mardi 24 septembre 2019

يوم المسؤولية الإجتماعية للشركات... طريقة للعيش معاً - الاثنين 23 أيلول 2019

د. سهام رزق الله - جريدة الجمهورية https://www.aljoumhouria.com/news/index/488792
الاثنين 23 أيلول 2019 https://www.aljoumhouria.com/news/index/488792  
يوم المسؤولية الإجتماعية للشركات... طريقة للعيش معاً
بمناسبة اليوم العالمي للمسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، نختار نشر ملخص لنتائج استطلاع حول تقديم وتطوّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان.
منذ إدخال مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان مع نشر المعيار الدولي ISO26000 ومختلف المبادرات المجانية والحرة والطوعية التي اتّخذها القطاع الخاص اللبناني في هذا الاتجاه، فإنّ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بطيء وسرعته تختلف بين قطاع وآخر. من هنا إنّ البحث عن نموذج مفاهيمي لشرح هذه الخصائص واتجاهات تطورها استلزم إجراء دراسة استقصائية تغطي جميع المحاور للتحقق من صحتها في لبنان. ما هو أفضل نموذج يفسّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان؟ وما هي النتائج التطبيقية؟
في مواجهة تعدّد أوجه عدم المساواة ومخاطر التمييز والإقصاء الاجتماعي في مجتمع تعدّدي مثل الاقتصاد اللبناني الذي يستضيف أيضاً تدفّقاً هائلاً من النازحين خاصة منذ الأزمة السورية في 2011، تثبت أنّ المسؤولية الاجتماعية للشركات المسؤولة باتت ضرورة ملحّة خاصة أنّ الدولة وحدها غيرُ قادرة على تلبية الاحتياجات الاجتماعية بمجملها، والمنظمات غير الحكومية التي لا تملك الإمكانيات المالية الكافية غير قادرة على القيام بذلك منفردة، من هنا دور القطاع الخاص أن يتدخل ويوجّه الاقتصاد نحو العيش الشامل معاً.
ومع ذلك ، فإنّ إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحدّيات تنفيذ المشروع تختلف من بلد إلى آخر وفقاً لخصائص النظام الاقتصادي في هذا البلد ودور الأطراف المختلفة وديناميكية القطاعات المعنية التي تجعله ضمناً أقرب إلى نهج نظري معيّن تجاه المسؤولية الاجتماعية للشركات.
من هنا، يبدو من المثير للاهتمام أن نفهم تحدّيات إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات من قبل دولة صغيرة ونظام اقتصادي حرّ مثل لبنان من خلال الاختيار الطوعي لقطاعها الخاص دون أيّ تدخّل من الدولة خلافاً لجميع البلدان العربية المحيطة، كما من المهم التوقّف عند بطء تطوّر المسؤولية الاجتماعية للشركات في بعض القطاعات وتسارعها في قطاعات أخرى من خلال الإشارة إلى النموذج النظري الذي من شأنه أن يفسّر ذلك بأفضل شكل.
النموذج المرجعي المختار هو النموذج المؤسَّسي الجديد الذي مكّن من تشكيل الإطار المفاهيمي لإدخال وتطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بين القطاعات المختلفة في لبنان، والتي تمّ التحقق من صحتها من خلال نتائج المسح النوعي حول تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات بين 18 مؤسسة لبنانية تشتهر بالمسؤولية الاجتماعية في لبنان. تعتمد المنهجية على مقابلات شبه منظمة ودليل للمقابلات وشبكة تحليل للإجابات. علماً أنّ النموذج المؤسسي الجديد يرتكز على ثلاثة محاور: التماثل في التقليد، التماثل المعاييري، واعتماد التنظيم والقوننة.
• تقليد التماثل: في أعقاب القيود المعرفية والثقافية، في سياق عدم اليقين الشديد، تميل المنظمات إلى إعادة إنتاج ممارسات بعضها البعض، لتقليدها. يمكن أن يقلّل التقليد من عدم اليقين، ويعتمد أساليب أو أدوات معروفة بالفعل دون المجازفة بتجربة خيارات جديدة.
• التماثل المعياري: يساهم القيد المعياري في الشرعية الأخلاقية المرتبطة بالمعايير وشهادات الاعتماد التي تحدّد القواعد المعرفية للممارسات المماثلة دون أن تؤدي إلى فرض عقوبات في حال غيابها.
مع العلم أنّ دراسات تجريبية عدة قد أُجريت حول تأثير النظرية المؤسسية الجديدة على المسؤولية الاجتماعية للشركات في البلدان التي تمرّ بمرحلة انتقالية، بما في ذلك لبنان، ومن هنا أهمية الدراسة الاستكشافية التي أُجريت.
• التنظيم القانوني التشريعي: التنظيم القانوني يعزّز شرعية الاستراتيجية المعتمدة من قبل المؤسسات لإدخال مفهوم المسؤولية الاجتماعية القائمة على القواعد والأنظمة المساهِمة في تنظيم وقوننة المبادرات. التعريف القانوني للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والمعايير والمؤشرات المعتمدة في تقارير المؤسسات التي تعتمدها وفق النظم المعروفة عالمياً، تساهم في تحديد المؤسسات المسؤولة اجتماعياً فعلياً تمهيداص للمطالبة بحوافز وإجراءات مشجّعة.
وقد أعربت غالبية الشركات عن الحاجة إلى إطار رسمي لجمع معلومات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات كمنصة يمكن أن تجمع ممثلين من جميع القطاعات. تنقسم المقترحات بالتساوي تقريباً بين طلب الإعفاءات الضريبية، ودعم بعض الأنشطة ومنح خطوط ائتمان مدعومة الفائدة، وهي تدابير ضرورية لتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات والتي لا تتطبق بعد في لبنان حتى اليوم.
مع العلم أنّ مطالبة الدولة بالحوافز لتشجيع الشركات اللبنانية على مواصلة تطوير استراتيجيتها للمسؤولية الاجتماعية للشركات لا يمكن أن تتم دون بناء قاعدة بيانات في البداية عن الشركات المسؤولة اجتماعياً في لبنان. وهذا يتطلب لوائح المسؤولية الاجتماعية للشركات وتحديد الشركات المسؤولة اجتماعياً وفقاً لمعايير ومؤشرات المساهمة في التنمية المستدامة ونشر التقارير العلمية التي تقيمها لجان الخبراء في هذا المجال.
وبذلك يكون تمّ التحقق من صحّة النموذج المؤسسي الجديد حيث يسمح التماثل في التقليد واعتماد المعايير والقيَم بتطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات بسرعة في قطاعات معيّنة مثل قطاعات المصارف والاتصالات الخلوية. في حين أنّ غياب القوننة والحوافز يبطئ تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات في قطاعات أخرى مثل القطاع الصناعي والقطاع التجاري في انتظار دعم الدولة. ومن هنا الحاجة إلى نظام أساسي رسمي لجمع البيانات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان، وتقييم الجانب العلمي للعملية، ومنح العلامات أو شهادات التميّز لأولئك الذين يستحقونها وتدريب أولئك الذين بحاجة إليها وإدخال اللوائح اللازمة من حيث الضرائب والحوافز المالية لتحسين النتائج... يستمرّ العمل في المرحلة الثانية لوضع الأساس الأكاديمي الضروري لتحقيق هذه الاستنتاجات.

mardi 10 septembre 2019

إستقلالية المركزي ومصداقية السياسة النقدية 20-08-2019

د. سهام رزق الله
-
جريدة الجمهورية
الثلاثاء 20 آب 2019
إستقلالية المركزي ومصداقية السياسة النقدية
إستقلالية المصرف المركزي مفهوم قديم متجدد يستقطب الأنظار في المفترقات الاستراتيجية في اعتماد السياسات النقدية لاسيما في فترات الأزمة، وخصوصاً أزاء تحديات تعثّر السياسة المالية وصعوبة مواجهة حاجات التمويل للعجز العام والتصدي لأزمة استدامة المديونية العامة. وبعد الفورة الكبرى لإشكالية استقلالية المصرف المركزي وأهميتها لتأمين مصداقية السياسات النقدية في الثمانينات، عادت هذه الاشكالية بمتطلبات مختلفة في السنوات الأخيرة لاسيما مع اعتماد السياسات النقدية غير التقليدية بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008. فماذا تعني السياسات النقدية غير التقليدية؟ لاسيما في ما يتعلّق بضرورة إستقلالية المصرف المركزي لتحقيق مصداقية السياسة النقدية؟ ما هي أبرز أشكال وأسس هذه السياسات؟ وما مدى تأثيرها المرتقب على صعيد الإستقرار النقدي كما المالي؟
عندما نتحدث في الإقتصاد على إستقلالية المصرف المركزي نعني بها تحديداً إستقلالية السلطة النقدية عن السلطة السياسية، بحيث يكون للمصرف المركزي حرية تحديد خياراته في اعتماد السياسة الأنسب للحفاظ على الاستقرار النقدي في الشق الداخلي عبر ضبط التضخم، وفي الشق الخارجي عبر الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية. ومن المعروف إقتصادياً أن مفهوم استقلالية المصرف المركزي يعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الاستقلالية القانونية في النصوص، الاستقلالية الفعلية في الممارسة والاستقلالية المالية في حسابات المصرف المركزي تجاه الدولة. ولطالما شددت الأدبيات الاقتصادية وخصوصاً مع الموجة الكلاسيكية في الثمانينات على أن تحقيق الهدف الرئيسي للمصرف المركزي بتأمين الاستقرار النقدي لا يمكنه أن يتحقّق إلا من خلال الفصل التام للسياسة النقدية للمصرف المركزي عن السياسة المالية للحكومة ووزارة المال خصوصاً لتفادي لجوء الحكومة متمثّلة بوزارة المال لطلب تغطية عجوزاتها المالية من خلال تدخل المصرف المركزي، إن كان عبر ضخ السيولة وتحمّل انعكاساتها التضخمية الفورية أو من خلال الضغط على المصرف المركزي للمساهمة في الدين العام عبر الإكتتاب بسندات الخزينة والتفاوض حول شروطها بالكمية والآجال ومستوى الفوائد...أو طبعاً اللجوء الى افتعال زيادة في السيولة واصطناع نهضة عابرة في الأسواق في فترات محددة، مثل الفترات التي تسبق الإنتخابات، لإحداث صدمة إيجابية وهمية لا تلبث أن تتحوّل كابوساً تضخمياً يصعب ضبطه دون أن تكون مساهمة بنمو إقتصادي حقيقي وخلف فرص العمل المطلوبة.
أما منذ الأزمة المالية عام 2008 ، فقد اضطرت المصارف المركزية للتدخّل في الأسواق ولعب دور المنقذ لتأمين السيولة المطلوبة للقطاعين العام والخاص وتفادي الإنهيارات الشاملة عبر السياسات النقدية غير التقليدية المعتمدة والتي شكّلت مفترقاً كبيراً في مفهوم إستقلالية المصرف المركزي لجهة تأمين التدخل المطلوبة لتمويل الاقتصاد مع المحافظة في الوقت عينه على مصداقية سياسته النقدية ومنع المس بخياراته في تأمين الاستقرار النقدي الضروري.
وقد جهدت السياسات الحديثة غير التقليدية في تثبيت إمكانية تحقيق مصداقية المصرف المركزي ولو بظل مساهمته في تمويل الدولة والدين العام عبر زيادة السيولة وتخفيض معدل الفوائد الى ما يلامس حدود الصفر دعماً للإستثمار ولتنيشط الاقتصاد ككل، ذلك أن من خلال سياسة المعايير الإسترشادية القائمة على إعطاء الجمهور علماً مسبقاً بمخططات السلطة النقدية لجهة تنامي Forward Guidance الكتلة النقدية ومستوى الفوائد واتجاه سعر الصرف بما يساعد العملاء الإقتصاديين على صياغة توقعاتهم بشكل صحيح، خلافاً لأسلوب المفاجأة والكتمان الذي كانت بعض المصارف المركزية تعتمده لإحداث فورة إقتصادية فجائية ولو بكلفة تضخّم باهظة. وهذا ما حرص على اعتماده حاكم مصرف لبنان مؤخراً إن كان لجهة الإعلان عن التوجهات النقدية للمصرف المركزي او لجهة الإضاءة على دقة الأوضاع المالية التي تستدعي تدخله خصوصاً عبر الإضطرار الدائم لتمويل القطاع العام حتى أصبح أبرز المكتتبين بسندات الخزينة والتي تدفعه مراراً للمشاركة في عمليات السواب والهندسات المالية مع المصارف التجارية، مما يعكس الشكل الثاني من السياسات النقدية غير التقليدية المعروفة بسياسات التليين النقدي الكمّيQuantitative Easing القائمة على ضخ السيولة لشراء السندات المالية من القطاعين العام والخاص والتليين النقدي النوعي، فضلاً عن الشكل الثالث للسياسات النقدية غير التقليدية القائمة على الشراء الكثيف للسندات على الرغم من ارتفاع درجة مخاطرها Qualitative Easing.
إلا أن السياسات الحديثة غير التقليدية واجهت عوائق عدة حدّت من فعاليتها ولا سيما من حيث انعكاستها على المالية العامة وتحفيز الدولة على ترشيد الانفاق العام وضبط الدين العام، خاصة أن تخفيض الفوائد ومنها طبعاً على سندات الخزينة مما يسمح للدولة بالتراخي في ضبط المديونية طالما أنها غير مكلفة لناحية خدمة الدين العام (أي الفوائد السنوية على أصل الدين) فلا يضغط عليها لتأمين الإنضباط في سياستها المالية وتفادي العجز والإستدانة.
وأكثر من ذلك، يبقى التحدي الأساس بعد انقضاء الأزمة في إمكانية الخروج عن السياسات النقدية غير التقليدية والعودة الى اعتماد السياسات النقدية التقليدية من دون إحداث بلبلة في توقعات الجمهور، بل طمأنته بشفافية الى مجرى الخيارات الجديدة فضلاً عن الضغط لضبط المالية العامة لعدم الإضطرار للتدخل باستمرار واستنفاد إمكانية المصرف المركزي وتحويله عن دوره الرئيسي بتأمين الإستقرار النقدي.