dimanche 13 mars 2022

ثلاثة مكونات لتنامي الدين العام اللبناني: الفوائد والكهرباء وحجم القطاع العام

 ثلاثة مكونات لتنامي الدين العام اللبناني: الفوائد والكهرباء وحجم القطاع العام

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/639622/%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%85%D9%83%D9%88%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%87%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%AD%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

من المعروف أنّ الدين العام اللبناني بدأ في سنوات الحرب مع تنامي فوضى المالية العامة وعجز الخزينة وتشتّت المستندات والأرقام التي شكّل غيابها أكبر التحديات عند معاودة انتظام المالية العامة عام 1993. من «إرث» المالية العامة من سنوات الحرب الى عجوزات المالية العامة السنوية بعدها، ثلاثة مكوّنات من النفقات العامة الجارية كانت كفيلة بتنامي الدين العام بشكل كرة ثلج حتى فقدنا استدامة المديونية العامة وانتهى الأمر بإعلان العجز عن السداد. أيّ وقع كان لارتفاع معدّلات الفوائد وبالتالي خدمة الدين العام على ارتفاعه السنوي؟ أيّ دور كان أيضاً لتراكم عجز الكهرباء وسلفات الخزينة لها؟ وماذا عن عبء القطاع العام ورواتبه وحجمه الأكبر نسبة من إنفاق الموازنة عالمياً؟

 معدلات الفوائد وخدمة الدين العام

في نهاية العام 1992 كان مجموع الدين العام الثابت المتوجّب على الخزينة اللبنانية يعادل حوالى ثلاثة مليارات دولار أميركي منه 327.5 مليون دولار أميركي والباقي بالليرة اللبنانية. وباحتساب كلفة خدمة هذا الدين العام على أساس معدلات الفائدة السنوية المعتمدة من قبل مصرف لبنان على مدى السنوات 1992 -2011 والمدفوعة من قبل الخزينة اللبنانية، فإنّ تلك المبالغ المتوجبة في نهاية العام 1992 وبعد إضافة الفائدة المتجمعة على مدى كل سنة بين عامي 1992 و2001 بلغت ثلاثين ألف مليار ليرة لبنانية. كذلك زاد الدين بالدولار الأميركي بفعل تراكم الفوائد رصيد الدين العام ليصبح حوالى ملياري دولار أميركي ليتخطى مجموع الدين المقوّم بالدولار حدود 22 مليار دولار.

 

تكوين الدين العام: معظم الدين اللبناني محلي (أي أن معظم المكتتبين هم من المقيمين إن كان بالليرة أو بالعملات الأجنبية، علما أن التقارير اللبنانية تسمّي «دينا داخليا» الدين بالليرة اللبنانية و»دينا خارجيا» الدين بالعملات الأجنبية وتحديدا الدولار الأميركي أي اوروبوند حتى لو كانت في محفظة المقيمين، بينما علم الاقتصاد يسمي «دينا داخليا» السندات الموجودة في محفظة عملاء مقيمين و»دينا خارجيا» فقط السندات الموجودة في محفظة عملاء غير مقيمين أي في وضع لبنان الأوروبوند الموجودة في محفظة عملاء غير مقيمين، بحيث لا تحتسب ضمنها الأوروبوند الموجودة في محفظة العملاء المقيمين مثل الجهاز المصرف اللبناني).

 

ارتفع الدين العام إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 1994، وهو ما يمثل نمواً سنوياً بنسبة 67 % بين عامي 1993 و2001. اعتمدت الحكومة اللبنانية في البداية على الاقتراض الكبير من السوق المحلية وبالتالي جمعت المزيد من الديون بالعملة المحلية لتلبية متطلبات التمويل الإجمالية. وقد شكّل الدين العام بالليرة اللبنانية في تلك المرحلة 81.3 % من إجمالي الدين بشكل متوسط مع ارتفاع تكاليف الاقتراض نظرا لعامل المخاطرة.

 

في نهاية العام 2021 تخطى الدين العام مقوما بالدولار على أساس سعر الصرف الرسمي (1508.5 ليرة للدولار الواحد) حدود الـ 100.39 مليار دولار (موزع بين 61.84 % بالليرة اللبنانية و38.16 % بالدولار الأميركي). طبعاً إذا احتسبنا الدين بالليرة على أساس سعر صرف السوق الحرة أو حتى سعر صيرفة (مثلا 20 ألف ليرة للدولار) تكون قيمته مقوما بالدولار حوالى 4.65 مليارات دولار، ليصبح مجموع الدين اللبناني مقوما بالدولار بالكاد بحدود 43 مليار دولار أميركي.. وفق تراجع تصنيف الدين السيادي لدى الوكالات الدولية (فيتش، موديز، ستاندر أند بورز) الى أدنى المستويات بات لا بد من تفنيد أبرز مكوّناته والعوامل المؤثرة بتزايده لا سيما منها الكلفة المرتفعة للدين والتي بات لبنان يتسدين لإيفائها...

 

فوائد سندات خزينة باهظة مطلع التسعينات

لطالما كانت معدلات الفائدة المعتدلة تبقى مرتبطة بعوامل عديدة وليس بمجرد قرار مركزي! ومن أبرز هذه العوامل المؤثرة بمستوى الفوائد:

 

أولاً، «مخاطر البلد»، وهو عنصر هام وأساسي، يمنع تراجع معدّلات الفوائد بشكل ملحوظ، على الرغم من أنّ المصرف المركزي استمر في دعم القروض بفوائد مخفضة، ولا سيما للاستثمار العقاري وللقطاعات الإنتاجية المختلفة. ولكن بموازاة ذلك، تقوم الوكالات الدولية لتصنيف المخاطر بدراسة وضع كل بلد وفق مؤشراته الاقتصادية وغير الاقتصادية المؤثرة على اقتصاده (وطبعاً من أبرزها إستقراره السياسي) مما ينعكس بشكل حاسم على تحديد معدلات الفائدة. أضف إلى ذلك أنّ رفع المصرف المركزي الأميركي معدلات الفائدة لعام 2017، زاد الضغط على معدلات متوسطة الأجل.

 

وقد أصبح معدّل الفوائد على سندات الخزينة «معدل فائدة رئيسي» أي المؤثر في مجمل هيكلية الفوائد الدائنة والمدينة في لبنان. وبالتالي كلما ارتفع عامل المخاطرة تضطر الخزينة لزيادة الفائدة كتعويض عن عامل المخاطرة لإقناع المستثمرين بالاكتتاب بسنداته. وهنا يلاحظ وجود عاملي مخاطرة: عامل مخاطرة البلاد الذي يجعل من الضروري رفع الفائدة على سنداتها بأي عملة كانت، وعامل مخاطرة العملة الذي يجعل الفائدة على سندات الليرة اللبنانية أعلى من الفائدة على السندات بالعملات الأجنبية الأوروبوند وهذا ما دفعَ الدولة لزيادة دولرة الدين أي حصة الأروبوند من مجمل الدين على الرغم ممّا يحمله زيادة الدين بالدولار من خطر عدم القدرة على السداد في حين أن الدين بالليرة يمكن بأقسى الأحوال سداده عبر اللجوء الى طبع النقد وتحمّل التضخّم الناتج عنه. كذلك ترتفع الفوائد الاسمية مع ارتفاع التضخم كي يبقى معدل الفوائد الفعلية إيجابيا كي تستمر عملية الاقراض أي حتى لا يخسر المقرض القدرة الشرائية للأموال لحظة السداد.. فضلاً عن سعي الدولة في السنوات الأخيرة الى رفع الفوائد لاجتذاب الرساميل ثم العمل على توظيف جزء كبير منها في تمويل الدولة المديونية على شكل كرة ثلج لا بل المرور بفترات عجز مالي أولي (العجز المالي من دون حتى احتساب خدمة الدين).

 

 عجوزات مؤسسة الكهرباء:

كما ساهم تراكم العجز السنوي لمؤسسة كهرباء لبنان على مدى الفترة الممتدة من نهاية العام 1992 وحتى العام 2011، والذي اضطرت الخزينة اللبنانية إلى تغطيته وتسديده عن المؤسسة بزيادة حجم الدين العام وخدمته، إذ سجّلت مؤسسة كهرباء لبنان عجوزات مالية سنوية كانت تتراوح بين ما يوازي مليار ونصف الى ملياري دولار أميركي ما عدا تراكم كلفة فوائد الديون عليها.

 

فالعجز السنوي الذي كان يتراكم على مؤسسة كهرباء لبنان على مدى الفترة الممتدة من نهاية العام 1992 وحتى العام 2011، والذي اضطرت الخزينة اللبنانية إلى تغطيته، ساهم بشكل كبير فى زيادة حجم الدين العام. وقد ساهمت الدولة اللبنانية وسلّفت مؤسسة كهرباء لبنان خلال السنوات 1992 وحتى العام 2011 حوالى 11 مليار ومئة مليون دولار أميركي وهي المبالغ التي جرى تمويلها بالكامل عن طريق الاقتراض، سواء بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية، وذلك وفقا لنسبة توزّع تمويلها جزئياً الدين العام بين الاقتراض بالعملات الأجنبية والاقتراض بالليرة اللبنانية وهذا ما يسري على الدين العام الناتج عن العجوزات المحققة من الدعم الذي تقدمه الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان.

 

وإذا احتسبنا كلفة الفوائد على المبالغ المدفوعة من قبل الخزينة اللبنانية خلال كل سنة 1992 و2011 لمؤسسة كهرباء لبنان والتي كانت الخزينة تموّله عن طريق المزيد من الاقتراض، فإن كلفة خدمة هذا القسم من الدين العام الذي تراكم بسبب العجوزات المتحققة لدى مؤسسة كهرباء لبنان قد بلغ حوالى سبعة مليارات دولار أميركي أي أن مجموع الكلفة الإجمالية لدعم مؤسسة كهرباء لبنان وكلفة خدمة ذلك الدين العام الناتج عن تمويل المؤسسة وذلك خلال تلك الفترة قد بلغ حوالى ثمانية عشر مليار ومئة مليون دولار أميركي. (18 ملياراً و100 مليون دولار).

 

وفي عام 2018، أظهر تقرير قُدِّم إلى مجلس الوزراء عن أوضاع قطاع الكهرباء، أن إجمالي العجز على مدى 26 عاماً بلغ 36 مليار دولار، منها 20.6 مليار دولار ديون مؤسسة كهرباء لبنان، و 15.4 ملياراً فوائد متراكمة على هذا الدين. واليوم بات التراكم يتخطى المجموع حدود 43 مليار دولار.

  

كلفة القطاع العام من رواتب وأجور

في حين كان حجم القطاع العام وعدم تحقيق الاصلاح المالي والاداري فيه يثقل الخزينة حتى تخطت كلفته ثلث الموازنة في حين لا تتجاوز حصته 10 الى 15 % من الموازنة في مختلف بلدان العالم.

 

مجموع ما أنفقه لبنان على الرواتب والأجور من العام 1993 وحتى نهاية العام 1998 بلغ 11953 مليار ليرة لبنانية أو ما يوازي 5.7 مليارات د.أ. وهو ما نسبته حوالى ثلث مجمل الإنفاق. ويعود هذا في جزء منه إلى الزيادات المتتالية على الرواتب والأجور التي جرى إقرارها في مجلس النواب بموجب قوانين ومن دون إقرار البنود الإصلاحية التي كانت تهدف إلى زيادة الإنتاجية في القطاع العام.

 

وقد ذكر تقرير وزارة المال اللبنانيّة «مرصد الماليّة العامّة - كانون الأوّل 2018» ارتفاع الإنفاق الإجمالي على المخصَّصات والرواتب وملحقاتها بنسبة 18.26 % خلال العام 2018 إلى 9,719 مليارات ل.ل. (6.45 مليارات د.أ.)، مقارنةً بـ8،218 مليارات ل.ل. (5.45 مليارات د.أ.) في العام 2017، بعد تطبيق سلسلة الرتب والرواتب. في التفاصيل، زاد الإنفاق على المخصَّصات والرواتب والأجور والتقديمات الإجتماعيّة، والذي شَكَّلَ الحصّة الأكبر (61.91 %) من مجموع الإنفاق على المخصَّصات والرواتب وملحقاتها، بنسبة 10.87 % سنويّاً إلى 6،017 مليارات ل.ل. (3.99 مليارات د.أ.).

 

كذلك نَمَت النفقات على معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، والتي شَكَّلَت 33.00 % من مجموع الإنفاق على المخصَّصات والرواتب وملحقاتها، بنسبة 36.64 % إلى 3,207 مليارات ل.ل. (2.13 مليار د.أ.). ومن ضمن هذه الأخيرة، فقد إرتفعت كلفة التقاعد بنسبة 17.04 % على أساسٍ سنويٍّ إلى 2,349 مليار ل.ل. (1.56 مليار د.أ.)، كما زادت تعويضات نهاية الخدمة بنسبة 152.06 % إلى 857 مليار ل.ل. (568 مليون د.أ.). وقد نَمَت التحويلات إلى مؤسَّساتٍ عامّة لتغطية رواتب (5.09 % من مجموع الإنفاق على المخصَّصات والرواتب وملحقاتها) بنسبة 11.24 % إلى 495 مليار ل.ل. (328 مليون د.أ.). يجدر الذكر أنّ الإنفاق على المخصّصات والرواتب وملحقاتها قد شَكَّلَ 41.98 % من النفقات الحكوميّة الجارية و36.24 % من إجمالي الإنفاق الحكومي في العام 2018، مقابل 40.64 % و35.44 % بالتتالي في العام الذي سبقه.

 

يبقى أنّ معالجة أزمة الدين تقتضي البدء بمعالجة أبرز مسبّباته وهي أكبر مكونات الإنفاق الجاري غير المنتج والذي يؤدي الى تنامي العجز المالي سنوياً. وانّ كسر الحلقة المفرغة لا يمكن أن يحصل إلّا بإعادة هيكلة القطاع العام، والمعالجة الجذرية لملف الكهرباء، ووضع استراتيجية إدارة الدين العام وتحقيق فائض أولي وتحفيز النمو الإقتصادي بشكل يسيطر على نمو خدمة الدين ويسمح بتقليص أعبائه.


عام 2011 نقطة تحوّل الاقتصاد اللبناني: 5 مؤشرات قرعت جرس الإنذار...Monday, 21-Feb-2022



 عام 2011 نقطة تحوّل الاقتصاد اللبناني: 5 مؤشرات قرعت جرس الإنذار...

Monday, 21-Feb-2022
من المؤكّد أنّ العام 2011 شكّل نقطة مفصلية باتجاه الانقلاب السلبي في جميع المؤشرات الاقتصادية، لا بل إنّه شكّل للاقتصاديين المطّلعين، علامات ارتسام صورة جديدة عن المرحلة اللاحقة وقرع أجراس إنذار على مختلف المستويات. 5 مؤشرات رئيسية كانت مراقبتها كفيلة بتحديد حجم وأطر وأبعاد المخاطر المتنامية والمتسارعة، حتى بلوغ لحظة الصفر خريف العام 2019. لماذا تدهور ميزان المدفوعات؟ كيف ازدادت الهوة بين تزايد دولرة الودائع وهبوط موجودات الجهاز المصرفي بالعملات الأجنبية؟ كيف انزلق النمو الاقتصادي؟ علامَ ارتكز تزايد العجز المالي؟ كيف عاد ارتفاع الدين العام/الناتج المحلي بعد سنوات من الانخفاض 
التدريجي؟

صحيح أنّ عناصر كل انهيار إقتصادي تبدأ عادة بالتلاقي وتغذية بعضها من بعض، لتؤسس لتحوّل تدريجي في المشهد العام، يُفقِد الثقة بالمناخ الاستثماري ويجعل الآثار السلبية تتمدّد بين مختلف المؤشرات وتتفاعل بين مجمل القطاعات، إلّا أنّ انقلاب الصورة الاقتصادية في لبنان منذ عام 2011 بالشكل الصارخ الذي أظهرته 5 مؤشرات رئيسية، يجعل من الضروري التمعّن بها عن كثب.

ميزان المدفوعات: تاريخياً، لطالما كان الرصيد الإيجابي لميزان المدفوعات يستند الى فائض ميزان الرساميل الذي يغطي عجز الميزان التجاري، كون لبنان بلد مستورد بشكل كبير، بل أنّه حتى لصادراته يضطر إلى استيراد معظم موادها الأولية، فضلاً عن التجهيزات والطاقة وغيرها.


هذا يعني أنّ استقطاب الرساميل بالعملات الأجنبية هو العمود الفقري لتغطية حاجات البلاد من العملات الأجنبية وصمود الإقتصاد. عملياً، تمكّن لبنان من المحافظة على توازن ميزان المدفوعات بالاستناد الى مصادر أساسية للدولار، هي اجتذاب الودائع من الخارج والتوظيفات المالية والاستثمارات الأجنبية، لاسيما للاستثمار في القطاع العقاري، الذي شهد فترة ذهبية، فضلاً عن الإقبال السياحي، وخصوصاً الإنفاق الكبير بالعملات الأجنبية من السياح القادمين من بلدان الخليج. (رسم 1)


الهوة بين تطور الودائع والموجودات بالعملات الأجنبية:
هذه العناصر مجتمعة أوصلت لبنان الى ارتفاع فائض ميزان المدفوعات الى أكثر من 7 مليارات دولار عام 2009، قبل الهبوط الحاد والتحولّ الى عجز بحدود الملياري دولار عام 2011، ثم تراكم عجوزات بمليارات الدولارات، باستثناء العام 2016، الذي تمّ فيه تسجيل «فائض اصطناعي» في ميزان المدفوعات جراء استقطاب دولارات من الخارج لتوظيفها في الداخل تحديداً في الأوروبوند، وشهادات إيداع المصرف المركزي بالعملات الأجنبية عبر «الهندسات المالية»، في محاولة شراء الوقت في غياب الإصلاحات المالية والإدارية الفعلية... وتجديد احتياطاته بالعملات الأجنبية لاستمرار تثبيت سعر الصرف في ظل استمرار ارتفاع الدولرة حتى طيلة الـ22 عاماً من تثبيت سعر الصرف. (رسم 2)

هبوط النمو الاقتصادي
ومع بداية تضييق «مصادر الدولار» الى لبنان بعد اندلاع الأزمة في سوريا من جهة وإسقاط حكومة لبنان عام 2011 وتبدّل مناخ الاستقرار السياسي، تترجمت زيادة المخاطر على المناخ الاستثماري، وتضاعفت عوامل المخاطرة في البلاد (المؤثرة على الفوائد وعلى التصنيف السيادي، كما ذكرت حينها جميع تقارير مؤسسات موديز، فيتش، ستاندرد بورز…)، وزيادة انغماس الجهاز المصرفي في تمويل العجز المتمادي للدولة ولسدّ حاجات المصرف المركزي من احتياطات الدولار، مما انعكس انكماشاً بمستوى الحركة الاقتصادية، وبالتالي معدل النمو الاقتصادي للناتج المحلي.. فنمو الناتج المحلي الذي سجّل معدّلا يفوق الـ8.25% خلال السنوات الأربع التي سبقت العام 2011، هبط بشكل حاد لحدود الـ1%، وبات منذ حينها لا يلامس الـ2% بل ينزلق تباعاً مع تراجع النشاط الاستثماري والحركة في مختلف القطاعات... (رسم 3)


تنامي عجز المالية العامة:

صحيح أنّ حال المالية العامة في لبنان لم يكن على ما يرام منذ سنوات الحرب، واستمر كذلك في الفترة التي تلتها، لاسيما مع تزايد الإنفاق وعدم إمكانية تغطية الإيرادات أمام الإنفاق، إلّا انّ نمو الاقتصاد كان أقلّه يحسّن الوعاء الضريبي ويقلّل من العجز المالي، وكانت تنصبّ الجهود نحو تحقيق فائض أولي (أي دون احتساب خدمة الدين السنوية)، بغية إعادة ضبط تنامي كرة ثلج الدين العام وتعزيز إمكانية كسر الحلقة المفرغة، من تراكم العجز المالي السنوي والاضطرار الى الاستدانة ضمناً لتسديد فوائد الدين العام. إلّا انّ عام 2011 أعاد «خنق» الاقتصاد وازدياد العجز المالي وتنامي الدين الى الناتج المحلي. (رسم 4)

 

تنامي الدين العام/الناتج المحلي:
منذ عام 2011، ارتفعت نسبة الدين العام/الناتج المحلي الإجمالي بشكل مستمر، لتتجاوز 180% في نهاية عام 2019 مع تدهور وضع المالية العامة وزيادة الدين العام، مع تراجع معدل النمو الاقتصادي، بعد أن كان انخفض هذا المؤشر تدريجياً منذ عام 2006، حيث كان بحدود 180%، الى حوالى 131% عام 2010. ومن أبرز مكوّناته، الإنفاق الجاري لخدمة الدين العام (الفوائد على الدين)، أجور القطاع العام وسلفات تغطية عجز مؤسسة كهرباء لبنان. علماً أنّه يصعب تحديد عتبة إفلاس أو عدم استدامة الدين العام بشكل مطلق لجميع البلدان، ولكن تحدّد «معايير ماستريتش» للمالية العامة: سقف 3% من العجز المالي الى الناتج 

المحلي، وسقف 60% نسبة الدين العام الى الناتج المحلي. (رسم 5-6)



عملياً، اختصر عام 2011 أبرز مؤشرات الإنذار لانحدار الاقتصاد نحو الهاوية. ولكن هل كان التنبّه لها كافياً للدفع نحو الإصلاحات الملحّة؟ وهل كان لا يزال المجال ممكناً لتغيير المسار؟ الجواب رهن الأيام والإصلاح الفعلي ولو بعد حين.