على شكل ودائع بالعملات الأجنبية وشهادات إيداع بالدولار الأميركي، يعود معظمها الى المصارف اللبنانية، أي أنّها توظيفات من مجموع مدخرات المودعين اللبنانيين بالعملات الأجنبية. كذلك من المفيد الاشارة، الى أنّ معدل الاحتياطي الالزامي على الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصارف هو 15% ، ما يعني أنّه مقابل مجموع الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصارف، وهو حوالى 120 مليار دولار، ثمة 18 مليار دولار (15% من 120 مليار دولار) على شكل إحتياطي إلزامي بالعملات الأجنبية، تضاف الى الأعباء بالعملات الأجنبية التي يُفترض أن تكون لدى المصرف المركزي إمكانية تغطيتها.

وقد تبلورت تداعيات الأزمة على النتائج السنوية للمصارف العاملة في لبنان تراجعاً في أرباحها من 2.234 مليار دولار أميركي في نهاية عام 2018 الى 522 مليون دولار أميركي في نهاية عام 2019 ، ذلك بشكل عام، دون الدخول بالفوارق من جهة، بين المصارف ذات الحصة الأساسية الصامدة في الحد الأدنى من الأرباح، وتلك التي باتت تعاني الخسائر، ومن جهة أخرى بين المصارف المحصورة في السوق اللبناني، وتتلقّى تداعيات أزمته، والمصارف الأخرى التي تتنفّس من نشاطها خارج الحدود اللبنانية، والتي لم تدرج بعد نتائجها الربحية في حساب مجموع الأرباح الداخلية للمصارف العاملة في لبنان.

إلّا أنّ إعادة هيكلة القطاع المصرفي لا يمكن أن تحصل بشكل إنفرادي وبشطب اجمالي لرساميلها، بغض النظر عن وضعية وخصوصية كل منها.. بل بدراسة وقع إعادة هيكلة الدين على رساميل كل مصرف معني، وبالتالي حاجته للدمج او التصفية للبيع، لتشكيل مجموعات مصرفية صلبة متماسكة تعيد الثقة للقطاع.

وتميّزت رؤيا القطاع المصرفي، بتظهير حاجة إعادة هيكلة القطاع المالي وفق معايير تختلف عما تقدّمت به خطة الحكومة. وتحدّد أنّ هناك حاجة لتطبيق تدريجي واضح، وفي الوقت المناسب، للتدابير، من أجل الحفاظ على الثقة في القطاع المصرفي في لبنان. هذه الرؤيا تعيد تسليط الضوء على جوهر المشكلة والمسبب الأساسي بالخسائر وهو القطاع العام، مما يجعل الأولوية الأولى في اعتماد تسوية ديون الحكومة للمصرف المركزي ومقاربة مختلفة عن أسلوب جمع الخسائر المسجّلة في كل قطاع على حدة، بما يحول دون ازدواجية الاحتساب...

وإذ تختلف نظرة الجهاز المصرفي لما سمّته خطة الحكومة "خسائر المركزي"، فيما اعتبرها الجهاز المصرفي قابلة للتدوير مقابل إيرادات أجنبية ممكن تحقيقها مستقبلاً بالعملات الأجنبية، يبقى الأساس، أنّه لا يمكن أن يتحمّل القطاع المصرفي كلفة تثبيت سعرالليرة، وهي نتيجة خيار وطني بربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، وقد كان لها إيجابيات عديدة في تعزيز القدرة الشرائية للبنانيين على مدى سنوات، قبل ان تنهار المؤشرات الاقتصادية ويتدهور وضع ميزان المدفوعات...

وتشير خطة المصارف، إلى المساهمة المحدّدة للقطاع في تمويل الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي. إذ يمثل القطاع المصرفي 6 % من الناتج المحلي الإجمالي. إذاً، إنّ إعادة هيكلة القطاع المصرفي تندرج في إطار: السلامة العامة للقطاع المصرفي، لما له تأثير قوي على أي تصنيف سيادي وخصوصاً في لبنان، بالنظر إلى حجمه ووقعه في الاقتصاد الوطني. وبالتالي تضع الخطة القطاع المصرفي، الذي لطالما شكّل مصدر ثقة، في صلب خطة النهضة الاقتصادية للبنان، بدلاً من تصفيته بشطب رساميله وإعادة رسم خارطته من جديد، إن بتوزيع رخص جديدة أو بتوزيع ملكيته بين كبار المودعين أو سواهم من مهتمّين، بشراء ودمج وخلط أوراق المصارف رأساً على عقب دون تمييز...

من ناحية القطاع الخاص، المعلوم أنّ الاستثمار ليس مجرّد نتيجة لمعدّل فوائد وحوافز تقنية، بل هو بالأساس نشاط اقتصادي ناتج أولًا من مناخ إستثماري مطمئن للمموّلين، وجو ثقة بالاقتصاد الوطني وبالاستقرار الشامل قبل الحوافز المصرفية، ومعدلات الفوائد والرسوم الضريبية والتسهيلات الادارية وغيرها... من هنا لفتت خطة المصارف الى أنّ عملية إعادة الهيكلة المحلّية ، كما وردت في الخطة الحكومية، تحتاج الى استراتيجية فعّالة لمكافحة الفساد، تنفيذ سلّة الاصلاحات المرتقبة محلياً ودولياً، كما تحتاج لإعادة نظر في احتساب الخسائر والأرقام والضمانات (مثل مسألة القروض المتعثّرة، والتي تكون مغطاة برهن وبإعادة جدولة، تسمح للمستدين أن يحسّن أوضاعه ويتابع سداد قرضه متى اتُخذت اجراءات لتحريك الاقتصاد، وبأقصى الأحوال تغطية الرهن لقسم من الدين).

فإذ تشير الخطة الحكومية إلى أنّ قيمة القروض المشكوك بتحصيلها قد تناهز 40 ألف مليار ليرة لبنانية، تؤكّد خطة المصارف أنّ هذه القروض مغطّاة عملياً بضمانات نقدية وعينية وعقارية. وبالتالي، حتى وإن وصلت نسبة الديون الهالكة إلى 30 % من إجمالي القروض، فهي لن تتعدّى 10 % بعد تنزيل المؤونات والضمانات..

أما من ناحية القطاع العام وعجز الدولة عن السداد، فترى خطة المصارف أنّ الأولوية تكمن في تحمّل الدولة للمسؤولية، من خلال موجوداتها، وسبل إشراك القطاع الخاص، إن في ملكيتها او مردوديتها حتى إستعادة حقوقه.

من هنا يمكن فهم جملة الخطوات الإصلاحية الجدّية التي تقدّمت بها خطة المصارف، وهي الآتي: إنشاء صندوق حكومي لتخفيف الديون، مساهمة الحكومة من خلال الأصول أو الممتلكات العامة بقيمة 40 مليار دولار أميركي في الصندوق المذكور مقابل الحصول على 100% من أسهم الصندوق، أي كامل الملكيّة؛ إصدار الصندوق لأوراق مالية مضمونة طويلة الأجل بقيمة 40 مليار دولار، يحملها مصرف لبنان مقابل التسوية النهائية لدين الحكومة لصالح المصرف المركزي، تنازل مصرف لبنان للصندوق عن كامل محفظة "اليوروبوند" وسندات الخزينة اللبنانية ؛ في المقابل، شطب الصندوق للحكومة كامل محفظة الديون المشار اليها أعلاه، مقابل الأصول التي ساهمت فيها الحكومة في الصندوق؛ على أن يتمّ تحويل رصيد إيرادات الصندوق الى الخزينة العامة بعد أن يسدّد الصندوق الفوائد المتوجّبة لمصرف لبنان...

القطاع المصرفي هو محور الاقتصاد اللبناني، وخطته تسمح بتفنيد الأرقام والمسؤوليات وسبل الحلول، وتُظهر بوضوح أنّه الأدرى بوضعيته ومكامن قوته وعناصر ارتكاز نهضته... وللمرة الأولى يُطرح ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي ككل بهذا الحزم والقناعة لدى جميع الأطراف المعنية، باتجاه البناء الصلب لقطاع متين، بمؤسسات شفافة وفعاّلة بعيدة من كثافة الأسماء والمنافسة غير الجديرة وأوهام الفوائد المضخمّة والأرقام غير الواقعية، وتوجيه الإدخار نحو تمويل قطاع عام عاجز على حساب قطاع خاص ديناميكي... من هنا كان ينبغي إعطاء الأولوية لإشراك الجهاز المصرفي برسم خطة نهوضه. واليوم بات الأخذ في الاعتبار إقتراحات المصارف ضرورة ملحّة للتمكّن من تحقيق النتائج المرجوّة.

إستعادة المصداقية عبر صندوق النقد والإصلاحات أصبحت إجبارية!

Monday, 18-May-2020 06:38
إستعادة المصداقية عبر صندوق النقد والإصلاحات أصبحت إجبارية!


منذ بداية مؤتمرات الدول المانحة من باريس 1 الى باريس 2 الى باريس 3 وصولاً الى مؤتمر «سيدر»، وحكومات لبنان تطرح أوراقاً إصلاحية من أجل الحصول على دعم مالي، الى أن أصبحت الإصلاحات إجبارية واستعادة الثقة عبر مظلّة صندوق النقد الدولي ممراً إلزامياً! العناوين ما زالت هي نفسها، بين حجم القطاع العام وحصته السنوية من الموازنة، خدمة الدين، تراكم عجز الكهرباء، وضرورة إشراك القطاع الخاص، وتصحيح سياسة سعر الصرف آخذاً في الاعتبار وضع ميزان المدفوعات... فما هو واقع هذه الملفات وأي مواقف منتظرة من صندوق النقد الدولي، بعد أن أقرّ الجميع أنّها أصبحت إصلاحات إلزامية؟
بين هول حجم القطاع العام الذي تخطّت كلفته 40 % من الموازنة السنوية (فيما المعدّل الدولي بين 10 و15% كحدٍ أقصى) كإنفاق جارٍ، يُضاف الى 40 % لخدمة الدين وعجز الكهرباء الذي تخطّى 11 % من الموازنة سنوياً، أصبح واضحاً من أين يبدأ الإصلاح مع أو من دون صندوق النقد الدولي... فيما الفارق الوحيد اليوم، هو أنّ الإصلاح بات إجبارياً للحصول على الدعم، بعد الإخلال بالوعود المقطوعة سابقاً لمؤتمرات الدول المانحة...

فمثلاً، بدل تخفيف ثقل القطاع العام، ازداد التوظيف السياسي والانتخابي في المؤسسات العامة حتى تخطّى 5300 موظف، بعد قانون وقف التوظيف! وخلافاً لكل دول العالم التي تعتمد المكننة للمعاملات العامة لتخفيف الحاجة للتوظيف العام، فقد بدأ لبنان المكننة في العديد من المؤسسات العامة، وباشر الطلب من المواطنين القيام بمهمات عديدة عبر مواقع الانترنت (من تصريح ودفع رسوم وغيرها...) وفي الوقت عينه تمّت زيادة التوظيف بدلاً من تخفيفه! أما قطاع الكهرباء، فيتسبّب بعجز مالي سنوي بين 1.5 و 2 مليار دولار وحصّة تفوق 11% من الموازنة السنوية وتراكم ديون يفوق 30 مليار دولار، ولم يتمكن لبنان من تأمين التيار الكهربائي، بل نظّم عمل المولّدات الخاصة في الأحياء، في حين ثمة تجارب، مثل إمتياز زحلة، أثبتت نجاحها وبكلفة أقل من مجموع فاتورتي الدولة والمولّد الكهربائي... وقد ظهرت دراسات عديدة لمشاركة القطاع الخاص، إنطلاقاً من تجارب دولية ومن الخصوصية اللبنانية، وقد تمّ تحديد الفصل بين الإنتاج والنقل والتوزيع، بانتظار استكمال الخطوات نحو الشراكة الموعودة...

اليوم استحقّت كل الملفات الإصلاحية لانتشال لبنان من انفجار الأزمة، عبر العمل على استعادة الثقة الدولية، التي خابت من تأخّر تنفيذ الاصلاحات.. وبعد تقديم الخطة، يمكن لصندوق النقد الدولي مساعدة لبنان، في حالة استيفاء شروط معينة، ولكن ذلك ليس حلاً فورياً، بل ينبغي على كل طرف فهم قيود الطرف الآخر...فبالنظر إلى حصّة لبنان الصغيرة في صندوق النقد الدولي - ما يعادل 861 مليون دولار - والشكوك في قدرة السلطات على تنفيذ ما سيكون برنامجاً صعباً للغاية، من المرجح أن يوظف صندوق النقد الدولي بين 3 و 5 مليارات دولار، 4 إلى 5 أضعاف حصّة صندوق النقد الدولي في لبنان. ومع ذلك، فإنّ الأهمية تكمن في استعادة ثقة المجتمع الدولي، من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وبفضله، كشرط مسبق لتأمين تمويل إضافي... وبذلك من المرجح أن تطلب الحكومة اللبنانية تمويلاً إضافياً من البنك الدولي، من خلال الدول التي تعهّدت بمساعدة لبنان في مؤتمر «سيدر» في باريس في نيسان 2018 ، وربما بعض دول مجلس التعاون الخليجي. مع العلم أنّ الموارد المالية للبلدان المانحة محدودة، بسبب الركود المرتبط بوباء كورونا وانهيار أسعار النفط ...

أما لجهة سياسة سعر الصرف التي استنزفت احتياطي العملات الأجنبية، فمن المؤكّد أنّها تتجّه لاعتماد خيار التحرير التدريجي لسعر الصرف، بعد التمكّن من الدفاع عن هامش معيّن لتحرّكه، بحيث لا يكون التحرير الرسمي الفجائي سبيلاً لتفلّت خيالي لا يمكن ضبطه.. مع الأخذ في الاعتبار خصوصيات الاقتصاد اللبناني، ان لجهة وضع الحساب الجاري وميزان المدفوعات، وأيضاً احتياطيات النقد الأجنبي، أو لجهة القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، والتي لا تتماشى كثيراً مع ايجابيات انخفاض سعر الصرف، كون معظم مدخلات الصناعة اللبنانية (أي مواد أولية ومنتجات تدخل في الصناعات اللبنانية) هي مستوردة، أي أنّ أسعارها بالليرة سترتفع مع انخفاض قيمة العملة الوطنية، مما يؤثر سلباً على كلفة الانتاج المحلي وبالتالي أسعار المنتجات الوطنية وقوّتها التنافسية.

أما في ما يتعلّق بالمالية العامة، فالاتجاه وفق خطة اعادة الهيكلة هو لتخفيض حاد للديون، يضمن استدامة الدين العام (أي نسبة الدين العام / الناتج المحلي الإجمالي والتي لا ينبغي أن تتجاوز 60 إلى 90 % ) تطمئن الدائنين الى إمكانية السداد المستقبلي، وبالتالي تحسّن تصنيف لبنان السيادي من مؤسسات التصنيف الدولية (فيتش، موديز، ستاندرد اند بورز...) مما يساعد أكثر في تخفيض الفوائد على سنداته الجديدة.

إلّا أنّ إعادة الهيكلة الحادة للديون، تعني مباشرة زيادة الخسائر للدائنين الحاليين، ولاسيما منهم الجهاز المصرفي، الدائن الأبرز للدولة اللبنانية، مما يعني ذلك قلقاً من تأثيرات على القطاع المصرفي وكبار المودعين، لناحية المساهمة في إعادة الرسملة وتحويل جزء من ودائعهم الى أسهم، على ما اقترحته خطة الحكومة لـ 2 % من المودعين الذين تفوق ودائعهم الـ500 مليون دولار... على أن يُصار تباعاً الى إعادة رسملة النظام المصرفي وإعادة هيكلة مصرف لبنان....بانتظار بداية دعم النمو الاقتصادي عبر مشاريع منتجة وقادرة على خلق فرص العمل، ليكون توجّه المصارف الأساسي لتمويل الاقتصاد والاستثمار الخاص، بدلًا من توجيه معظم المدخرات لتمويل الدولة..فضلاً عن خفض الدعم وتحسين إدارة الضرائب والجمارك ومكافحة التهرّب الضريبي كما التهريب عبر الحدود ومكافحة الفساد...

كذلك استحقّت الاصلاحات الجذرية في القطاعات الخدماتية العامة، عبر الخصخصة أو أقله إشراك القطاع الخاص، من باب زيادة الانتاجية والفعالية وإطلاق عجلة الاستثمار والمنافسة وضبط الهدر وتحسين مؤشر النوعية/ السعر وتحمّل الدولة مسؤولياتها عبر أصولها التوجّه الى دائنيها.

وفي ما يتعلق بالبعد الاجتماعي للبرنامج، من الأرجح أن يكون صندوق النقد الدولي حساساً للغاية، لتأثير الركود الاقتصادي على الفئات الاجتماعية الأضعف في لبنان، وذلك عبر حماية الإنفاق الاجتماعي والتركيز على التوزيع العادل اجتماعياً لعبء التكاليف للبرنامج الحكومي المرتبط بصندوق النقد الدولي. والمعلوم أنّ هذه المقبولية الاجتماعية باتت مفتاحاً لنجاح توصياته ...

يبقى القول، إنّ لبنان مع «صندوق النقد الدولي بات «مضطراً» الى تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها في أوراقه الموجّهة إلى مؤتمرات الدول المانحة، واستحقت الالتزامات بالخصخصة وتخفيض ثقل القطاع العام على الموازنة، والحل الجذري لقطاع الكهرباء، والتحرير التدريجي لسعر الصرف في ضوء حالة ميزان المدفوعات وتعزيز هياكل الإنتاج المحلي..

الطريق أصبح واضحاً، المهم تخطّي مطباّته وتفادي مخاطره وقوننته بشكل سليم، حتى لا تتحوّل الخصخصة سبيلاً للاحتكار الخاص، ولا يصبح تخفيض الانفاق حجة لتفادي التدخّل الاجتماعي، ولا يكون تحرير سعر الصرف فوضى غير مضبوطة للأسعار والقدرة الشرائية للمواطنين.