mercredi 13 mai 2020

Contribution aux Carnets de Route du Covid-19

Contribution aux Carnets de Route du Covid-19 
Regards Francophones - No 2 Avril 2020 (CIDMEF Comite Scientifique et de Recherche)
"Le COVID-19 et la crise economique au Liban" p 19

Deux Contributions dans l'ouvrage Dictionnaire Francophone de la Responsabilite Sociale en Sante

Deux Contributions dans l'ouvrage Dictionnaire Francophone de la Responsabilite Sociale en Sante
de l'Editeur "Les Presses Universitaires de Rouen et du Havre" 2019
 1) La Responsabilité Sociale et l’Economie Sociale et Solidaire 
2) la Responsabilité Sociale des Universités

اللغز ليس في الفوائد المصرفية!

اللغز ليس في الفوائد المصرفية!
د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الإقتصادية) (12-05-2020)

وسط احتدام السجال الاعلامي حول دور الجهاز المصرفي في لبنان في دعم الاقتصاد الوطني من خلال سياسته النقدية، ثمة مرتكزات سجّلت مستوى الفوائد في خضم كل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد منذ انقلاب الأوضاع والمؤشرات رأسا على عقب مع تدهور ميزان المدفوعات منذ العام 2011 مرورا  بالهندسات المالية عام 2016 التي أجّلت االأزمة حتى انفجارها عام 2019. علميا معدّل الفوائد ليس لغزا بحد ذاته بل هو نتيجة جملة عوامل وليس مسببا لها، فهو يعكس "سعر القرض" في إقتصاد سليم ولكنه يصبح رهن "معدل فائدة رئيسي" مثل "معدّل فائدة سندات الخزينة" في لبنان الذي تحكّم بمجمل الفوائد الدائنة والمدينة بسبب توجيه معظم الادخار لتمويل قطاع عام عاجز ماليا ويلهث وراء تمويل ديونه بأي ثمنّ!! وإذا كان اللغز ليس في الفوائد المصرفية نفسها فما هي إذا أبرز العوامل التي تسبّبت بارتفاعها في السنوات الأخيرة؟ وكيف تترجمت إنعكاساتها على الاقتصاد الوطني ككل؟
********************************
طبعا عندما كانت سياسة الفوائد ملبية لحاجات تمويل القطاع العام وشراء سندات الخزينة ومربحة لكبار المتموّلين الذين يفاوضون ويقارنون المصارف على أساسها وأيضا مفيدة لشراء المساكن لأوسع شريحة إجتماعية بمعدّلات مخفّضة في غياب سياسة إسكانية من مسؤولية الدولة بالأساس لولا غياب موازناتها لمدة اثنا عشرة سنة متتالية (من 2005 الى 2017) كما داعمة للقطاعات المنتجة الأضعف بسلة حوافز في إطار "برنامج تسريع الأعمال" للشركات الناشئة و"مسرح الإبتكار" لم يكن موضوع الفوائد مطروحا ولا حتى البحث بالمخاطر التي يعكسها!
 أما اليوم وقد انفجرت  الأزمة المؤجلة، ظهرت صحوة البحث عن لغز الفوائد فيما هي مجرّد واجهة للمسببات الاقتصادية العميقة التي أدت إليها.
لقد وقف القطاع المصرفي ومصرف لبنان لسنوات الى جانب الدولة والاقتصاد اللبناني، حتى في ادق الظروف واكثرها صعوبة وعمل بما لديها من صدقية محلية ودولية على استقطاب مدخرات اللبنانيين المقيمين والمغتربين ومدخرات المتمولين العرب، واعاد ضخّها في السوق اللبنانية ، إما تمويلاً للقطاعين العام والخاص وإما دعماً لاحتياطي القطع الأجنبي لدى المصرف المركزي بغض النظر عن كلفتها التي تستدعي بحثا مستقلا يأخذ بعين الاعتبار مختلف جوانبها.
كمـا ان القطاع المصرفي لم يكن محايداً في إنجاز المكتسبات التي حقّقها إنعقــاد مؤتمر
باريس 2 ، بل تميز بلعب دور اساسي وحيوي في آلية تخفيض خدمة الدين العام، وذلك إما بطريقة مباشرة عبر الاكتتاب بسندات خزينة بمبلغ يقارب 4 مليارات دولار بفائدة صفر في المئة، وهو مبلغ فاق إجمالي مساهمات البلدان الصديقة والشقيقة معاُ، وإما بطريقة غير مباشرة، عبر الإسهام في خفض معدلات الفوائد بشكل ملموس في الاسواق وبالاخص على سندات الخزينة اللبنانية.
فالمعروف أن معدل سندات الخزينة لمدة سنة الذي استقر من آذار 2012 حتى كانون الأول 2019 على معدل 5.35% وهو معدل الفائدة الذي ترتبط به معدلات الفائدة للقروض السكنية إن كان القروض المدعومة من مصرف لبنان مباشرة أو تلك الممنوحة من خلال مؤسسة الإسكان، بعد انخفاضات متتالية عن مستويات مرتفعة بلغت ذروتها بحوالي 38% في شهر أيلول من العام 1995...ولكن اضطرت الدولة الى رفعه الى 6.5% مطلع عام 2019 بعد صعوبة ايجاد مكتتبين بسندات الخزينة مع ارتفاع درجات المخاطرة عليه وطول مفاوضات مع الجهاز المصرفي بشأنها... الى أن صدر قرار بتخفيضها الى 4.5% مؤخرا في نيسان 2020 لتخفيض خدمة الدين العام...
ولطالما كانت معدلات الفائدة المعتدلة تبقى مرتبطة بعوامل عديدة وليس بمجرد قرار مركزي! ومن أبرز هذه العوامل المؤثرة بمستوى الفوائد:
أولا "مخاطر البلد" وهو عنصر هام وأساسي يمنع تراجعها بشكل ملحوظ ، على الرغم من أن البنك المركزي استمر في دعم القروض بفوائد مخفضة، لا سيما للاستثمار العقاري وللقطاعات الإنتاجية المختلفة .. ولكن بموازاة ذلك، تقوم الوكالات الدولية لتصنيف المخاطر بدراسة وضع كل بلد وفق مؤشراته الاقتصادية وغير الاقتصادية المؤثرة على اقتصاده (وطبعا من أبرزها إستقراره السياسي) مما ينعكس بشكل حاسم على تحديد معدات الفائدة. أضف إلى ذلك أن رفع المصرف المركزي الأميركي معدلات الفائدة لعام 2017، زاد الضغط على معدلات متوسطة الأجل.
ويكفي لذلك الاشارة الى الى تقرير وكالة "بلومبرغ" الذي رسم تطوّرمعدلات الفوائد مع اهتزاز الاستقرار السياسي:

وهنا لابد من التوقف عند أبرز مؤشرات المالية العامة، وعلى الرغم من أنّ دراسة استدامة الدين العام ترتكز عمومًا على مؤشّر الدين العام/الناتج المحلي، وهو يتخطّى في لبنان عتبة 176% في نهاية عام 2019، فيما وفق المعايير الدولية، تتطلّب استدامة الدين ألّا يتخطّى هذا المعدل 60% إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي. إلّا أن تسليط الضوء، خصوصًا على الدين بالعملة الأجنبية، فهو يعود لأن لبنان قادر نظريًا في أقسى الحالات اللجوء الى المصرف المركزي لطباعة العملة الوطنية وتسديد الدين بالليرة اللبنانية، حتى لو أدّى ذلك الى مزيد من التضخّم. إلّا أنّ الأزمة الكبرى تبقى في الدين بالعملة الأجنبية، التي تحتاج الى توافر العملة الأجنبية وتأمين استمرارية إستقطابها، في حين أنّ لبنان يشهد تدهورًا في ميزان المدفوعات (ما عدا كمية الدولارات التي اجتذبتها المصارف للمشاركة في الهندسات المالية خصوصًا عام 2016 لشراء اليوروبوند وشهادات إيداع المصرف المركزي بالعملة الأجنبية ).
لنفترض أنّ الناتج المحلّي اللبناني يقارب 50 مليار دولار، فيكون من الضروري ألّا يتخطّى الدين العام بعد إعادة هيكلته الـ40 مليار دولار، أي اقتطاعًا بين 55% و60% علمًا أنّ الهمّ الأساسي يبقى في خفض حصة الدين بالعملة الأجنبية.
ويُلاحظ في التصنيف الائتماني الذي تقدّمه مؤسّسات التصنيف العالمية ومن أبرزها مؤسّسات «Fitch, Moody’s and Standards & Poor’s» خفض وكالة «فيتش» أخيرًا تصنيف ديون لبنان السيادية بالعملة الأجنبية من «CC» إلى «Cان يتجه الى إعلانها دولة متعثّرة في مواصلة تخفيض التصنيف إلى «D». ويأتي ذلك عقب إعلان الحكومة أنّها لا تنوي دفع سندات «اليوروبوند» التي استُحقت في التاسع من آذار، وتبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار.
ويتبيّن بالتالي، التأثير المباشر لهذه التصنيفات على كلّ دولة ترغب في الاقتراض من الخارج، لأنّ تصنيفها يعكس قدرتها على سداد هذا الدين. وكلّما انخفض التصنيف الائتماني كلّما ارتفعت تكلفة الإقراض، أي عمليًا نسبة الفوائد المطلوبة على السندات ليقبل المستثمرون بالمخاطرة في شرائها... من هنا نفهم أنّ معدّلات الفوائد على إصدارات كهذه تكون نتيجة المخاطرة وليس سببًا لها! فلا يمكن لدولة أن تُصدر سندات وتسوّقها في الخارج بفوائد منخفضة في ظلّ تسجيلها عجزًا ماليًا متزايدًا وتراكمًا للدين العام وزيادة لحصة الدين بالعملة الأجنبية (لمحاولة خفض خدمة الدين السنوية كون الفائدة عليه أقل من الفائدة على الليرة اللبنانية)، في حين تراكم هذه الدولة عجزًا في ميزان المدفوعات، أي خروجًا صافيًا سنويًا للعملة الأجنبية من اقتصادها وتراجعًا في احتياطاتها بالعملة الأجنبية!
وطبعا مع اكتتاب المصارف بسندات الخزينة وشراء شهادات الإيداع من المصرف المركزي بفوائد تفوق مردود أي مشروع إستثماري يمكن أن يحقّقه مقترض من المصارف، أصبحت هذه المصارف الأكثر قدرة على تقديم فوائد مرتفعة لكبار المودعين... وطبعا أصبح كل مصرف لا يلحق بهذا الاتجاه معرضا لخسارة زبائنه إذ أصبح الزبائن يفاوضون المصرف على معدّل الفائدة بالمقارنة مع سواه من المصارف وليس إنطلاقا من حرصه على تخفيض إنكشافه السيادي ومخاطرته...الى أن أصبح الجميع في المركب نفسه من توجيه الادخار نحو تمويل الدولة ولو على حساب الاستثمار الخاص الذي لا يمكنه دفع فوائد مماثلة لاقتراضه... طبعا الى جانب مبادرات تحريك عجلة الاستثمار عبر برامج أطلقها المصرف المركزي للشركات الناشئة وتشجيع الابتكار...
أكثر من ذلك من المعروف أن معدل الفائدة على سندات الخزينة بات معدل الفائدة الرئيسي الذي يقود معدلات الفائدة الدائنة والمدينة في لبنان نظرا للدور الأساسي للنظام المصرفي (أي المصرف المركزي والمصارف التجارية) في تمويل القطاع العام إن كان عبر الاكتتاب بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية أو حتى سندات الخزينة بالدولار الأميركي، مما يعني أن الدين العام اللبناني المقسوم ظاهريا مناصفةً بين دين داخلي ودين خارجي هو عمليا دينا داخليا لأن معظم المكتتبين هم من المقيمين (بشكل أساسي الجهاز المصرفي) بغض النظر عن العملة المعتمدة لإصدار السندات.
كما أنه من الطبيعي أن يتم العمل للمحافظة على معدلات فائدة حقيقية إيجابية (وهي تساوي الفرق بين معدل الفائدة الإسمي ومعدل التضخم)، مما يستدعي إبقاء معدلات الفائدة الإسمية أعلى من معدل التضخم وإلا يصبح معدل الفائدة الحقيقي سلبيا (يعني تحت الصفر) لاسيما في ظل مستوى تضخّم لايُستهان به.
أضف الى ذلك عام 2017، يواصل البنك المركزي لعب دوره الرئيسي في الدفاع عن قيمة العملة الوطنية والثقة بالاقتصاد اللبناني ..ومن المعروف أن سياسته المعتمدة منذ سنوات ساهمت بتخفيض معدل الدولرة نظرا لجذب المودعين الى إبقاء أموالهم بالليرة اللبنانية بمعدلات فائدة أعلى من معدل الفائدة على الدولار الأميركي نظرا لفارق المخاطر بين العملتين بغض النظر عن مخاطر البلد/السوق الذي يتم توظيفها فيه.
 في مطلع العام 2017، اعتزم مصرف لبنان ضخ سيولة جديدة بقيمة مليار دولار. والهدف هو تحفيز الاستثمار وتشجيع الاستهلاك والحد من البطالة. وفي التفاصيل، حضّر مصرف لبنان لإطلاق رزمة تحفيزية إضافية بقيمة 1500 مليار ليرة أي ما يقارب مليار دولار خلال السنة التالية، وذلك في اطار تعميمه الوسيط الجديد الرقم 444. ويأتي هذا القرار كـتكملة للرزمات التحفيزية التي أطلقها منذ العام 2013 والتي تهدف الى دعم حركة التسليف الى القطاع الخاص وتسريع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد. وفي هذا السياق، قام البنك المركزي بضخ خطوط ائتمان لدى المصارف بمعدل فائدة يبلغ 1% بغرض تمويل قطاعات اقتصادية مختلفة بنسب فوائد متدنية لا تتخطى الـ 6%، منها القطاعات الانتاجية، قطاع السكن، البحث والتطوير، التعليم، تكنولوجيا المعلومات، المشاريع الصديقة للبيئة وغيرها، فيما حدّد سقفاً لقطاع السكن عند 60% اي ما قيمته 900 مليار ليرة.
وكان لهذه الحقن التحفيزية آثارا إيجابية مضاعفة لجميع قطاعات الاقتصاد، خصوصا أن التضخم كان لا يزال موجود اوأدوات التحكم بالأسعار محدودة. كما أن ثمة "تضخما مستورد" مرتبطا بأسعار المنتجات المستوردة من بلدان ارتفعت قيمة عملاتها بالمقارنة مع الدولار الأميركي الذي ترتبط به قيمة الليرة اللبنانية.
كما نجحت السياسة النقدية للمصرف المركزي بملامسة الاحتياط بالذهب والعملات الأجنبية الخمسين مليار دولار أميركي مطلع العام 2017 وارتفعت السيولة لدى المصارف اللبنانية الى حوالي 18 ألف مليار ليرة، مع وجود بنية قانونية متطورة معتمدة على نظام السرية المصرفية التي يكاد ينفرد به لبنان ليس في المنطقة فحسب، بل مع دول معدودة في العالم، من دون الاخلال بالمعايير الدولية الحديثة في الافصاح والشفافية ومكافحة الاموال غير المشروعة.
وكانت السلطات التشريعية اتخذت قرارا في العام 1986 بعدم التصرفّ بالذهب، مما سهّل قرار مصرف لبنان عدم المس بهذه السلعة الموجودة في محفظته، في غياب القناعة بجدوى المس بها، وبالأخص في ظل العجز المرتفع في ميزانية الدولة...ونظرا لما يمثّله إحتاطي الذهب من طمأنينة للعملاء الإقتصاديين.
كما ساهم مصرف لبنان بتعدي مرحلة الضغوط على إلغاء السرية المصرفية بالمساهمة الفعّالة بإقرار قانون مكافحة تبييض الأموال وإنشاء وحدة لديه متخصصة بتطبيق هذا القانون.
 اما لجهة الموارد المالية في المصارف اللبنانية، فقد زادت ودائع الزبائن (قطاع خاص وقطاع غام) في القطاع المصرفي اللبناني بنسبة 5.15% (12.027 مليار ل.ل.) الى 245.616 مليار ل.ل. (162.93 مليار د.أ) في الأشهر ال11 الأولى من العام 2016 بالمقارنة مع الفترة عينها من العام السابق .
كذلك، ارتفعت تسليفات المصارف اللبنانية الى القطاع الخاص بنسبة 5.06% (4135 مليار ل.ل.) منذ بداية العام 2016 الى 85.878 مليار ل.ل. (56.97 مليار د.أ.) مع نهاية الاشهر الاحد عشر الاولى من العام 2016، من 81.743 مليار ل.ل.(54.22 مليار د.أ.) في نهاية العام 2015.
وكان مصرف لبنان أصدر جملة من التعاميم تهدف الى تعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات، بالإضافة إلى التعميم المتعلقة بالحوكمة ومكافحة تبييض الأموال، والتعميم 331، الذي يشجع المصارف للاستثمار في الشركات الناشئة الجديدة التي تهتم مباشرة باعتماد نهج المسؤولية الاجتماعية في العمل والمؤسسات الجديدة التي ينشئها الشباب... وإذا كانت الودائع تعكس قوة الإدخار في الإقتصاد الوطني، فالتسليفات تعكس قدرة القطاع المصرفي على المساهمة في تمويل الإقتصاد بقطاعيه العام والخاص وتحريك الدورة الأقتصادية ككل في البلاد.
ففي شهر كانون الأول عام 2013، أصدر مصرف لبنان التعميم الوسيط رقم 331 الذي يسمح للمصارف والمؤسسات المالية بالمساهمة، ضمن حدود 3 % من أموالها الخاصة، في رسملة مشاريع ناشئة وحاضنات أعمال وشركات مسرِعة للأعمال يكون نشاطها متمحورا حول قطاع المعرفة. والهدف من هذا التعميم هو تحريك آليات تأسيس شركات جديدة واعدة تعزز النمو الاقتصادي وتوفر فرص عمل جديدة.
وبفضل هندسته المالية، تمكن مصرف لبنان من استقطاب مليارات الدولارات الى لبنان، ما أثر ايجابا على ميزان المدفوعات الذي بعد تسجيله عجزا تراكميا بلغ 1.7 مليار دولار في أيار 2016، عاد ليسجل فائضا بقيمة 555 مليون دولار في أيلول 2016...فيما يبقى تدهور ميزان المدفوعات منذ عام 2011 في صلب انقلاب الأوضاع في لبنان وزيادة الشرخ بين الودائع بالعملة الأجنبية وموجودات الجهاز المصرف بالعملة الأجنبية، كما منحى الاحتياطي الصافي للبنك المركزي بالعملات الأجنبية وبالتالي قدرته على الاستمرار بيساسة ربط سعر صرف الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي.
كما ساهم مصرف لبنان بتعدي مرحلة الضغوط على إلغاء السرية المصرفية بالمساهمة الفعّالة بإقرار قانون مكافحة تبييض الأموال وإنشاء وحدة لديه متخصصة بتطبيق هذا القانون.
لقد شهدنا ارتفاعا بميزانيات المصارف وبميزانية مصرف لبنان بالرغم من العجز المستمر في ميزانية الدولة والارتفاع المستمر في الدين العام.
ولا ننسى طبعا الانعكاسات الايجابية لاستقرار سعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي منذ حوالي العشرين سنة (تحديدا منذ كانون الأول 1997)، بما في ذلك من طمأنينة على القدرة الشرائية خاصة لذوي الدخل المحدود، بعد معاناة التضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية التي أطاحت بالطبقة الوسطى خلال سنوات الحرب اللبنانية وتحديدا في فترة الثمانينات التي عادت صورتها في أذهان اللبنانيين منذ اللحظة الأولى لارتفاع سعر الصرف..علما أن تلم الفترة كانت أرحم لأن عبء الدين العام فيها لم يكن كما اليوم وتحديدا حصة الدين بالعملة الأجنبية التي كانت في تلك المرحلة لم تكن تتخطى500 مليون دولار مقابل دين بالليرة يقدّر بحوالي مليار دولار حينها... علما أن معدل الدولرة والهروب من الليرة في تلك المرحلة كان له الأثر الأساسي في خيار المصرف المركزي لإعادة الاستقرار في أوائل التسعينات...وحتى اليوم لا تزال السياسة النقدية وسياسة القطع في لبنان تتأثر بثلاثية: الدين العام، والدولرة وربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي.
ويبقى القول أن القطاع المصرفي اللبناني لم ينخرط في توظيفات بالأدوات والمؤسسات والأسواق المالية التي تعرّضت لمضاعفات الأزمة المالية العالمية عام 2008 او انهارت من جرّائها. وقد سجّلت ميزانيّات المصارف ونتائجها المالية معدلات نمو جيّدة، مما طمأن المستثمرين والمودعين، المقيمين وغير المقيمين على السواء. وقد تبيّن أن إدارة المصارف اللبنانية، بالتعاون مع السلطات النقدية والرقابيّة مستمرة في سياسة امتلاك سيولة عالية، خصوصاً بالعملات الأجنبية، وهي سياسة أثبتت جدواها المصرفية والنقدية والإقتصادية عامة. كما أن المصارف استمرّت في اتّباع نموذج العمل المحافظ، وفق الأصول والقواعد المصرفية السليمة، التي يتحمّل البعض اليوم عواقب الابتعاد عنها، والتي يدعو المجتمع الدولي حالياً للعودة إليها.
من جهته، بدا المصرف المركزي مرتكزا على فعالية إدارة السيولة المتزايدة بالليرة بسبب التحويل المستمر من الدولار الى الليرة والذي يعني ثقة متزايدة بها وبالإقتصاد اللبناني الذي المربتط باستقرارها، المحافظة على استقرار الفوائد دون تعطيل توجهات الأسواق من أجل المحافظة على السيولة المطلوبة فيها، التحفيز على التسليف بالليرة اللبنانية مما يؤمّن المزيد من الموارد لتمويل الإقتصاد وتخفيض المخاطر على القطاع المصرفي ويؤمن دورا لمصرف لبنان في الإقتصاد (لاسيما دعم التسليفات العقارية بالليرة اللبنانية)، العمل بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية ووزارة المالية، على إطلاق مبادرات تستند على دعم الفوائد والإعفاء من الاحتياط الالزامي لمختلف المشاريع لتكون كلفة تمويلها منخفضة ...
يبقى القول أن الاستقرار النقدي والاستقرار في الأسعار والنمو في الاقتصاد أصبحوا مرتبطين بتطور ونمو السيولة وسياسة الفوائد التي شهدت كل المطبات التي ذكرناها والتأثيرات التي تركتها. وبين تحديات وإمكانيات مصرف لبنان والقطاع المصرفي بقي الرهان الدائم على حسن استخدام وادارة السيولة لحسن استفادة الاقتصاد اللبناني ككل منها إن بحجم الإقتصاد الوطني أو بتنوّع أنشطته دون المس بركيزة الإستقرار، الى أن بلغ الترابط بين السياستين النقدية والمالية ما وصل اليه وتجلّى بأبهى مرتكزاته من خلال إرتباط مجمل الفوائد الدائنة والمدينة بمعدّل فائدة سندات الخزينة...فهل يكون فك اللغزعبر فك هذا الترابط؟
___________________________

lundi 4 mai 2020

د. سهام رزق الله: تمويل البنك المركزي للدولة وخطة الدولة للمركزي: ما لهما وما عليهما

د. سهام رزق الله:  تمويل البنك المركزي للدولة وخطة الدولة للمركزي: 
 (04-05-2020) ما لهما وما عليهما
https://www.aljoumhouria.com/news/530728


د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الاقتصادية)
لأن السياسة النقدية من أدق فروع العلوم الاقتصادية وأكثرها حاجة للمتابعة المستمرة ولا تحتمل التطرق لها عرضا وعلى غفلة على طريقة "سيرة وانفتحت" ولأن قانون النقد والتسليف من أكثر النصوص حرفية على ما يجمع عليه كبار القانونيين كما المصرفيين والمتخصصين بالسياسة النقدية، لا بد من الاضاءة على الشق المتعلّق فيه بتمويل الدولة بشكل كلي وليس مجتزأ لاصطفافات مسبقة. ومنها يكون الانطلاق صوب خطة الدولة الانقاذية بما يتعلّق تحديدا بالبنك المركزي والنظام المصرفي لصعوبة تناول جميع بنود الخطة والقطاعات المعنية بها دفعة واحدة إذا أردنا فعلا إعطاء كل منها حقه. فكيف تبلورت حقيقة إشكالية تمويل المصرف المركزي للدولة وخياراته في النقد والقطع ؟ وأي رؤيا حملتها بالمقابل الدولة نفسها تجاه المصرف المركزي والجهاز المصرفي ؟
*****************************
عندما نتحدث في الاقتصاد على استقلالية المصرف المركزي نعني بها تحديداً استقلالية السلطة النقدية عن السلطة السياسية، بحيث يكون للمصرف المركزي حرية تحديد خياراته في اعتماد السياسة الأنسب للحفاظ على الاستقرار النقدي في الشق الداخلي عبر ضبط التضخم، وفي الشق الخارجي عبر الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية. ومن المعروف إقتصادياً أن مفهوم استقلالية المصرف المركزي يعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الاستقلالية القانونية في النصوص، الاستقلالية الفعلية في الممارسة والاستقلالية المالية في حسابات المصرف المركزي تجاه الدولة.
وأبعد من الغرق في النصوص القانون لاستقلالية المصرف المركزي من المادة 13 للاستقلالية المالية ثم الاشارة الى المادة 18 التي تنص على أن الحاكم يُعيَن لست سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية.. ويعين نائبو الحاكم لخمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية واستشارة الحاكم...والمعلوم أن االأساس يكمن في الاستقلالية الفعلية والهامش المتاح لممارستها بحس رجل الدولة المؤتمن على التوازن المطلوب بين الهدف الاساسي للسلطة النقدية بتأمين استقرار القدرة الشرائية للعملة الوطنية والحوار الضروري مع السلطة المالية بما يسمح بالتوفيق بين حاجات تمويل الاقتصاد ومسؤولية استمراية عمل الدولة في ظل صعوبة تأمين آفاق التمويل الأخرى ووسط تحديات الدولرة والمديونية.
ولطالما شددت الأدبيات الاقتصادية وخصوصاً مع الموجة الكلاسيكية في الثمانينات على أن تحقيق الهدف الرئيسي للمصرف المركزي بتأمين الاستقرار النقدي لا يمكنه أن يتحقّق إلا من خلال الفصل التام للسياسة النقدية للمصرف المركزي عن السياسة المالية للحكومة ووزارة المال خصوصاً لتفادي لجوء الحكومة متمثّلة بوزارة المال لطلب تغطية عجوزاتها المالية من خلال تدخل المصرف المركزي، إن كان عبر ضخ السيولة وتحمّل انعكاساتها التضخمية الفورية أو من خلال الضغط على المصرف المركزي للمساهمة في الدين العام عبر الاكتتاب بسندات الخزينة والتفاوض حول شروطها بالكمية والآجال ومستوى الفوائد…أو طبعاً اللجوء الى افتعال زيادة في السيولة واصطناع نهضة عابرة في الأسواق في فترات محددة، مثل الفترات التي تسبق الإنتخابات، لإحداث صدمة إيجابية وهمية لا تلبث أن تتحوّل كابوساً تضخمياً يصعب ضبطه دون أن تكون مساهمة بنمو إقتصادي حقيقي وخلق فرص العمل المطلوبة والتسبّب بتدهور سعر الصرف في السوق وإلا الاضطرار المستمر لدعمه لو باستنزاف الاحتياطي بالعملة الأجنبية خاصة تحت ضغط حالات الدولرة الجزئية التي تتطلّب ربط العملة الوطنية بالعملة الأجنبية المستخدمة الى جانبها لتأمين الحد الأدنى من التوازن في سوق مفتوح على حرية حركة الرساميل حيث يستحيل تحقيق في آن معا استقلالية السايسة النقدية وحرية حركة الرساميل من والى الخارج وتثبيت سعر الصرف في الوقت نفسه، فكيف إذا أضيفت الى هذه العوامل عجوزات مالية متزايدة وتراكم مديونية على شكل كرة ثلج؟...
مبدئيا وابتداء من العام 1964, تاريخ إنشاء المصرف المركزي, تولّى هذا الأخير مهمة الحفاظ على ثبات سعر صرف العملة اللبنانية بالتعاون مع وزارة المال كما أوكل اليه “قانون النقد والتسليف” الذي صدر في ذلك الوقت في المادة 75 منه وذلك بعد أن نصت المادة 228 من هذا القانون على الغاء ادارة القطع, وتحويل موجوداتها الى المصرف المركزي. كما نصت المادة 75 منه, على إيكال مهمة تثبيت القطع الى المصرف المركزي, بالاتفاق مع وزارة المالية, على ان تسجّل العمليات التي تجري ضمن هذا الاطار في حساب خاص, يسمى “صندوق تثبيت القطع”.
وبما هو أبعد من مجرد إدارة سعر صرف العملة, عكس مضمون “قانون النقد والتسليف” اهتماما بإيجاد حد أدنى قانوني من استقلالية المصرف المركزي تجاه السياسات الحكومية, وبأن يكون هدف السياسة النقدية التي يعتمدها, الحفاظ على ثبات قيمة العملة الوطنية, وبما يجعل هذا الهدف أولوية لديها, أي ينفي وجود اهداف أخرى لها, كالإسهام بتمويل الخزينة أو تحفيز النمو الاقتصادي إلا في الإطار العام لرسالة المركزي كمصرف المصارف ومصرف الدولة طبعا.. وأكدت على ذلك المواد 88 الى 92 منه, التي نصّت على عدم جواز توفير سلفات من المصرف المركزي للدولة, إلا في الحالات الاستثنائية البالغة الدقة. وقد جاء فيها ما حرفيته في "المادة 88 أنه يجاز للمصرف ان يمنح الخزينة، بطلب من وزير المالية، تسهيلات صندوق لا يمكن ان تتعدى قيمتها عشرة بالمئة من متوسط واردات موازنة الدولة العادية في السنوات الثلاث الاخيرة المقطوعة حساباتها ولا يمكن ان تتجاوز مدة هذه التسهيلات الاربعة اشهر. والمادة 89 تعطى الحكومة اجازة دائمة تخولها اللجوء الى الاستلاف المنصوص عليه بالمدة السابقة كلما تبين لوزارة المالية وللمصرف المركزي ان موجودات الخزينة الجاهزة لدى هذا المصرف غير كافية لمواجهة التزامات الدولة الفورية. الا ان هذه الاجازة لا يمكن استعمالها اكثر من مرة واحدة خلال اثني عشر شهرا.
وتكمل المادة 90 أنه باستثناء تسهيلات الصندوق المنصوص عليها بالمادتين 88و89 فالمبدأ ان لا يمنح المصرف المركزي قروضا للقطاع العام. والمادة 91 الا انه، في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، اذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علما بذلك. ويدرس المصرف مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل اخرى، كاصدار قرض داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدة الخ…وفقط في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد أي حل اخر, واذا ما اصرت الحكومة، مع ذلك، على طلبها، يمكن المصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب. حينئذ يقترح المصرف على الحكومة، ان لزم الامر، التدابير التي من شأنها الحد مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحد من تأثيره, في الوضع الذي اعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية.
يعني بلغة مبسّطة إما زيادة الضرائب وإما طبع النقد وإما الاستدانة (ان بالليرة أو العملة الأجنبية). حين تعجز الضرائب عن تأمين تغطية الانفاق، ويتفادى المصرف المركزي طبع النقد مثلما حصل، لا يبقى إلا الاستدانة كما حصل بالضبط. تمويل البنك المركزي للدولة لم يتضارب مع المادة 91 لأنه لم يكن على طريقة طبع النقد! بل عبر شراء المصرف المركزي لجزء من سندات الخزينة وإدراج القطاع المصرفي أيضا بعملية الاكتتاب المذكورة بحيث أصبح مجمل الجهاز المصرفي غارقا في تمويل القطاع العام وضعف امكانية اجتذاب سواه للاكتتاب بسندات خزينة ترتفع مخاطرها ويتراجع تقييمها السيادي بشكل متتالي من مؤسسات التصنيف الدولية في ظل استمرار تدهور وضع المالية العامة التي أخذت ترفع الفوائد تعويضا عن مخاطر حمل سنداتها فتغرق زيادة بنفقاتها الجارية وحجمة الدين بدل الاصلاح وترشيد الانفاق! هذا الانفاق الجاري الموزّع بين 40% فوائد دين و40% رواتب قطاع العام و11% للكهرباء والباقي مصاريف تشغيلية لا تترك بصيصا للانفاق الاستثماري ولا بريقا للخروج من دوامة الاستدانة، لا بل تزيد التوظيف وتقرّ سلسلة رتب ورواتب غير محسوبة بدقة قبيل الانتخابات وتستمر بزيادة المخاطرة وتعويضها بالفوائد على الرغم من سلسلة تصاريح منذ 2011 من الجهاز المصرفي بصعوبة الاستمرار بتمويل القطاع العام في غياب الاصلاحات فيأتي الرد وعودا للدول المانحة بالاصلاح غير المنظور حتى تضمحلّ ثقة المجتمع الدولي ويختنق الاقتصاد من تراجع ميزان المدفوعات منذ 2011 ويتجمّد العمل المؤسساتي مرارا وتكرارا وسط تجاذبات تطيح بحركة الرساميل والسواح والاستثمار في البلاد وتتم المسارعة الى سايسات نقدية غير تقليدية سمّيت "هندسات مالية" من أبرز خلفياتها إعادة تعزيز الاحتياطي بالعملات الاجنبية للمصرف المركزي للاستمرار في سياسة تثبيت سعر الصرف تحت ضغط الدولرة والدين العام وربط العملة وحرية حركة الرساميل الذي يسمح بخطر هروبها...كما من أبرز نتائجها التي تم التهليل لها حينها استفادة الخزينة من حوالي 800 مليون دولار بالليرة اللبنانية أي مليار و 200 مليون ليرة شكلّت ضريبة أرباح 15% فرضت على مردود المصارف الذي قدّر حينها بحوالي الخمسة مليارات دولار جاءت لتسعف الدولة لتغطية سلسلة رتب والرواتب التي قدّرت حينها بالمبلغ نفسه (وطبعا جاءت فعليا أكثر بكثير وطبعا تزيد الانفاق سنويا وليست عملية سنة واحدة كما هي حال الهندسات الاستثنائية).. فيما المصارف دفعت الضريبة مع إعلانها أن المبالغ لم توزّع كأرباح بل شدّد المصرف المركزي على أن يتخصّص جزء منها لزيادة رسملة المصارف ويخصّص جزء لتمويل صندوق خاص لإعادة الاكتتبا بسندات خزينة من جديد وجزء ثالث يخصّص لتأمين قروض بالليرة اللبنانية مدعومة أي بفوائد مخفّضة للقطاعات لاسيما منها الإسكان لتمكين شريحة من المجتمع من شراء منزل لاسيما قبل إقرار قاتون تحرير الايجارات الجديد...
على خط أخر، وبما أن المصرف المركزي هو مصرف الدولة فتحدّد بكل الوضوح المادة 113 أن الربح الصافي للبنك المركزي يتألف من فائض الواردات على النفقات العامة والاعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات. ويقيد 50% من هذا الربح الصافي في حساب المصرف المركزي يدعى "الاحتياط العام" ويدفع 50% الى الخزينة. عندما يبلغ الاحتياط العام نصف رأسمال المصرف يوزع الربح الصافي بنسبة 20% للاحتياط العام و80% للخزينة. واذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزا، تغطى الخسارة من الاحتياط العام وعند عدم وجود هذا الاحتياط او عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة .واذا اصبح رصيد حساب "الاحتياط العام" من جراء اقتطاع مبلغ بموجب الفقرة السابقة، اقل من نصف الرأسمال يجري توزيع الربح الصافي مجددا بنسبة 50% لهذا الحساب و50% للخزينة، الى ان يبلغ الحساب مجددا نصف الرأسمال.
أما في الخطة الإصلاحية للحكومة التي تحمل الكثير من الايجابيات ووضع النقاط على الحروف في مجالات كثيرة وترسم خطوات تبدو هادفة نحو الإصلاح، فمن الملفت والصحيح إشارتها الى "خسائر كبيرة تتضمنها ميزانية المصرف المركزي ينبغي معالجتها سريعا لإعادة بناء نظام نقدي موثوق به وإعادة بناء الثقة بالنظام". ولكن السؤال ما هو جوهر هذه الخسائر لضمان عدم تكرارها؟ بأي خيارات بالنقد والقطع كانت متّصلة وكيف كان يمكن تفاديها حتى لا تتم إعادتها ذاتها في غياب أي متغيّرات أخرى من العوامل المرافقة لها؟ كذلك بالنسبة للإشارة للخسائر في القطاع المصرفي أي المصارف التجارية نظرا الى انكشافها السيادي أي على سندات الخزينة إن بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي وكذلك على المصرف المركزي عبر التوظيف الهائل بشهادات الإيداع التي اجتذبت صوبها معظم الادخار في غياب فرص استثمارية أخرى تحمل مردودا موازيا مما حصل على حساب تمويل الاستثمار الخاص والنمو وخلق فرص العمل، علما أن الاستثمار بدوره ليست فقط عملية تقنية بحت مرتبطة بشكل حصري بالتأثّر فقط بمعدّل الفائدة على أهميته، فالاستثمار يتطلّب مناخا إستثماريا قبل أي شيء آخر وإلا حتى لو أصبحت الفائدة صفر قد لا تغيّر شيئا!
من هنا أيضا وعلى الرغم من تضييق نطاق ال Bail in وحصره بالشرائح العليا من الودائع بما أراح الأثرية من المودعين ولاسيما من له مبلغ متواضع ناتج عن تعويض نهاية خدمة أو تعب سنوات من الجهد، إلا أنه ينبغي ألأ يشكّل التوجه حتى الى كبار المودعين دافعا الى هروبهم وندمهم على الاستثمار والتوظيف في لبنان لا بل رسالة لأمثالهم من مقيمين ومغتربين ممن جهدوا وكوّنوا مؤنات تسمح لهم بتأسيس أعمال في لبنان أن يتفادوا تكرار هكذا تجربة ويحذروا سواهم منها، مما يضيّق الاستثمار والنمو أكثر فأكثر...
أما في ما يخص ساسية سعر القطع وارتباطها الضروري بوضع ميزان المدفوعات فمسألة معروفة علميا وأمر لا بد منه ولو أن التوقيت كان يمكن أن يكون أنسب مثلا بعد صدمة إيجابية ومناخ هادئ يهيء العملاء الاقتصاديين ويضعهم تدريجيا في جو تحرير تدريجي من منطلق قلة الحاجة للدعم وليس عدم القدرة على الاستمرار به! أما وقد حصل توقّف القدرة عن الاستمرار بالتدخل في سوق القطع من خلال احتياطات لدى المصرف المركزي فأصبحنا أمام أمر واقع وليس خيار سياسة قطع.. بكل الأحوال ليس هنا صلب المشكلة بقدر ما هو في وضع ميزام المدفوعات بحد ذاته حيث أن ليس دقيقا أن "تدفق الرساميل توقّف حاليا بشكل فجائي"، إذ لا هو توقّف فقط حاليا ولا هو بشكل فجائي شهج تدهورا منذ العام 2011 وبالتالي أي عملية ربط علمي في مكانها بين وضعها وسعر الصرف يحتاج أولا تحديد أسباب تدهور وضع ميزان المدفوعات والتدقيق في أسباب صعوبة اجتذاب الرساميل بما يغطي عجز الميزان التجاري كما كانت العادة تقليديا، ولا ما الذي سيضمن اتجاه ميزان المدفوعات مستقبلا ومنحى سعر الصرف خاصة أيضا في ظل تزايد الفجوة بين ودائع بالدولار وموجوجات الجهاز المصرفي بالعملة الأجنبية التي تحتاج بدورها تحديدا للأسباب وتفاديا للتكرار.
أما بشأن الإيجابيات النظرية لانخفاض سعر الصرف بالمطلق لجهة وتحفيز الصناعة المحلية زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق الخارجي وبالتالي زيادة الصادرات، على ما كان نصح بها وتراجع سابقا صندوق النقد الدولي، فهو أمر متعثّر عمليا في لبنان نظرا للاعتماد الكبير للصناعة المحلية على المواد الأولية والمدخلات المستوردة التي ترتفع أسعارها بطبيعة الحال مع كل تدهور لسعر الصرف، فترتفع من جديد كلفة الانتاج ويستغيث من جديد الصناعيون بالمصرف المركزي والدولة اللبنانية لدعم يصعب تحقيقه طبعا حاليا...والبرهان هو ارتفاع مجمل اسعار السلع اليوم في السوق حتى المنتجة محليا!
أما فائض السيولة المتسبّب بتضخّم فمسألة معروفة لا شك فيها، إلا أن الاقتصاديات المدولرة لا يجدي فيها اعتماد سياسة ضبط السيولة بسياسة نقدية متشدّدة فقط دون ضبط سعر الصرف كون معظم السيولة المتداولة فيها هي بالعملة الأجنبية وبالتالي أي تدهور بسعر الصرف يستجلب "تضخّم مستورد" لأنه يجعل المنتجات المستورد أغلى خاصة في إقتصاد يستورد 80% من حاجاته الاستهلاكية.
في حين أن القطاعات الزراعية والصناعية كانت تنادي مرارا وتكرارا لاعادة النظر بالعديد من المعاهدات والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف وخاصة منذ العام 2005 وبلوغ مرحلة التحرير التام وفق اتفاقية التيسير العربي (غافتا) ولطالما طالبت وكان لنا فرصة التعاون معها جميعا في إطار مركز "قدموس" للحد من المنافسة غير المشروعة وإقرارا قانون مكافحة الإغراق والتشدد في الرزنامات الزراعية والمعاملة بالمثل في التبادل الصناعي إزاء رسوم غيرجمركية مماثلة لها في بلدان عديدة قلّصت القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية وقد تم تقديم "ورقة القطاع الخاص اللبناني بشأن إتفاقيات تحرير التجارة" الى جميع المعنيين بغية رفعها أيضا الى الجامعة العربية حينها بمشاركة كل من جمعي الصناعيين وجمعية المزارعين وجمعية أصحاب المطاعم والمؤسسات السياحية ونقابة أصحاب الفنادق ونقابة أصحاب سيارات الشحن وجمعية التجارة والعديد من النقابات القطاعية وأعنت المطالب كلها في مؤتمر صحافي غرفة الزراعة والصناعة والتجارة لبيروت وجبل لبنان...وبقيت المطالب نفسها الى اليوم...
أما اليوم في البحث عن التحرير التدريجي الذي سبق وسق وعرفة لبنان ولكن بالاتجاه المعاكس عندما تم تخفيض سعر الصرف تدريجيا بين 1993 و 1997 تمهيدا للربط عام 1997 بما كان يحضّر السوق نحو منحى تهدئة ولكن الى أي مدى يمكن التحكّم بالسوق والتضخّم عندما يكون المنحى معاكس أي باتجاه ارتفاع سعر الصرف ليس اخفاضه.. فيبقى السؤال حول مدى تجاوب السوق مع المراحل أو مسابقتها لتخطيها...
Période Régime de change de facto Définition
1990-1992 Flottement libre
(independently floating) Taux de change déterminé par le marché, avec d’éventualités interventions officielles visant à en limiter les fluctuations injustifiées, sans chercher à en fixer le niveau
1993-1997 Partie glissante prospective (forward looking crawling peg) Taux de change ajusté périodiquement à un rythme ou en fonction d’indicateurs prédéfinis
1998- Fixe conventionnel par rapport à une seule monnaie (conventional fixed peg et a single currency) Taux de change fixe par rapport à une devise etrangere, sans engagement de maintien irrevocable, pouvant fluctuer dans des marges etroites de ± 1% autour d’un cours central
Source : Bubula et Otker-Robe (2002) et FMI http://www.imf.org.org/external/np/mfd/er/ 2004/eng/1204.htm
أما في ما يتعلّق بخيار ربط الليرة اللبنانية بعملة أجنبية واحدة، فقد سبق وطرح جدل حوله نظرا لما كانت تتعرّض له قيمة العملة الوطنية من اهتزاز كلما تغيّرت قيمة الدولار نفسة بالنسبة لسائر العملات الأجنبية لا سيما تلك التي تمثّل بلدانها شريك تجاري بارز للبنان (مثلا الأورو)، لذا كان طرح في مرحلة ما إيجاد صيغة ربط إزاء سلة من العملات بشكل نسبي وفقا لحجم التبادل التجاري مع بلدانها كشركاء تجاريين أساسيين مع لبنان... مع توسيع هامش الربط وجعلها أكثر مرونة..
يبقى الأساس أن يتجاوب السوق ويثق بالخيارات المتخذة وآفاقها ويجدها مطمئنة ومقنعة كما المهم على خط مواز أن تجد الخطة طريقها باتجاه البلدان المانحة والمنظمات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي كما ذكرت ليس فقط للمبالغ الداعمة التي يمكنه أن يؤمنها مباشرة بل لمتابعته الدائمة المطلوبة خطوة خطوة للاصلاحات المرجوة ورفعه التقرير حول تقدّمها بما يعزز الثقة ويستقدم إستثمار أجنبي واعد وهنا أهمية الخطة وحسن تطبيقها.
_______________________