mardi 24 septembre 2019

يوم المسؤولية الإجتماعية للشركات... طريقة للعيش معاً - الاثنين 23 أيلول 2019

د. سهام رزق الله - جريدة الجمهورية https://www.aljoumhouria.com/news/index/488792
الاثنين 23 أيلول 2019 https://www.aljoumhouria.com/news/index/488792  
يوم المسؤولية الإجتماعية للشركات... طريقة للعيش معاً
بمناسبة اليوم العالمي للمسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، نختار نشر ملخص لنتائج استطلاع حول تقديم وتطوّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان.
منذ إدخال مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان مع نشر المعيار الدولي ISO26000 ومختلف المبادرات المجانية والحرة والطوعية التي اتّخذها القطاع الخاص اللبناني في هذا الاتجاه، فإنّ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بطيء وسرعته تختلف بين قطاع وآخر. من هنا إنّ البحث عن نموذج مفاهيمي لشرح هذه الخصائص واتجاهات تطورها استلزم إجراء دراسة استقصائية تغطي جميع المحاور للتحقق من صحتها في لبنان. ما هو أفضل نموذج يفسّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان؟ وما هي النتائج التطبيقية؟
في مواجهة تعدّد أوجه عدم المساواة ومخاطر التمييز والإقصاء الاجتماعي في مجتمع تعدّدي مثل الاقتصاد اللبناني الذي يستضيف أيضاً تدفّقاً هائلاً من النازحين خاصة منذ الأزمة السورية في 2011، تثبت أنّ المسؤولية الاجتماعية للشركات المسؤولة باتت ضرورة ملحّة خاصة أنّ الدولة وحدها غيرُ قادرة على تلبية الاحتياجات الاجتماعية بمجملها، والمنظمات غير الحكومية التي لا تملك الإمكانيات المالية الكافية غير قادرة على القيام بذلك منفردة، من هنا دور القطاع الخاص أن يتدخل ويوجّه الاقتصاد نحو العيش الشامل معاً.
ومع ذلك ، فإنّ إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحدّيات تنفيذ المشروع تختلف من بلد إلى آخر وفقاً لخصائص النظام الاقتصادي في هذا البلد ودور الأطراف المختلفة وديناميكية القطاعات المعنية التي تجعله ضمناً أقرب إلى نهج نظري معيّن تجاه المسؤولية الاجتماعية للشركات.
من هنا، يبدو من المثير للاهتمام أن نفهم تحدّيات إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات من قبل دولة صغيرة ونظام اقتصادي حرّ مثل لبنان من خلال الاختيار الطوعي لقطاعها الخاص دون أيّ تدخّل من الدولة خلافاً لجميع البلدان العربية المحيطة، كما من المهم التوقّف عند بطء تطوّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في بعض القطاعات وتسارعها في قطاعات أخرى من خلال الإشارة إلى النموذج النظري الذي من شأنه أن يفسّر ذلك بأفضل شكل.
النموذج المرجعي المختار هو النموذج المؤسَّسي الجديد الذي مكّن من تشكيل الإطار المفاهيمي لإدخال وتطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بين القطاعات المختلفة في لبنان، والتي تمّ التحقق من صحتها من خلال نتائج المسح النوعي حول تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بين 18 مؤسسة لبنانية تشتهر بالمسؤولية الاجتماعية في لبنان. تعتمد المنهجية على مقابلات شبه منظمة ودليل للمقابلات وشبكة تحليل للإجابات. علماً أنّ النموذج المؤسسي الجديد يرتكز على ثلاثة محاور: التماثل في التقليد، التماثل المعاييري، واعتماد التنظيم والقوننة.
• تقليد التماثل: في أعقاب القيود المعرفية والثقافية، في سياق عدم اليقين الشديد، تميل المنظمات إلى إعادة إنتاج ممارسات بعضها البعض، لتقليدها. يمكن أن يقلّل التقليد من عدم اليقين، ويعتمد أساليب أو أدوات معروفة بالفعل دون المجازفة بتجربة خيارات جديدة.
• التماثل المعياري: يساهم القيد المعياري في الشرعية الأخلاقية المرتبطة بالمعايير وشهادات الاعتماد التي تحدّد القواعد المعرفية للممارسات المماثلة دون أن تؤدي إلى فرض عقوبات في حال غيابها.
مع العلم أنّ دراسات تجريبية عدة قد أُجريت حول تأثير النظرية المؤسسية الجديدة على المسؤولية الاجتماعية للشركات في البلدان التي تمرّ بمرحلة انتقالية، بما في ذلك لبنان، ومن هنا أهمية الدراسة الاستكشافية التي أُجريت.
• التنظيم القانوني التشريعي: التنظيم القانوني يعزّز شرعية الاستراتيجية المعتمدة من قبل المؤسسات لإدخال مفهوم المسؤولية الاجتماعية القائمة على القواعد والأنظمة المساهِمة في تنظيم وقوننة المبادرات. التعريف القانوني للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والمعايير والمؤشرات المعتمدة في تقارير المؤسسات التي تعتمدها وفق النظم المعروفة عالمياً، تساهم في تحديد المؤسسات المسؤولة اجتماعياً فعلياً تمهيداص للمطالبة بحوافز وإجراءات مشجّعة.
وقد أعربت غالبية الشركات عن الحاجة إلى إطار رسمي لجمع معلومات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات كمنصة يمكن أن تجمع ممثلين من جميع القطاعات. تنقسم المقترحات بالتساوي تقريباً بين طلب الإعفاءات الضريبية، ودعم بعض الأنشطة ومنح خطوط ائتمان مدعومة الفائدة، وهي تدابير ضرورية لتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات والتي لا تتطبق بعد في لبنان حتى اليوم.
مع العلم أنّ مطالبة الدولة بالحوافز لتشجيع الشركات اللبنانية على مواصلة تطوير استراتيجيتها للمسؤولية الاجتماعية للشركات لا يمكن أن تتم دون بناء قاعدة بيانات في البداية عن الشركات المسؤولة اجتماعياً في لبنان. وهذا يتطلب لوائح المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحديد الشركات المسؤولة اجتماعياً وفقاً لمعايير ومؤشرات المساهمة في التنمية المستدامة ونشر التقارير العلمية التي تقيمها لجان الخبراء في هذا المجال.
وبذلك يكون تمّ التحقق من صحّة النموذج المؤسسي الجديد حيث يسمح التماثل في التقليد واعتماد المعايير والقيَم بتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات بسرعة في قطاعات معيّنة مثل قطاعات المصارف والاتصالات الخلوية. في حين أنّ غياب القوننة والحوافز يبطئ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات في قطاعات أخرى مثل القطاع الصناعي والقطاع التجاري في انتظار دعم الدولة. ومن هنا الحاجة إلى نظام أساسي رسمي لجمع البيانات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان، وتقييم الجانب العلمي للعملية، ومنح العلامات أو شهادات التميّز لأولئك الذين يستحقونها وتدريب أولئك الذين بحاجة إليها وإدخال اللوائح اللازمة من حيث الضرائب والحوافز المالية لتحسين النتائج... يستمرّ العمل في المرحلة الثانية لوضع الأساس الأكاديمي الضروري لتحقيق هذه الاستنتاجات.

mardi 10 septembre 2019

إستقلالية المركزي ومصداقية السياسة النقدية 20-08-2019

د. سهام رزق الله
-
جريدة الجمهورية
الثلاثاء 20 آب 2019
إستقلالية المركزي ومصداقية السياسة النقدية
إستقلالية المصرف المركزي مفهوم قديم متجدد يستقطب الأنظار في المفترقات الاستراتيجية في اعتماد السياسات النقدية لاسيما في فترات الأزمة، وخصوصاً أزاء تحديات تعثّر السياسة المالية وصعوبة مواجهة حاجات التمويل للعجز العام والتصدي لأزمة استدامة المديونية العامة. وبعد الفورة الكبرى لإشكالية استقلالية المصرف المركزي وأهميتها لتأمين مصداقية السياسات النقدية في الثمانينات، عادت هذه الاشكالية بمتطلبات مختلفة في السنوات الأخيرة لاسيما مع اعتماد السياسات النقدية غير التقليدية بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008. فماذا تعني السياسات النقدية غير التقليدية؟ لاسيما في ما يتعلّق بضرورة إستقلالية المصرف المركزي لتحقيق مصداقية السياسة النقدية؟ ما هي أبرز أشكال وأسس هذه السياسات؟ وما مدى تأثيرها المرتقب على صعيد الإستقرار النقدي كما المالي؟
عندما نتحدث في الإقتصاد على إستقلالية المصرف المركزي نعني بها تحديداً إستقلالية السلطة النقدية عن السلطة السياسية، بحيث يكون للمصرف المركزي حرية تحديد خياراته في اعتماد السياسة الأنسب للحفاظ على الاستقرار النقدي في الشق الداخلي عبر ضبط التضخم، وفي الشق الخارجي عبر الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية. ومن المعروف إقتصادياً أن مفهوم استقلالية المصرف المركزي يعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الاستقلالية القانونية في النصوص، الاستقلالية الفعلية في الممارسة والاستقلالية المالية في حسابات المصرف المركزي تجاه الدولة. ولطالما شددت الأدبيات الاقتصادية وخصوصاً مع الموجة الكلاسيكية في الثمانينات على أن تحقيق الهدف الرئيسي للمصرف المركزي بتأمين الاستقرار النقدي لا يمكنه أن يتحقّق إلا من خلال الفصل التام للسياسة النقدية للمصرف المركزي عن السياسة المالية للحكومة ووزارة المال خصوصاً لتفادي لجوء الحكومة متمثّلة بوزارة المال لطلب تغطية عجوزاتها المالية من خلال تدخل المصرف المركزي، إن كان عبر ضخ السيولة وتحمّل انعكاساتها التضخمية الفورية أو من خلال الضغط على المصرف المركزي للمساهمة في الدين العام عبر الإكتتاب بسندات الخزينة والتفاوض حول شروطها بالكمية والآجال ومستوى الفوائد...أو طبعاً اللجوء الى افتعال زيادة في السيولة واصطناع نهضة عابرة في الأسواق في فترات محددة، مثل الفترات التي تسبق الإنتخابات، لإحداث صدمة إيجابية وهمية لا تلبث أن تتحوّل كابوساً تضخمياً يصعب ضبطه دون أن تكون مساهمة بنمو إقتصادي حقيقي وخلف فرص العمل المطلوبة.
أما منذ الأزمة المالية عام 2008 ، فقد اضطرت المصارف المركزية للتدخّل في الأسواق ولعب دور المنقذ لتأمين السيولة المطلوبة للقطاعين العام والخاص وتفادي الإنهيارات الشاملة عبر السياسات النقدية غير التقليدية المعتمدة والتي شكّلت مفترقاً كبيراً في مفهوم إستقلالية المصرف المركزي لجهة تأمين التدخل المطلوبة لتمويل الاقتصاد مع المحافظة في الوقت عينه على مصداقية سياسته النقدية ومنع المس بخياراته في تأمين الاستقرار النقدي الضروري.
وقد جهدت السياسات الحديثة غير التقليدية في تثبيت إمكانية تحقيق مصداقية المصرف المركزي ولو بظل مساهمته في تمويل الدولة والدين العام عبر زيادة السيولة وتخفيض معدل الفوائد الى ما يلامس حدود الصفر دعماً للإستثمار ولتنيشط الاقتصاد ككل، ذلك أن من خلال سياسة المعايير الإسترشادية القائمة على إعطاء الجمهور علماً مسبقاً بمخططات السلطة النقدية لجهة تنامي Forward Guidance الكتلة النقدية ومستوى الفوائد واتجاه سعر الصرف بما يساعد العملاء الإقتصاديين على صياغة توقعاتهم بشكل صحيح، خلافاً لأسلوب المفاجأة والكتمان الذي كانت بعض المصارف المركزية تعتمده لإحداث فورة إقتصادية فجائية ولو بكلفة تضخّم باهظة. وهذا ما حرص على اعتماده حاكم مصرف لبنان مؤخراً إن كان لجهة الإعلان عن التوجهات النقدية للمصرف المركزي او لجهة الإضاءة على دقة الأوضاع المالية التي تستدعي تدخله خصوصاً عبر الإضطرار الدائم لتمويل القطاع العام حتى أصبح أبرز المكتتبين بسندات الخزينة والتي تدفعه مراراً للمشاركة في عمليات السواب والهندسات المالية مع المصارف التجارية، مما يعكس الشكل الثاني من السياسات النقدية غير التقليدية المعروفة بسياسات التليين النقدي الكمّيQuantitative Easing القائمة على ضخ السيولة لشراء السندات المالية من القطاعين العام والخاص والتليين النقدي النوعي، فضلاً عن الشكل الثالث للسياسات النقدية غير التقليدية القائمة على الشراء الكثيف للسندات على الرغم من ارتفاع درجة مخاطرها Qualitative Easing.
إلا أن السياسات الحديثة غير التقليدية واجهت عوائق عدة حدّت من فعاليتها ولا سيما من حيث انعكاستها على المالية العامة وتحفيز الدولة على ترشيد الانفاق العام وضبط الدين العام، خاصة أن تخفيض الفوائد ومنها طبعاً على سندات الخزينة مما يسمح للدولة بالتراخي في ضبط المديونية طالما أنها غير مكلفة لناحية خدمة الدين العام (أي الفوائد السنوية على أصل الدين) فلا يضغط عليها لتأمين الإنضباط في سياستها المالية وتفادي العجز والإستدانة.
وأكثر من ذلك، يبقى التحدي الأساس بعد انقضاء الأزمة في إمكانية الخروج عن السياسات النقدية غير التقليدية والعودة الى اعتماد السياسات النقدية التقليدية من دون إحداث بلبلة في توقعات الجمهور، بل طمأنته بشفافية الى مجرى الخيارات الجديدة فضلاً عن الضغط لضبط المالية العامة لعدم الإضطرار للتدخل باستمرار واستنفاد إمكانية المصرف المركزي وتحويله عن دوره الرئيسي بتأمين الإستقرار النقدي.
   

samedi 16 mars 2019

د. سهام رزق الله-جريدة الجمهورية الجمعة 15 آذار 2019قانون يُعرِّف بالإقتصاد الإجتماعي ويُصنِّف مؤسساته

د. سهام رزق الله-جريدة الجمهورية الجمعة 15 آذار 2019قانون يُعرِّف بالإقتصاد الإجتماعي ويُصنِّف مؤسساته
http://www.aljoumhouria.com/news/index/462773
مقالات خاصةخاص "الجمهورية": لقاءٌ حاسم؟خاص "الجمهورية": مساندة تطاول مسائل الطائفةخاص "الجمهورية": "الصبح غير المسا"المزيدوسط الموجة المتصاعدة لـ»لإقتصاد الاجتماعي التضامني»، الذي يشمل الجمعيات والتعاونيات وصناديق التعاضد ومؤسسات الريادة الاجتماعية، وجهود معظم البلدان المتقدّمة فيه غربياً وعربياً لوضع الإطار القانوني الذي يسمح بالتعريف به وإعطائه «علامة تميّز» تؤكّد إلتزامه بجملة مبادئ خاصة به وتزيد الثقة بالتعامل معه وتمويله من مختلف الجهات المهتمة.
لا يزال هذا الموضوع جديداً بين المسؤولين وأصحاب الشأن في لبنان. ولا زالت ثمة أسئلة مثل: ماذا يعني «الاقتصاد الاجتماعي التضامني»؟ ولماذا تمييزه عن القطاعين العام والخاص واعتباره «قطاعاً ثالثاً»؟ لماذا وضع إطار قانوني جامع لتسميته وإعطائه علامة خاصة طالما توجد قوانين خاصة بكل من مكوّناته المعروفة؟
يُعرَّف «الإقتصاد الاجتماعي التضامني» أيضاً بـ»القطاع الثالث» كونه مستقلاً عن القطاع العام ويختلف بمبادئه عن الغاية الربحية البحتة من جهة، وعن أساليب إدارة القطاع الخاص من جهة أخرى. ويقوم نشاط «مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي التضامني» على مبادئ التضامن، والمنفعة الاجتماعية، الاستقلالية عن الدولة، حرّية الانضمام أو العضوية كما حرّية الانسحاب، طرق إدارة تشاركية وديمقراطية حيث لكل عضو صوت، بدل أن تكون الأصوات وفق حصص الرساميل وتراقب بحزم استخدام الفوائض المالية، كونها بالأساس لا تستهدف تحقيق الأرباح بقدر ما تستهدف خدمة المجتمع وتحفيز التنمية الإقتصادية الاجتماعية/ تحسين مستوى العيش، دمج الفئات المهمة والمساهمة في العدالة الاجتماعية.
ويتبيّن أنّ هذا القطاع الاقتصادي منظم قانونًا في دول النظام الأنغلوسكسوني ويسمّى «اقتصاد الأعمال الاجتماعية» والقطاع غير الربحي Non Profit Sector، وموجود أيضًا في دول كالهند والصين ويسمّى «الاقتصاد الشعبي»، وموجود أيضًا في الدول الأوروبية اللاتينية ويسمّى الاقتصاد التضامني الاجتماعي Economie Sociale et Solidaire.
في بعض الدول توجد قوانين تنظّم هذا القطاع وآليات دعم مميزًة خاصّة به، فيشمل القانون تنظيم المبادرات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وصناديق التعاضد والتعاونيات والجمعيات ومؤسسات الريادة الاجتماعية، وفي بعض التجارب الدولية يمكن أن نستشعر أوجه المراعاة القانونية لهذه المؤسسات.
والمعروف حديثاً أنّ ثمة تشريعات كثيرة بدأت تتناول القطاع الثالث، من أبرزها مثلاً في فرنسا إقرار «قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني» في البرلمان في 21 تمّوز 2014، وقد عرف هذا التشريع بـ»قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني» Loi ESS
هذا التشريع واكب انطلاقة استثنائية للقطاع الثالث في فرنسا وأوروبا كما في العالم بأسره بسرعة خيالية بدأت تضاهي سرعة تطوّر القطاعات التقليدية المعروفة.
فمثلاً، منذ العام 2000 وحتى اليوم، ازداد في فرنسا خلق فرص العمل والتوظيف في القطاع الثالث بحدود 24% ليضمّ 2.4 مليون موظّف في 200000 مؤسسة ضمن الاقتصاد الاجتماعي، مقابل ازدياد التوظيف في القطاع الخاص 4% فقط.
على الصعيد الأوروبي، يشمل الاقتصاد الاجتماعي حوالى 10% من مجموع المؤسسات، ويوفّر 6.5% من فرص العمل المدفوعة، من خلال انتشار حوالى مليوني مؤسسة توظّف 14 مليون شخص، وقد ازداد عدد العاملين في هذه المؤسسات بشكل كبير واستثنائي في مجمل أوروبا في السنوات الأخيرة. علماً أنّ البلدان الأوروبية لا تعرف المستوى نفسه في تطوّر الاقتصاد الاجتماعي، لا بل يمكن تصنيفها في هذا المجال وفق ثلاث فئات: فئة الأكثر تقدّما في مجال الاقتصاد الاجتماعي (فرنسا، بلجيكا، اليونان، البرتغال، ايرلندا)، الفئة المعتدلة (إيطاليا، قبرص، الدنمارك، فنلندا، لوكسمبورغ، السويد، ليتونيا، مالطا، بولونيا، بريطانيا، بلغاريا وايرلندا) والفئة الضعيفة (النمسا، تشيكيا، استونيا، ألمانيا، هنغاريا، ليتونيا، هولندا، سلوفاكيا، رومانيا، كرواتيا، وسلوفينيا).
أما في كندا، فقد شهد العام 2013 اعتماد الإطار التشريعي الرسمي المعروف بـ»قانون الاقتصاد الاجتماعي»، على الرغم من أن هيكلياته كانت موجودة قبل ذلك، إلا أنّ الإطار القانوني عكس تعريفاً بوجود مؤسسات تنتمي الى «قطاع ثالث» له مبادؤه الخاصة وإقرار رسمي بدوره في التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة وحرصاً على دعمه.
عربياً، «الاقتصاد الاجتماعي» يشهد تنامياً متصاعداً، وقد دخلت التعاونيات بالمفهوم القانوني، المنطقة العربية في مطلع القرن العشرين وبات عددها يفوق الـ30000 تعاونية تقريباً معظمها زراعية ومن أبرزها التجربتان العراقية واللبنانية.
في العراق، أُنشئ الاتحاد العام للتعاونيات العام 1971 ليتمكّن في غضون 10 سنوات من تحقيق استقلاليته المالية والإدارية في الحكومة ويضمّ 16 اتحاداً تعاونياً و881 تعاونية محلية، و221 تعاونية استهلاكية و49 تعاونية متخصّصة وثلاث مزارع جماعية. واليوم تبرز تونس في طليعة البلدان العربية المنظّمة من جهة لـ»الاقتصاد الاجتماعي التضامني» وإعطاء مؤسساته «علامة تميّز» ومن جهة أخرى لجهة المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. وقد أصبحت مثالا للعديد من البلدان العربية لتحذو حذوها.
أما في لبنان، فقد بدأ العمل التعاوني العام 1937 ولم يتّخذ إطاراً قانونياً إلا في العام 1964 مع صدور قانون للجمعيات التعاونية. ومنذ العام 1973 تتولّى المديرية العامة للتعاونيات الحركة التعاونية والحركة التعاضدية في لبنان خصوصاً في ما يتعلّق بنشرها وتطويرها وتقديم الارشاد للجمعيات التعاونية واتحاداتها وصناديق التعاضد واتحاداتها. وقد بلغ عدد التعاونيات عام 2010 في لبنان 1400 تعاونية و799 منها في القطاع الزراعي في مختلف المناطق.
يعرّف القانون الجمعية التعاونية بأنها كل جمعية تتألف من أشخاص ولها رأسمال غير محدود، وتُؤسس وفقاً لأحكام هذا القانون، ولا يكون هدفها الأساسي الربح، حتى لو انها تسمح بطبيعة عملها توزيع جزء من الفوائض المالية بين الأعضاء وفق مبادئ التكافل، وتكون غايتها تحسين حالة أعضائها اقتصادياً واجتماعياً، وذلك بتضامن جهودهم وفقاً للمبادئ العامة للعمل التعاوني.
إذا كانت مؤسسات وهيكليات قطاع الإقتصاد الإجتماعي التضامني متعدّدة، إلّا أنّ أبرزها في لبنان تبقى الجمعيات والمنظّمات غير الحكومية التي يتنامى عددها منذ العام 2010، وقسم كبير منها ناشط بالتعاون مع وزارات عديدة لا سيما منها وزارة الشؤون الاجتماعية، بين الاهتمام بالرعاية بالأطفال والمسنّين وشؤون المرأة في السجون، ذوي الحاجات الخاصة، وحقوق الانسان والحفاظ على البيئة والتنمية الشاملة، فضلاً عن التعاونيات المهنية وصناديق التعاضد المسجّلة لدى وزارة الزراعة والأندية المسجّلة لدى وزارة الشباب والرياضة.
ويساعد في ذلك، مساحة الحرية المعطاة لإنشاء المنظمات غير الحكومية وإمكانية مباشرة أعمالها بمجرّد إعطائها علماً وخبراً لوزارة الداخلية اللبنانية.
وتبقى الحاجة في لبنان إلى إطار موحّد وجامع لمختلف مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي التضامني ضمن منصّة تسهر على التزامها بمبادئ ومعايير الاقتصاد الاجتماعي والتشبيك في ما بينها، وتقدّم لها على أساسها «علامة تميّز» تسمح لها باكتساب ثقة الجهات المموّلة (من هيئات رسمية، شركات خاصة مسؤولة إجتماعياً أو منظمات دولية..) هذه المنصّة لا تمسّ بوجودها القوانين السابقة المرعية الإجراء لكل من مكونات الاقتصاد الاجتماعي إنما تعطيها «بطاقة تعريف» لانتمائها الى قطاع ثالث يتمتع بمبادئه الخاصة المعروفة دولياً وعلامة مصداقية لمن يرغب في دعمه.

samedi 16 février 2019

LA CRISE DES DÉPLACÉS SYRIENS AU LIBAN: BESOIN / OPPORTUNITÉ DE RECOURS À LA RSE

LA CRISE DES DÉPLACÉS SYRIENS AU LIBAN: BESOIN / OPPORTUNITÉ DE RECOURS À LA RSE



أزمة النازحين السوريين في لبنان: حاجة أم فرصة للّجوء إلى المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات - 16-02-2019

الغرض من هذه المقالة هو دراسة أثر تدفّق اللاجئين المهاجرين الاجتماعي والاقتصادي على التنمية المستدامة للبلدان المضيفة، والبحث عن حلول بديلة من خلال المسؤولية الاجتماعية للشركات في عدم وجود كفاية الدعم الحكومي والدولي، بناءً على حالة لبنان في مواجهة تدفّق النازحين السوريين. من أجل ذلك، سنقدم في مرحلة أولى، مفاهيم معينة (مهاجرون، نازحون، لاجئون ...)، أما في المرحلة الثانية فسنقوم بتحليل خصوصيات عدم كفاية التمويل العام والمعونة الدولية لإثبات الحاجة إلى إشراك القطاع الخاص من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات لمواجهة هذه الأزمة.
فإزاء الأزمة السورية، وتخطي نسبة النازحين في لبنان عتبة ثلث سكانه الأصليين، لا بد من تحديد واقع الأزمة وتصنيفها لتبيان آفاق آثارها الاقتصادية وسبل مواجهتها. ويتبيّن في المنشورات الدولية أنه غالبًا ما يتم إطلاق تسمية "لاجئ" بشكل خاطئ على الشخص "النازح" حتى لو كانت أسباب مغادرة النازحين مماثلة لتلك التي تدفع اللاجئين إلى مغادرة بلدانهم ( نزاعات مسلحة، عنف معمّم، انتهاكات لحقوق الإنسان). فالسوريون القادمون إلى لبنان منذ أزمة بلادهم هم نازحون يحتفظون كمواطنين بكامل حقوقهم، بما في ذلك الحق في الحماية، وفق قوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، خلافًا لما هي حال اللاجئين الذين يُعَرَّفون، وفق اتفاقية 1951، على أنهم أشخاص "يوجدون خارج دولة جنسيتهم بسبب تخوّف مبرّر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى انتمائهم العرقي أو الديني أو الاجتماعي أو السياسي، وبذلك يفتقرون إلى القدرة أو حتى الرغبة باستظلال حماية دولتهم".
ويتبيّن أنّه منذ اندلاع الأزمة السورية وتوافد موجات النازحين السوريين إلى لبنان، سقطت مختلف المؤشرات الاقتصادية في البلاد سقوطا مدوّيًا فتراجع النمو الاقتصادي من حوالى 8% في العام 2011 تباعًا إلى أقل من 1% اليوم، وازداد الدَّين العام ليتخطى 80 مليار دولار أي أكثر من 150% من الناتج المحلي، وباتت خدمة الدين تسيطر على أكثر من ثلث الموازنة، ودخلنا مجددًا في حلقة مفرغة من العجز والمزيد من الاستدانة، فيما تسارع ارتفاع البطالة والفقر بشكل غير مسبوق في البلاد، وتدهورت أوضاع القطاعات جميعها وأحوال البنى التحتية ومختلف الخدمات العامة.
ومع الأوضاع الضاغطة للمالية العامة في لبنان، وضعف كفاية الدعم الدولي لتغطية التمويل المطلوب، لم يبقَ سوى تدخّل القطاع الخاص للمساهمة في حل الأزمة، من خلال جملة برامج تندرج في إطار المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. وبما أنّ القطاع المصرفي تحديدًا هو أول القطاعات وأكثرها انخراطًا في عملية إدراج مبادئ المسؤولية الاجتماعية في صلب استراتيجياته وخطط عمله، تبدو كلمة الفصل الأساسية في ملعبه. وقد بدأت بعض المصارف بإصدار بطاقات مصرفية إلكترونية بسقفٍ محدد، للمساعدة في تأمين الحاجات الغذائية الأساسية للمواطنين، وتتكاثر اقتراحات مشاريع وخدمات أخرى تصب في هذا الاتجاه من باب المساعدة المباشرة للنازحين. فيما تتولّى مؤسسات ومنظمات غير حكومية تأمين مساكن مستأجرة لبعض العائلات القادرة على الانخراط في النسيج اللبناني، وتأمين الخدمات من تعليم وطبابة وغيرها خارج إطار المخيمات

mercredi 2 janvier 2019

La legitimite sociale des entreprises: Quels acteurs? et quels determinants? (03-01-2019)

La légitimité sociale des entreprises:
http://csrsa.net/post/1265http://csrsa.net/post/1265
Quels acteurs? Et quels déterminants ?
Dr. Siham Rizkallah (Maitre de Conférence – Université Saint Joseph – Faculté de Sciences Economiques – chercheur en Economie Sociale et Solidaire)
L’évolution du concept de Responsabilité Sociale des Entreprises (RSE) à l’échelle mondiale et l’absence de cadre règlementaire encourageant dans les pays en développement dont le Liban amènent à rechercher l’origine de l’effort des entreprises à s’afficher socialement responsables par libre choix volontaire et facultatif. Le besoin de légitimité sociale s’avère la raison principale qui exige plein d’efforts et de sacrifices des entreprises qui se précipitent face à leurs concurrents de gagner la meilleure réputation aux yeux des différentes composantes de la société ou elles opèrent. Comment se définit alors la ‘légitimité sociale’ ? Quels sont les acteurs susceptibles de l’accorder aux entreprises ? et selon quels déterminants ?
**********************
Au fait, si dans les pays développés la RSE est devenue bien encadrée par les institutions publiques, réglementée par des lois qui encouragent les entreprises à aller davantage dans ce sens et favorisée par des mesures fiscales incitatives.., ce n’est pas le cas dans d’autres pays ou la RSE est introduite par libre choix des entreprises privées de manière facultative, libre et volontaire comme c’est particulièrement le cas au Liban.
Dans de telles circonstances, il est évident de s’interroger sur les raisons qui poussent les entreprises à supporter les couts indispensables pour investir en RSE et attendre les résultats souhaités à long terme en termes d’amélioration de l’image, de la crédibilité et de la réputation aux yeux des agents, la fidélité des parties prenantes (employés, clients,…) et par suite l’amélioration des résultats financiers.. Il s’avère que parmi les parties prenantes (internes : actionnaires, employés… et externes : clients, fournisseurs, Etat, concurrents, medias et société civile englobant les ONG, les syndicats…), le concurrent de l’entreprise s’avère la principale origine déclenchant cette ‘course’ à s’afficher socialement responsable pour acquérir la confiance du public et préserver sa part de marche qui risque d’être attirée par le concurrent s’il se montre davantage socialement responsable.
Plus précisément, les entreprises se concurrencent pour gagner ce qu’on appelle la ‘légitimité sociale’ qui se définit par l’impression partagée que les actions de l’entreprise sont désirables, convenables ou appropriées par rapport au système socialement construit de normes, valeurs ou croyances sociales.
A savoir que les entreprises qui ont le plus besoin d’acquérir la ‘légitimité sociale’ sont essentiellement celles dont l'activité principale risque de provoquer des externalités négatives ou les entreprises qui réalisent le plus de profits dans la société ou elles opèrent. Les entreprises à externalités négatives sont comme les industries provoquant la pollution, les cimenteries qui portent atteinte a la nature et la biodiversite, les usines qui risquent d’épuiser certaines ressources naturelles pour maximiser leurs profits actuels…sans tenir compte des besoins des générations futures. Les entreprises faisant le plus de profits par rapport aux autres secteurs dans la société ou elles opèrent sont comme par exemple le secteur bancaire au Liban qui constitue le dynamo du financement aussi bien public que privé au Liban ou le secteur de la construction avant la situation de stagnation actuelle.. Ces secteurs font l’effort de montrer qu’ils sont conscients des besoins de la société qui a contribué à la réalisation de leur succès et sont prêts à partager une partie de leur profit avec elle par l’adoption de la RSE dans leur stratégie globale et le soutien des initiatives contribuant à favoriser le Développement Durable au-delà de la recherche juste de la croissance économique et l’augmentation de leurs propres profits.
Ainsi, par la recherche de la ‘légitimité sociale’, les entreprises se plient aux pressions qu’exerce leur environnement par trois effets principaux :
Premièrement, l’habitude : qui renvoie à l’intégration inconsciente par l’entreprise de valeurs et de normes imposées par la société et l’environnement qui l’entourent.
Deuxièmement, l’imitation : qui amène l’entreprise a adopter les pratiques d’autres entreprises bénéficiant déjà de réputation et de légitimité de manière consciente ou inconsciente sans prendre le risque de tenter de nouvelles pratiques.
Troisièmement, la conformité : qui conduit l’entreprise de manière consciente et convaincue à intégrer les valeurs et exigences sociales dans sa stratégie et ses choix.
Ces pressions de la part de la société sur l’entreprise cherchant à acquérir la légitimité sociale sont de trois sources :
La première est coercitive : lois, règles… assurant la légitimité sociale.
La deuxième est normative : valeurs, normes… accordant la légitimité morale
La troisième est mimétique : croyances et pratiques déjà réussies dans d’autres entreprises pour une légitimité déjà reconnaissable.
Ainsi, la légitimité sociale, condition nécessaire pour la réalisation de la RSE, n’est pas un acte individuel momentané mais un engagement social de long terme qui amène à s’interroger sur les outils et moyens de contrôle indispensable pour assurer le suivi de l’entreprise dans un tel engagement social durable

د. سهام رزق الله : بين المستشار الاقتصادي وأصحاب القرار... عشرة تحديات في رحلة ألف ميل (27-12-2018)

د. سهام رزق الله: بين المستشار الاقتصادي وأصحاب القرار..عشرة تحديات في رحلة ألف ميل
27-12-2018
http://csrsa.net/post/1264
د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف ومستشارة إقتصادية إجتماعية)
مهمة المستشار الاقتصادي الى جانب أصحاب القرار والمتعاطين بالشأن العام من منطلق العمل الوزاري أو النيابي مسألة دقيقة تحكمها تحديات كبرى بين القدرة على الاقناع بما يراه الاقتصادي ضروريا وملحا وبين ما يراه السياسي ممكنا وأولويا بالنظر لقناعاته كما لانتمائه. علما أنه عندما يشرح الخبير الواقع الإقتصادي، يقوم بعمل علمي مبني على نظريات ثابتة وتجارب مثبتة أما عندما يسعى إلى تحسين الواقع الاقتصادي ويقدم إقتراحات عملية لتنفيذها يكتسب صفة المستشار لأصحاب الشأن، وتبدأ بذلك رحلة التحدي لإيصال فكرته والتمهيد لتنفيذها والسير وسط حقل الألغام لإيصالها الى بر الأمان. فأين تكمن أسس التحديات؟ كيف يمكن تلخيصها وشرحها وأي أفق لتخطيها ودوزنة العلاقة بين الطرفين؟
****************
يتخرّج سنويا ألوف المتخصصين بالعلوم الاقتصادية ويتوزعون بين مختلف مجالات العمل والقطاعات فيعملون في المصارف والشركات المالية والمؤسسات الكبرى التجارية والصناعية والسياحية ومكاتب إستشارات لتقديم دراسات الأسواق لمختلف أنواع الشركات وفيما يختار آخرون العمل في المؤسسات العامة أو منظمات غير حكومية محلية أو دولية ويفضل قليلون العمل البحثي والأكاديمي في الجامعات ومراكز الأبحاث...تختار قلة قليلة جدا أن تغامر في الاستشارات الاقتصادية لأدى أصحاب القرار في الوزارات او المجلس النيابي أو الأحزاب وتبدأ معها رحلة الألف ميل في تشخيص الواقع الإقتصادي واقتراح الحلول الممكنة أمام أصحاب الشأن بغض النظر عن إختصاصهم واختصاص من حولهم وخيارات جميعهم في الفكر والسياسة والقيم والمبادئ الاجتماعية المؤثرة في اتخاذ قراراتهم.. ومن هنا ينطلق البحث في التحديات المتنوعة التي تتسّم بها هذه المهمة والتي يمكن إختصارها بعشرة تحديات أساسية يصلح زيادتها أو تفصيلها وفق الظروف وأوضاع البلاد وخصوصيات المعنيين بها سعيا للتوازن المطلوب لعلاقة ثابتة بين الطرفين.
التحدي الأول يكمن في اختيار الشخصية التي يمكن تقديم الاستشارات الاقتصادية لها بالنظر الى إدراكها لقيمة الخبير الاقتصادي كمرجع أساسي في مجاله، والمعلوم أن ذلك يتطلّب حرصاً كبيرا في ايام يدعي فيها الجميع الإلمام بكافة المواضيع ويقدمون الآراء والنصائح في الاقتصاد والقانون والاجتماع والإعلام والسياسة بنفس السهولة دون أي مرتكز سوى قدرة التأثير والإقناع لدى أصحاب الشأن.. لذا تلعب شخصيّة المسؤول دورا فاصلا في "إعطاء الخبز للخباز".
التحدي الثاني يتعلّق بالمدرسة الفكرية والقيم الاجتماعية التي يتسم بها المسؤول المعني حيث لا ينفع مثلا تقديم كل المبررات والفوائد والحجج الضرورية لاعتماد الشراكة بين القطاع والعام والقطاع الخاص لمن ينتمي لمعتقد فكري يسعى للتأميم الكلي للقطاعات الاقتصادية أو على العكس لمن هو مقتنع بفكر ليبرالي راديكالي يسعى للخصخصة الشاملة غير المشروطة كخيار فعال وبناء وحيد دون سواه وبغض النظر عن انعكاساته على العدالة والمساواة الاجتماعية في الحصول على الخدمات...
التحدي الثالث يعود للخط السياسي والحزبي الذي تنتمي إليه الشخصية المعنية لناحية الاستعداد لتبني إقتراحات المستشار الاقتصادي في البرامج والاستراتيجية المعتمدة والايعاز لوزرائه ونوابه بالعمل لتنفيذها أو بالعكس الطلب من المستشار الاقتصادي تحضير التعليل والحجج اللازمة لإقناع الجمهور بالخيارات الاقتصادية للحزب وفكره الاقتصادي بغض النظر عن قناعة الخبير نفسه بها أو الرجوع اليه لدى اعتمادها، وهنا يعود للاقتصادي القبول أو الرفض بلعب هذا الدور "المقلوب"... أو استباقا أن يختار الاقتصادي تقديم استشاراته فقط لمن يعرف مسبقا أنه يتفق معهم فكريا وعقائديا وعلى جميع المستويات وضمنا الرؤيا الاقتصادية...
التحدي الرابع هو التوقيت حيث تلعب اللحظة الزمنية التي يختار فيها الخبير الاقتصادي تقديم إستشارته دورا أساسيا في تبنيها أو تأجيلها او حتى رفضها لعدم ملاءمتها مع اولويات الشخصية السياسية أو الحزب الذي تنتمي إليه في لعبة سلّم الأولويات التي لا يؤثر فيها المستشار الاقتصادي لوحده بل تحكمها عوامل عديدة لدى الشخصية وفريق عمله المتنوع الاختصاصات وطبعا حزبه السياسي وأوضاع البلاد...
التحدي الخامس يتمثّل بتوفّر التمويل حيث يتعرّض غالبا الاقتصاديون لقلق أصحاب الشأن من تبني إقتراحاتهم نظرا لصعوبة تأمين التمويل اللازم لتنفيذها إلا إذا أرفق المستشار استباقا خطة التمويل وآليات التنفيذ المسهّلة لها في الوقت عينه.
التحدي السادس يعود لثقل وحجم وهامش تحرّك أصحاب القرار في خوض معاركهم الاصلاحية وتبني الاقتراحات الاقتصادية للمستشار، وذلك يتاثّر بموقع المسؤول ومدى سلطته في موقعه وقدرته على التأثير في حزبه او الحكومة أو المجلس النيابي فضلا عن حجم وقوة التأثير للحزب الذي ينتمي إليه في اقتراح المشاريع وحشد التصويت لها لتحقيق الانجازات المطلوبة.. وإلا قد يفضّل تفادي تبني الاستشارات الاقتصادية الجديدة وصرف الجهد والوقت لها دون إمكانية ضمان إيصالها في المنابر الرسمية.
التحدي السابع يتعلّق بمدى استقرار العمل المؤسساتي في البلد الذي يتم فيه تقديم الاستشارات الاقتصادية للشخصيات السياسية في مواقع القرار، حيث قد يتعرّض الاقتصادي لتأجيل بت إقتراحاته في ظل غياب الاستقرار والاستمرارية في العمل المؤسساتي حيث كلما حصل مثلا تغيير حكومي توضع جانبا إقتراحات وخطط الوزراء السابقين ويبدأ الوزراء الجدد التخطيط وتلقي الاستشارات التي يدركون أنه يحتمل ألا يلحّقون تنفيذها قبل تغيير جديد يعيد البحث الى نقطة الصفر...
التحدي الثامن يتعلّق بمدى قرب أو بُعد الاستشارات الاقتصادية المقدّمة في مجال عمل وإختصاص الشخصية السياسية.. فيكون مثلا رجل الأعمال أو الصناعي أو رئيس مؤسسة إجتماعية تنموية أكثر أهتماما لتلقّف للإستشارات المفيدة للقطاع المعني به والمدرك لحاجاته أكثر من أي شخصية بعيدة عن المجال وغير متأثرة فيه لا بل يكون أكثر حماسة في النضال لأجله والاستفادة من فترة توليه موقع قرار لتحسين وضع قطاعه تحضيرا لاستكمال مصالحه فيه بعد هذه المرحلة.
التحدي التاسع يكمن في تحلّي المسستشار الإقتصادي بمهارة التواصل وقوة التفاوض وسهولة التعاطي وقدرة الإقناع وخصوصا سلاسة تبسيط الأفكار في تقديم إقتراحاته للمسؤول المعني كما لمختلف أعضاء فريق عمله المحيط به والمؤثّر على آراءه وخياراته. هذا التواصل يساعد الاقتصادي في تفادي خطر تلقي الرفض إستنادا الى سوء فهم اقتراحاته ممن هم بعيدين عن المجال أو إستنادا الى حسابات تزكّي الاهتمام بإقتراحات تتعلّق بمجال معيّن على حساب مجال آخر (مثلا طغيان الاستشارات السياسية على الملفات الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها)
التحدي العاشر هو اعتماد منهجية إستمزاج آراء الجهات المعنية قبل تقديم المستشار الاقتصادي للإقتراحاته من ثم اعتماد المناصرة والضغط باتجاه تبنيها وهو ما يحتاج تشبيك إجتماعي مع الجهات والمجموعات المعنية بالملف موضع البحث (نقابات، جمعيات، مؤسسات قطاعية..). فالاقتصادي يعزز إقتراحاته بمساندة مسبقة من الشرائح والمجموعات المعنية بها بحيث يهيء قاعدة من المؤيدين الذين يرجّح أن تؤخذ آراءهم قبل تبني الاقتراحات من قبل أصحاب الشأن، ومن ثم يسعى لخلق مجموعات ضغط لمتابعتها وملاحقة تبنيها وتطبيقها بفتح أوسع مروحة أبواب تجعل من الصعب الرهان على حصرها لطمسها او المراهنة على عامل الوقت لإهمالها.
هذه التحديات العشرة إن أهملها المستشار الاقتصادي من شأنها أن تتحوّل الى مشروع مطبّات تعرّض مسيرته للاهتزاز أو الانحراف نحو مهمّة إعداد تقارير داعمة ومبررة مسبقاً للخيارات الاقتصادية لأصحاب الشأن بدل تقديم الاستشارات الاصلاحية والريادية المقنعة لهم. أما على العكس إن أحسن الاقتصادي أخذ احتياطاته تجاه هذه التحديات فمن شأنها أن تحوّل مهمّته من مجرّد مستشار يقدّم إقتراحات غير مضمونة الأفق الى لاعب فاعل وقبطان في قيادة الخيارات الاقتصادية للمسؤول أو الفريق الذي يمثّله في أي موقع مسؤولية يتولاه لا بل في أي موقع يمر فيه وحتى بعد الخروج منه ومتابعته من اي موقع جديد يتولاه.. صحيح أن دقة كل مهمّة إستشارية تحتاج لفترة مد وجزر لدوزنة العلاقة بين طالب الاستشارة ومقدّمها إلا ان خصوصية الاستشارة الاقتصادية بالذات تكمن في كون الاقتصاد ملف يتقنه القليلون ويتناوله كثيرون لأنه في الواقع يطاول الجميع!