dimanche 4 juin 2023

فوضى المالية العامة والدولرة منذ الحرب.. وليس بعدها!

 

فوضى المالية العامة والدولرة منذ الحرب.. وليس بعدها!

الليرة والعدالة الاجتماعية يدفعان الثمن..

د. سهام رزق الله (بروفسورة في جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الإقتصادية)

من الطبيعي أن يصعب سماع صوت العقل عند انفعال النفوس ويستحيل قراءة الأرقام وسط غبار الانهيار في لحظاته الأولى خاصة بالنسبة للجمهور الواسع الذي لم يكن يوما مضطرا على متابعة معطيات الاقتصاد إن لم يكن أساسا من صلب اختصاصه..الى حين وجد نفسه يدفع الثمن من خلال انهيار عملته الوطنية ووقوعه ضحية سقوط العدالة الاجتماعية بنتيجتها.. ومنعا لإستغلال الغضب المحق للناس لتحميل المسؤولية بشكل مجتزئ لمرحلة معينة أو خيارات محددة أو أفرقاء دون سواهم.. لا بد من تشخيص موضوعي لمسار فوضى المالية العامة التي بدأت تحديدا خلال الحرب اللبنانية وورثتها فترة إعادة الإعمار ويتم دفع ثمنها بالنقد وبتفكك النسيج الاقتصادي- الاجتماعي خاصة بعد أن فرضت نفسها الدولرة الزاحفة بشكل حاد غير رسمي وغير قابل للرجوع عنه بما يسحق ذوي الدخل المحدود بالليرة اللبنانية تاركا إياهم على هامش الحقوق الأساسية من الغذاء، السكن، العلم والصحة...

*************************

عندما بدأت الحرب في لبنان، كانت جميع الموازنات تعاني من عجز، باستثناء الأعوام 1971 و 1972 و 1974 عشية اندلاع حرب 1975.  منذ عام 1975 وحتى اليوم، أصبحت الموازنات اللبنانية المتتالية تعاني من عجز مالي... أول غياب لقطع حسابات الموازنات العامة وحسابات المهمة  كان بين عام 1979 وعام 1993. وحديثا تكرّر الأمر بوقف قطع الحسابات المستمر منذ عام 2004 مع توقّف إقرر الموازنات طيلة اثنا عشرة سنة بين عامي 2005 و2017.. وما أتت موازنة عام 2017 إلا بفوضى احتساب النفاقات والايرادات وتكاليف سلسلة الرتب والرواتب وسبل تمويل إلا لتطفح كيل الفوضى المالية المتمادية منذ الحرب.

أما سابقة اللجوء الى طباعة العملة الوطنية والضغط على المصرف المركزي لتمويل عجز الدول وما نتج عنه من تضخّم مفرط عام 1987 وهروب الناس عفويا من اللليرة اللبنانية واستبدالها بالدولار الأميركي في التسعير والدفع والادخار على شكل دولرة غير رسمية شبه شاملة ولو غير معلنه فكان أيضا في السنة نفسها 1987 حين بلغت ذروة الدولرة 92% من مجموع الودائع... وتمسّك الموطنين بالمستوى المرتفع للدولرةبالاقتصاد هو ما اضطر لبنان على التخلي  عن نظام سعر الصرف العائم الحر وتبني الثبات الزاحف بين 1993 و1998 من ثمة التثبيت المتشدّد على سعر صرف 1507.5 منذ حينها، كون نظام الصرف الذي تدعو له كل الأدبيات الاقتصادية في حال الدولرة المرتفعة الثابتة.

وفي الحرب نفسها عرف لبنان أولى تجاربه في ضرب العدالة الاجتماعية بين حاملي الدولار وذوي الدخل المحدود بالليرة اللبنانية ونسف الطبقة الوسطى وهي أساس ديناميكية كل إقتصاد ومجتمع بكل ما تحمل من اجتهاد في العمل ونشاط في القطاعات وأصالة في الدفاع عن قيمة "أكل الخبز من عرق الجبين" ... خلافا لمفاهيم أصحاب الثروات المبنية على المضاربة والربح السريع بفرق العملة... وماهي ظواهر اليوم سوى تكرار مشاهد سابقة من المسار ولكن باكثر شراسة نتيجة انغماس المصارف بتمويل انهيار القطاع العام وتدفيع الثمن للمودعين السابقين... مقابل استفادة المقترضين خاصة بالدولار!

يخطئ ويبتعد عن الموضوعية العلمية كل من يقارب المأزق المالي-النقدي المصرفي بشكل إستنسابي لفترة معينة: مثلا اختيار البحث فقط بفترة ما بعد عام 1993 بغض النظر عن الخيارات الاقتصادية وكلفة إعادة الإعمار، أو منذ العام 2005 بالنظر حصرا للمشهد السياسي الجديد الذي تلا اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والضغوط المالية-النقدية التي رافقته لاسيما منها إبقاء لبنان طيلة اثنا عشرة سنة بدون إقرار موازنة وما نتج عنها من إغراق النظام المصرفي بتمويل الدولة وتغطية ذلك بقرارات تخطي سقف الانفاق العام مصدّق عليها من مجلس النواب نسفت بنود قانون النقد والتسليف الذي كان يفترض أن يحفظ بالنصوص الحد الأدنى من استقلالية المصرف المركزي.. كما يخطئ من يحصر بحثه في الفترة التي ترجمت تدهور مؤشرات قدوم الانهيار منذ العام 2011 (في المالية العامة والدين العام/النمو الاقتصادي، وانقلاب ميزان المدفوعات واستنزاف الاحتياطاي بالعملات الأجنبية...) وتم تأجيله عام 2016 عبر شراء الوقت من خلال الهندسات المالية (لإعطاء فرصة إصلاح لم يحصل) حتى انفجر الوضع في خريف 2019.

في نهاية العام 1992 كان مجموع الدين العام الثابت المتوجب على الخزينة اللبنانية ، يعادل حوالي  ثلاثة مليارات دولار أميركي منه  327.5 مليون دولار أميركي والباقي بالليرة اللبنانية. وباحتساب كلفة خدمة هذا الدين العام على أساس معدلات الفائدة السنوية المعتمدة من قبل مصرف لبنان على مدى السنوات 1992 -2011 والمدفوعة من قبل الخزينة اللبنانية، فإن تلك المبالغ المتوجبة في نهاية العام 1992 وبعد إضافة الفائدة المتجمعة على مدى كل سنة بين عامي 1992 و 2001  بلغت ثلاثون ألف مليار ليرة لبنانية. كذلك زاد الدين بالدولار الأميركي بفعل تراكم الفوائد ّ ليصبح رصيد الدين العام حوالي ملياري دولار أميركي ليتخطى مجموع الدين المقوّم بالدولار حدود 22 مليار دولار.

ارتفع الدين العام إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 1994 ، وهو ما يمثل نموًا سنويًا بنسبة 67٪. بين عامي 1993 و 2001 ، اعتمدت الحكومة اللبنانية في البداية على الاقتراض الكبير من السوق المحلية. وقد شكّل الدين العام بالليرة اللبنانية في تلك المرحلة ​​81.3٪ من إجمالي الدين بشكل متوسط مع ارتفاع تكاليف الاقتراض نظرا لعامل المخاطرة.

 وتمّ إجبار المصارف على الاكتتاب بسندات الخزينة حتى 60% من إلتزاماتها بالليرة اللبنانية، وخُفّض المعدل إلى 40% عام 1994 ثم أُلغي عام 1997.

أما عن ارتفاع معدّلات الفوائد على الاقتراض فلا بد من لفت الانتباه الى جملة العوامل المؤثرة فيها لاسيما «مخاطر البلد»، كذلك ارتفاع الفوائد الاسمية مع ارتفاع التضخم كي يبقى معدل الفوائد الفعلية إيجابيا.. فضلا عن سعي الدولة في السنوات الأخيرة الى رفع الفوائد لاجتذاب الرساميل ثم العمل على توظيف جزء كبير منها في تمويل الدولة المديونية على شكل كرة ثلج، فضلا عن رفع المصرف المركزي الأميركي معدلات الفائدة لعام 2017، زاد الضغط على معدلات متوسطة الأجل.

عجوزات مؤسسة الكهرباء:

كما ساهم تراكم العجز السنوي لمؤسسة كهرباء لبنان على مدى الفترة الممتدة من نهاية العام 1992 وحتى العام 2011 والذي اضطرت الخزينة اللبنانية إلى تغطيته وتسديده عن المؤسسة بزيادة حجم الدين العام وخدمته إذ سجّلت مؤسسة كهرباء لبنان عجوزات مالية سنوية كانت تتراوح بين ما يوازي مليار ونصف الى ملياري دولار أميركي ما عدا تراكم كلفة فوائد الديون عليها...

وفي عام 2018 ، أظهر تقرير قُدِّم إلى مجلس الوزراء عن أوضاع قطاع الكهرباء ، أن إجمالي العجز على مدى 26 عامًا بلغ 36 مليار دولار ، منها 20.6 مليار ديون مؤسسة كهرباء لبنان ، و 15.4 مليار فوائد متراكمة على هذا الدين...

كلفة القطاع العام من رواتب وأجور...

وفي الانفاق الجاري الذي يسيطر على مجمل الموازنة العامة في لبنان، لا بد من التوقف عند حجم القطاع العام وعدم تحقيق الاصلاح المالي والاداري فيه يثقل الخزينة حتى تخطت كلفته ثلث الموازنة في حين لا تتجاز حصته 10 الى 15% من الموازنة في مختلف بلدان العالم.

 

 منذ عام 1993 ، بدأت تتنامى الفجوة النمو الودائع بالعملات الأجنبية والأصول الخارجية للنظام المصرفي وأخذت تتسع تدريجياً. تم إنشاء غرفة المقاصة للشيكات بالدولار الأميركي بدءا من عام 1994. وبعدها تطوّرت الدولرة باتجاه أجهزة الصراف الآلي التي أخذت تمتلئ بالدولار الأميركي خلافا لما هي حال جميع البلدان التي تخشى التداول الورقي بالعملة الأجنبية واستخدامها لتبييض الأموال والمضاربة على العملة الوطنية في السوق السوداء.... أدى استخدام العملة كأداة دفع إلى تطوير منح قروض مصرفية للقطاع الخاص بالدولار الأمريكي للسوق الداخلية ومنحها حتى لمن مدخولهم بالليرة اللبنانية بما في ذلك من مخاطر تقلّب سعر الصرف وعدم إمكانية السداد كما حصل بعد 2019 حتى تم السماح لهم بالتسديد بالليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف الرسمي ، وهذه خيارات تؤدي في جميع مصادرها الى خلق المزيد من النقد عن طريق "مضاعف الائتمان" .. حيث يتبيّن أن الودائع كانت تتزايد بالدولار وهي معظم مجرّد تحويل ودائع من الليرة الى الدولار دون غطاء دخول دولار فعلي وتحديدا من تزاكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ عام 2011.  وكذلك عمدت الدولة اللبنانية الى دولرة متنامية للدين العام بما في ذلك من مخاطر صعوبة التسديد وتوّجهتها من خلال "الهندسات المالية" التي كان من أهدافها تخفيض وهمي لخدمة الدين العام لأن الفوائد على الأوروبوند أقل من الفوائد على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية (بفعل فرق عامل المخاطرة بين العملتين) فضلا عن محاولة تسويق الأوروبوند في الأسواق المالية الدولية.

تم الحفاظ على الستاتيكو طالما كان ميزان المدفوعات فائضًا. منذ عام 2011 ، اتسعت الفجوة بطريقة بارزة بين الودائع بالدولار الأمريكي التي كانت تتزايد بوتيرة متسارعة والأصول الخارجية للنظام المصرفي التي بدأت في الانخفاض ، مما قلل تدريجيًا من القدرة على تلبية جميع الطلبات سحب ودائع العملاء بالعملة الأجنبية في عام 2019 ، مما سلط الضوء على انهيار نظام 2019 ، فتعدّد سعر الصرف، ودخل البلد في دوامة سياسة الدعم ومن ثمة منصة صيرفة"..

مع بداية عام 2023  أصبح من الواضح تأقلم الاقتصاد مع الدولرة المرتفعة وانعدام العدالة الاجتماعية بعد الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي في بلد يستورد قرابة 80٪ حيث انقسم المجتمع الى ثلاثة فئات:

فئة تنخفض قوتها الشرائية كل يوم لأن دخلها حصري بالليرة اللبنانية. هؤلاء هم في الأساس موظفون في القطاع العام، يسحبون الآن رواتبهم بالدولار الأمريكي عبر منصة "صيرفة" الي تم إنشاؤها لهذا الغرض مما يسمح بالتحويل التلقائي لرواتبهم إلى الدولار الأمريكي بسعر صرف أقل من سعر السوق ، ولكن التي يكون قيمتها بالدولار الأمريكي أقل بكثير مما كانت عليه قبل تشرين الأول 2019.

فئة يتم الحفاظ على قوتها الشرائية إلى حد ما نظرًا لأن أقله جزءًا من مدخلها بالعملة الأجنبية

• فئة تزداد قوتها الشرائية لأن كل دخلها بالعملات الأجنبية (معدل التضخم لا يزال أقل من معدّلأ تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية).

يبقى القول أن الحكم استمرارية والأزمات المتراكمة لها أسباب وتداعيات وأحيانا كثيرة نتائج يصعب الخروج منها (كما هي الحال تحديدا بالدولرة منذ الثمانينات). اليوم وبغياب الاصلاح المالي، تأقلم  السوق نقديا على دولرة شبه شاملة غير رسمية لتسيير القطاعات.. لكن التأقلم لا يغني عن ضرورة معالجة جوهر الأزمة والعناية بالفروقات الاجتماعية التي ولّدتها وتفادي تكرارها...

___________________________

حاكمية المصرف المركزي: مواصفات ورؤيا قبل الأسماء... أي سياسة نقدية للمرشحين؟ Tuesday, 09-May-2023

 حاكمية المصرف المركزي: مواصفات ورؤيا قبل الأسماء... أي سياسة نقدية للمرشحين؟

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/682852/%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A7-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AD%D9%8A%D9%86?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

Tuesday, 09-May-2023  د. سهام رزق الله

حاكمية المصرف المركزي: موصفات ورؤيا قبل الأسماء...

أي سياسة نقدية للمرشحين؟

 

د. سهام رزق الله (بروفسورة في كلية العلوم الإقتصادية – جامعة القديس يوسف)

تبيّن الأدبيات الإقتصادية مواصفات محددة لحاكمية المصارف المركزية التي تصب في إطار صاحب الاختصاص والرؤيا الواضحة للسياسة النقدية (وليس فقط النظرة القانونية والمالية والادارية...) والتي تحتّم التعمّق بها وبدوره من خلالها قبل أي بحث بالأسماء... علما أنه في مفاصل مصيرية في مسار البلدان الصغيرة، مثل لبنان، وعند حصول تسويات تاريخية كبرى كمثل التي حصلت لحظة الخروج من الحرب اللبنانية وبدء إعادة الإعمار قد تطغى على قيادة المشروع الاقتصادي شخصية إستثنائية مواكبة دوليا، مثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لإحداث التغيير الكبير في النقد ونظام سعر الصرف.. أما بغياب هكذا حالة وبعد سقوط مدوي للاستقرار النقدي وهروب متمادي من العملة الوطنية باتجاه دولرة تلامس 90% من الإقتصاد، فلا بد من التركيز على مواصفات حاكمية المصرف المركزي والسياسة النقدية المطلوبة والمغطاة دوليا قبل البحث بأسماء من سيتولّاها...

*********************************

تتصدّر مواصفات حاكمية المصارف المركزية في الأدبيات الاقتصادية وحصيلة الدراسات التطبيقية ما يُعرَف ب"عقد روغوف" Contrat de Rogoff الذي يحدد شخصية "الحاكم المحافظ" للمصرف المركزي مشددا على أن يكون لديه الأولوية لاستقرار قيمة العملة والقدرة الشرائية بمواجهة خطر التضخّم وذلك بدرجة أعلى مما يتوقّعه متوسّط العملاء الاقتصاديين.. وذلك يكون بشكل أساسي من خلال التمكّن من الدفاع عن استقلالية السياسة النقدية لاسيما إزاء ضغوط السلطات السياسية لتمويل العجوزات المالية العامة وانغماس الجهاز المصرفي في تمويل الدين العام وطباعة النقد و"سياسات الدعم" وشراء الوقت عبر سايسات نقدية غير تقليدية (مثل الهندسات المالية وغيرها...) خاصة قبيل الفترات الانتخابية لإرضاء الجمهور ظرفيا وتدفيعه ثمن التضخّم وانهيار سعر العملة على المدى البعيد...

هل من د. إدمون نعيم اليوم يتمترس بمواد استقلالية المصرف المركزي في قانون النقد والتسليف ويرفض الانصياع حتى لمنطق القوة وكافة انواع الضغوط في عز فترة الحرب والفلتان الأمني رفضا لطباعة متواصلة للعملة ورفضا للمس باحتياطي الذهب وودائع الناس ورفضا لطباعة عملتين أثناء بيروت الى عاصمتين؟! أصدرت السلطة السياسية أمرا بإحضاره بالقوة ، وسحبه من قدميه من مكتبه في الطابق السادس إلى الطابق الارضي ، لكنه تمكن من الإفلات بمساعدة "حسين" الحارس الأمين لمصرف لبلن آنذاك؟ هل من حاكم مثيل للدكتور نعيم يدخل مصرف لبنان حاملا كتبه ويخرج منه لا يملك سوى مكتبته؟

هل من "حاكم ذهبي" اليوم مثل الياس سركيس متنزّه ورؤيوي الذي عمد منذ لحظة وصوله الى حاكمية مصرف لبنان في العام 1967 الى انطلاق رحلة شراء احتياطي الذهب وتخزينه، واشترى خمسة ملايين أونصة لحساب الخزانة حين كان حاكماً لمصرف لبنان؟!!

هل من حاكم يلتزم بالمادة 13 التي تنص على أن "المصرف" شخص معنوي من القانون العام ويتمتع بالاستقلال المالي؟ ويجرأ على الدفاع عن المادة 91 التي تشدّد على أنه في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، اذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علما بذلك. يدرس المصرف مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل اخرى، كاصدار قرض داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدةوفقط في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد أي حل اخر, واذا ما اصرت الحكومة ، على طلبها، يمكن المصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب.

وأساسا هل من رئيس اليوم مثل الرئيس فؤاد شهاب الذي أنشأ مصرف لبنان ودشّن بناءه ووضع قانون النقد والتسليف؟! فضلا عن قوانين التعليم العالي والضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وغيرها...

حاكم صرف لبنان

المدة

فيليب تقلا

1963-1967

الياس سركيس

1968-1976

(بالإنابة جوزيف أوغورليان)  

1976-1978

ميشال الخوري

1978-1985

د. إدمون نعيم

1985-1991

ميشال الخوري

1991-1993

رياض سلامة

1993-...

؟

؟ - ؟

 

بالاستناد الى الأدبيات يؤكد بينسي-كوير وبيزاني-فيري [Benassy – Quere et Pisani- Ferry] من خلال دراسة تطبيقية تراجع مؤشرات استقلالية البنك المركزي على التوازن الأساسي على وجود تأثير إيجابي لاستقلال البنك المركزي على الانزلاقات في الموازنة العامة، وكلما كان البنك المركزي أكثر استقلالية، زاد الانضباط المالية العامة.

ويوضح سارجنت ووالاس [ٍ Sargent et Wallace] أن استقلال البنك المركزي يعني التخلي عن تسييل الدين العام وبالتالي يحظر اتباع سياسة غير مستدامة تؤدي في النهاية إلى الاختيار بين تسييل الدين والتخلف عن السداد. وفقًا لروغوف [ٌRogoff] ، فإن الأمر يتعلق بتعيين حاكم محافظ على رأس البنك المركزي ، وبالتالي يكون لديه حساسية عالية للتضخم ، أكثر بكثير من المتوسط ​​بالنسبة للمجتمع ، في حين أن الاقتصادي "والش"  Walsh] يثبت بدراسته أنه سيكون من الضروري طرح عقد تحفيزي يربط راتب حاكم البنك المركزي بتحقيق هدف سياسته النقدية!

ومن أبرز المؤشرات العلمية التي تخص حاكمية المصرف المركزي والتي تعتبر أساسية ليتمسّك بإستقلالية السياسة النقدية هو من ناحية شخصية الحاكم المتنزّه عن المصالح الشخصية والحامل مشروع نقدي واضح ورؤيا لنظام سعر الصرف مصوّبة نحو المصلحة العامة للإقتصاد والمجتمع بعيدا عن إسترضاء السلطات السياسية وتمويل العجوزات المالية والدين العام بغية إعادة تجديد لولايته.. ومن ناحية موازية المساعدة على تحقيق ذلك من خلال إدؤاج مواد قانونية تمنع التجديد لولايات متتالية أو مثلا تمنع التجديد لأكثر من مرة واحدة إذا اضطر الأمر. كما تؤكد الأدبيات الأاقتصادية على أهمية إطالة ولاية الحاكم أكثر من معدّل عمر الحكومات أو مؤسسات السلطة السياسية والحرص على عدم تزامنها لتفادي كليا التأير بينها... 

أما في لبنان، يُعيًن الحاكم لست سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية.  ويعين نائبو الحاكم لخمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية واستشارة الحاكم. كما أن المادة 113 تنص على أنه يتألف الربح الصافي من فائض الواردات على النفقات العامة والاعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات. يقيد 50% من هذا الربح الصافي في حساب المصرف المركزي يدعى "الاحتياط العام" ويدفع 50% الى الخزينة. عندما يبلغ الاحتياط العام نصف رأسمال المصرف يوزع الربح الصافي بنسبة 20 % للاحتياط العام و80 % للخزينة.

منذ سنوات لعب مصرف لبنان دور محرّك الوساطة بين القطاع المصرفي والدولة فانغمست المصارف في توظيف الودائع لديها بين شراء سندات الدولة وشهادات ايداع المصرف المركزي مقابل فروقات خيالية بمعدلات الفوائد في محاولة تأخير انفجار الأزمة في غياب أي رؤيا اقتصادية فعلية والالتزام بتنفيذ أي من الاصلاحات التي تعهّد بها لبنان مراراً، خصوصاً في المؤتمرات الدولية المانحة للبنان الى ان أصبح المصرف المركزي منذ انفجار الأزمة شبه اللاعب الوحيد في غياب أي سياسة إقتصادية واضحة للتعامل معها، حتى أنه منذ إعلان وقف سداد الدين في آذار 2020 لم يتم اتخاذ أي إجراء رسمي لضبط وتخفيف انحدار الاقتصاد قبل البحث في إعادة نهوضه… فأصبحت السلطة النقدية مصدر القرارات الوحيد عبر سلسلة التعاميم.

قد جهدت السياسات الحديثة غير التقليدية في تثبيت إمكانية تحقيق صدقية المصرف المركزي من خلال سياسة المعايير الإسترشادية القائمة على إعطاء الجمهور علماً مسبقاً بمخططات السلطة النقدية لجهة تنامي Forward Guidance الكتلة النقدية ومستوى الفوائد واتجاه سعر الصرف بما يساعد العملاء الاقتصاديين على صوغ توقعاتهم بنحو صحيح، خلافاً لأسلوب المفاجأة والكتمان الذي كانت بعض المصارف المركزية تعتمده لإحداث فورة اقتصادية فجائية ولو بكلفة تضخّم باهظة مستقبلاً...

وقد استدعت دقة الأوضاع المالية سابقا التدخّل المستمر للمصرف المركزي لتمويل القطاع العام حتى أصبح أبرز المكتتبين في سندات الخزينة والتي دفعته مراراً للمشاركة في عمليات «السواب» والهندسات المالية مع المصارف التجارية، ما يعكس الشكل الثاني من السياسات النقدية غير التقليدية المعروفة بسياسات التليين النقدي الكمّي Quantitative Easing القائمة على ضخ السيولة لشراء السندات المالية من القطاعين العام والخاص والتليين النقدي النوعي، فضلاً عن الشكل الثالث للسياسات النقدية غير التقليدية القائمة على الشراء الكثيف للسندات على رغم ارتفاع درجة مخاطرها Qualitative Easing.

إلا أن السياسات الحديثة غير التقليدية واجهت عوائق عدة حدّت من فعاليتها ولا سيما من حيث انعكاساتها على المالية العامة وعدم تحفيز الدولة على ترشيد الانفاق العام وضبط الدين العام، خصوصا مع خفض الفوائد ومنها طبعاً على سندات الخزينة ما يسمح للدولة بالتراخي في ضبط المديونية طالما أنها غير مكلفة لناحية خدمة الدين العام، خصوصا بالعملات الأجنبية التي لا يطبعها المصرف المركزي بل يلجأ الى جذبها من المصارف عبر توظيف ودائع الناس لديها في شهادات الايداع بالدولار الأميركي كما حصل في لبنان، علماً أن قراءة استقلالية المصرف المركزي تتطلب النظر الى مستويين: المستوى النظري في النصوص القانونية كما على مستوى الممارسة الفعلية.

وإذا كان خيار العملاء الاقتصاديين في مرحلة ما هو «استيراد الصدقية النقدية» باللجوء إلى الدولرة، وكان اختيار مصرف لبنان هو السعي لتحقيق الاستقرار النقدي وفقا للنهج التقليدي النقدي من خلال التحكّم بالتضخم بالارتكاز على سياسة نقدية مقيّدة، قبل التحرك تدريجاً بنحو موازٍ لربط سعر الصرف في ظلّ معدلات دولرة آخذة في الارتفاع، بحثاً عن ضمان القدرة الشرائية للمدخرات وتسهيلاً للتسعير والتداول للمنتجات.. فالدولرة الجزئية لا بد من أن تقود الى خيار ثابت على المدى الطويل: إما الدولرة الشاملة أو الاستقرار النقدي الفعلي الذي يعيد الثقة بالعملة الوطنية على أساس صدقية السلطة النقدية والاستقلالية الفعلية للمصرف المركزي وخياراته في الحفاظ على القدرة الشرائية للمدّخرات…

اليوم قبل التجاذب بالأسماء بين المرشّحين لمنصب حاكمية مصرف لبنان والأطراف السياسية التي ينتمون إليها أو التي تطرح أسماءهم أو تؤيّدهم، السؤال الرئيسي: ما هي خلفيتهم الإقتصادية والسياسة النقدية التي يطرحونها؟ ما هو موقفهم من مبدأ إستقلالية المصرف المركزي وآاليات ومدى الدفاع عنها إزاء ضغوط تمويل المالية العامة على ضوء التجارب السابقة؟ وما هو نظام سعر الصرف الجديد الذي يحملونها كبديل عن نظام الربط المرن لسعر الصرف الذي سقط منذ نهاية 2019 ولم يتم إطلاق نقاش رسمي حتى اليوم عن كل من تكاليف ونتائج البدائل الممكنة لها حتى اتجه السوق نحو الدولرة الشاملة ولو بشكل غير رسمي بغياب أي قرار بهذا الأتجاه أو أي اتجاه آخر؟

------------------------------------------

ما من عصا سحرية لمصرف لبنان.. حتى بالدولرة الإصلاح المالي شرط للاستقرار النقدي!...Thursday, 20-Apr-2023

 ما من عصا سحرية لمصرف لبنان.. حتى بالدولرة الإصلاح المالي شرط للاستقرار النقدي!...

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/681642/%D9%85%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D8%B5%D8%A7-%D8%B3%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%B4%D8%B1%D8%B7-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

Thursday, 20-Apr-2023 د. سهام رزق الله

ما من عصا سحرية لمصرف لبنان.. حتى بالدولرة

الاصلاح المالي شرط للاستقرار النقدي!...

د. سهام رزق الله (بروفسورة في كلية العلوم الاقتصادية لجامعة القديس يوسف)

 

منذ بدأ التنامول العلمي للمسألة النقدية في لبنان عبر فتحنا النقاش حول أنظمة سعر الصرف الملائمة للاقتصاديات المصنفة جدا مدولرة والتي لها خصوصياتها في اعتماد السياسات والأدوات النقدية الفعالة  حتى سارع كثيرون لطرح السؤال عما إذا كان النظام الصارم المتمثّل بمجلس النقد أو الدولرة الشاملة الرسمية كافيا لمعالجة الزمة الحالية؟ وحول إمكانية تطبيقه؟ وشروط نجاحه؟ طبعا وسط أزمة متعدّدة الأزجه مالية – نقدية – مصرفية وفي ظل ازدواجية العجز في المالية العامة والحساب الخارجي الجاري، لاتوجد عصا سحرية للمصرف المركزي وحده! حتى الاقرار بسقوط نظام الربط المرن واستحالة تحرير سعر صرف العملة في ظل مستوى دولرة جزئية يفوق ال80% والاعتراف بضرورة ضبط طباعة العملة المحلية عبر نظام مجلس نقد وإلا تأطير الدولرة الشاملة رسميا لا يكفي لاسعادة الدورة الاقتصادية انتظامها ما لم يترافق ذلك مع تصحيح مكامن الخلل الأساسية التي ألقت بثقلها على الوضع النقدي وهي عجوزات المالية العامة التي تحتّم إجراء الاصلاحات الجزرية في القطاع العام والموازنات وقطع الحسابات.. وطبعا إعادة ميزان المدفوعات الى مسار الفوائض التي كان يسجّلهات قبل 2011 أي ضبط مزاريب هروب الدولار واعادة إحياء مصادر إستقطابه...

**********************************

تعتبر الدولرة الجزئية كما هي الحال في لبنان منذ الأزمة النقدية في الثمانينات، مرتبطة من ناحية بعمليات التضخم المفرط الناتج عن طباعة النقد تلبية للحاجات التمويلية لا سيما للقطاع العام في ظل ضعف سائر مصادر التمويل، ومن ناحية أخرى نتيجة التضخم «المستورد» بفعل تدهور سعر الصرف واعتماد الاستهلاك بشكل أساسي على البضائع المستوردة، علماً أنّ الدولرة الجزئية التي تكون في الوقت نفسه مرتفعة وتوقد الى "إزدزاجية العلة" (استخدام مشترك للدولار الأميركي والليرة اللبنانية في نفس الوقت مع طغيان الأول بتفوّق في الأسوق) ولا تشكّل سوى خيارا مرحليا.. وبذلك، تكون الدولرة الجزئية وسيلة لتجنّب عيوب عدم استقرار العملة الوطنية في فترة معينة، وملجأ وسيطاً بانتظار حل جزري: إما استعادة الثقة بالعملة الوطنية ومصداقية سياسة المصرف المركزي وقدرة على تأمين الاستقرار النقدي، التي يجب أن تؤدي تلقائياً الى التحرّر التدريجي من الدولرة والعودة التدريجية للعملة الوطنية، وإما أن تؤدي إلى تعميم دولرة شاملة في حالة صعوبة استعادة الثقة في العملة الوطنية والاستقرار النقدي المنشود، من خلال سياسة الاستقرار التي تتلاءم مع خصوصيات الاقتصاد الوطني.

منذ أزمة الثمانينات في لبنان، شكّل معدّل الدولرة المرتفع تقييدًا أيضًا للمصرف المركزي وسياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والتي كانت مكلفة للاقتصاد، من دون ضمان الاستقرار الفعلي. والبرهان على ذلك، عدم انخفاض  مستوى الدولرة عن حدود 67% في أفضل الأحوال التي مر بها لبنان حتى في ظل ال 22 عامًا من تثبيت سعر الصرف، فيما كان يمكن الانتقال التدريجي إلى نظام أكثر مرونة ومتماه مع مؤشرات ميزان المدفوعات، وطبعًا بأقل كلفة من العجز الفجائي عن التدخّل وترك الساحة للسوق الموازي، لاسيما منذ بدء تسجيل تراكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ العام 2011..

من المعروف في الأدبيات العلمية كما في تجارب البلدان أن نظام الربط الصارم لا ينصح لمجرد حدوث أزمة نق في بلد معيّن إنما يكون لبلدان تشهد أزمة ثقة مزمنة بعملتها وبكل السلطة السياسية والمالية والنقدية يتزامن ذلك مع أزمات سياسية وجيوسياسية وأحيانا أزمة هوية ودولرة جزئية مرتفعة وضعق في الاقتصاد وتركّزه على الحدمات أكثر منه الانتاج وامكانيات التصدير... والدولرة الشاملة غير الارسمية تكون عادة مرتبطة بفترات صراع وأزمات تعرّض السيادة للخطر ، كما حدث في تيمور الشرقية وكوسوفو قبل عام 2000. فيما تظهر التجارب الدولية أن الدولرة الشاملة الرسمية تكون أكثر نجاحا وغالبا ما تتبع فترة الدولرة غير الرسمية التي تفرض نفسها كأمر واقع تتقبّله وتنظّمه السلطات الرسمية، كما حدث في إكوادور في عام 2000. ويمكن إدخالها مباشرة مع ظهور كيان سياسي جديد (الجبل الأسود وكوسوفو في عام 2002).

فالدولرة الشاملة تتميز بطابعها النهائي (غير القابل تقريبًا للرجوع عنه). واذا كانت تنبع المزايا الرئيسية للدولرة من صدقيتها في الدولرة الكاملة، مرادفة بالنسبة للدولة لخسارة أرباح طباعة العملة الوطنية seigneuriage (الناتج بشكل أساسي من الفرق بين تكلفة إنتاج العملات المعدنية والورقية وقوتها الشرائية، وهي عملياً، إذا تجاهلنا الحدّ الأدنى من تكلفة طباعة الأوراق النقدية والصناعة المعدنية، تصبح تساوي الزيادة في حجم العملة الوطنية المتداولة). فضلاً عن كون الدولرة الكاملة تلغي دور المصرف المركزي الوطني كملاذ أخير للإقراض المصرفي.. وبالتالي تجعل البلد المعني بالدولرة الشاملة والرسمية يخسر «السيادة النقدية» المتمثّلة بالعملة الوطنية، وهي الى جانب العلم، تمثّل رمز استقلال وسيادة الوطن، وهنا يصبح للموضوع أبعاداً أوسع من الناحية النقدية البحتة.

من بين مزايا الدولرة الكاملة ، نستشهد أيضًا باستحالة استمرار القادة في اتباع سياسات مالية توسعية تؤدي إلى حدوث تضخم. من خلال التخلي عن امتياز طبع النقود ، لم يعد بإمكان الدولة اللجوء إلى طباعة النقود لتمويل عجزها. فهي ملزمة بخفض الإنفاق العام أو زيادة الإيرادات (أو اختيار مزيج من الاثنين) ، أو حتى تفعيل برنامج الخصخصة أو أقله مشاركة القطاع العام والقطاع الخاص في إدارة المرافق والخدمات التي لا تزال عامة كليا. على أي حال ، يخاطر القادة بتقلص الطلب المحلي وحرمان أنفسهم من حرية التدخل في الاقتصاد.

هل بإمكان السلطات العامة الالتزام بالإصلاح المالي المطلوب وضبط المالية العامة؟ الحؤول دون العجز المالي وتزايد الدين العام لعدم الاضطرار الى اللجوء مجددا الى حاجة طباعة العملة خاصة أن مجلس النقد او الدولرة الشاملة يمنعان ذلك؟؟ هل بالإمكان قبول تحدي القيام بإصلاح القطاع العام باتجاه تخفيض جزري لحجمه الهائل والمصاريف الجارية التي يتسبّب بها لا سيما منها الرواتب والأجور.. هل السلطة السياسة تلتزم بتحدي ضبط التهرّب الضريبي والتهريب عبر الحدود؟ هل النية والامكانية موجودة لإعادة إنتظام الموازنات وقطوعات الحسابات؟

لوحظ أن الإنفاق العام تميز خلال سنوات الحرب بالفوضى وانعدام السيطرة المركزية. خلال هذه الفترة ، لم تكن الدولة تعرف بشكل دقيق لا مقدار نفقاتها ولا ناتج إيصالاتها ، ولهذا توقفت عن إغلاق حسابات الموازنة من 1979 إلى 1993.

توقف نشر حسابات الموازنة على النحو الذي أقره الدستور وقانون الحسابات العامة استمر من 1979 حتى 1993. إذا اضطرت الدولة إلى اللجوء إلى الديون الخارجية والداخلية لتمويل تطوير المشاريع التي توقف تنفيذها على مجرى الأحداث.

وأدت خاتمة فترة الحرب في عامي 1989 و 1990 إلى تفاقم وضع المالية العامة بشكل حاد. أدى انخفاض الإيرادات الضريبية إلى اعتماد الخزينة العامة ، بالإضافة إلى الديون ، على أرباح مصرف لبنان التي يتم تحويلها إليه بموجب قانون النقد والتسليف. بلغت حصة أرباح مصرف لبنان في تمويل الخزينة حوالي 62٪ من إيرادات الموازنة في عام 1989 و 38.5٪ من إيرادات الموازنة في عام 1990.ويبقى القول أنه في نهاية العام 1992 كان مجموع الدين العام الثابت المتوجب على الخزينة اللبنانية يعادل نحو 3 مليارات دولار أميركي منه 327.5 مليون دولار أميركي والباقي بالليرة اللبنانية.

وباحتساب كلفة خدمة هذا الدين العام على أساس معدلات الفائدة السنوية المعتمدة لدى مصرف لبنان على مدى السنوات 1992 -2011 والمدفوعة من الخزينة اللبنانية، فإنّ تلك المبالغ المتوجبة في نهاية العام 1992 وبعد إضافة الفائدة المتجمعة على مدى كل سنة بين عامي 1992 و 2011 بلغت 30 ألف مليار ليرة لبنانية. كذلك ارتفع الدين بالدولار الأميركي بفعل تراكم الفوائد على رصيد الدين العام، فيما كان قطاع الكهرباء يراكم سلفات بالدولار الأميركي وفوائد عليها واستمرت الكهرباء بتسجيل عجز مالي سنوي بحوالي 2 مليار دولار وتتراكم عليها الفوائد ...

وما لحق أن انتظم عمل المالية العامة منذ عام2003 حتى عام 2005 حتى عاد وتوقّف إقرار الموازنات من عام 2005 حتى عام2017 وتماستعادته بعدها بغياب نشر قطوعات الحسابات التي تعكس الأرقام الفعلية...

وبذلك يتبيّن تخطّي السلطات العامة لقانون النقد والتسليف والالتفاف على المادة 13 من التي تقرّ باستقلالية المصرف المركزي المالية ثم المواد 91 و 92 التي تؤكد على إمكانية تمسّك المصرف المركزي بتفادي التمويل المباشر لعجوزات المالية العامة حتى "في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، اذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علما بذلك.

يدرس المصرف مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل اخرى، كاصدار قرض داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدة الخ

وفقط في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد أي حل اخر, واذا ما اصرت الحكومة، مع ذلك، على طلبها، يمكن المصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب.

حينئذ يقترح المصرف على الحكومة، ان لزم الامر، التدابير التي من شأنها الحد مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحد من تأثيره, في الوضع الذي اعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية.

كذلك لا بد من التذكير بالمادة 113 لقانون النقد والتسليف التي تنصّ على لأنه يتألف الربح الصافي لمصرف لبنان من فائض الواردات على النفقات العامة والاعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات.

يقيد 50% من هذا الربح الصافي في حساب المصرف المركزي يدعى "الاحتياط العام" ويدفع 50% الى الخزينة. عندما يبلغ الاحتياط العام نصف رأسمال المصرف يوزع الربح الصافي بنسبة 20 % للاحتياط العام و80 % للخزينة.

واذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزا، تغطى الخسارة من الاحتياط العام وعند عدم وجود هذا الاحتياط او عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة (وهو ما تمّ تجاهله كليا من قبل السلطات المعنية عند الحديث عن "فجوة مصرف لبنان" دون تحمّل أي مسؤولية بتغطيتها).

 

واذا اصبح رصيد حساب "الاحتياط العام" من جراء اقتطاع مبلغ بموجب الفقرة السبقة، اقل من نصف الرأسمال يجري توزيع الربح الصافي مجددا بنسبة 50% لهذا الحساب و50%  للخزينة، الى ان يبلغ الحساب مجددا نصف الرأسمال.

 

تدور الاعتراضات التي تمت صياغتها ضد الدولرة الشاملة حول خمسة أنواع من الحجج: فقدان استقلالية السياسة النقدية، والتخلي عن سياسة سعر الصرف ، واختفاء المقرض الملاذ الأخير ، والحد من الأدوات المضادة للتقلبات الاقتصادية الدورية.

وسط انهيار بهذا الشكل وتقلّص الاحتياطات بالدولار الى حدود 9 مليارات دولار ونصف، أي ما يغطي حتى ستة أشهر استيراد فقط، يجعل من الصعب ايجاد حلول مثالية. أي مخرج سيكون له فوائده وتكاليفه ولكن لا يمكن الاكتفاء  بالشق النقدي لمصرف لبنان كلاعب وحيد بل  يحتاج لإصلاحات مواكبة.

___________

من أين الدولارات للدولرة الشاملة في لبنان؟ المشروع بدأ منذ الثمانينات! Wednesday, 29-Mar-2023

 

من أين الدولارات للدولرة الشاملة في لبنان؟ المشروع بدأ منذ الثمانينات!


Wednesday, 29-Mar-2023  د. سهام رزق الله

من أين الدولارات للدولرة الشاملة في لبنان؟

المشروع بدأ منذ الثمانينات!

 

د. سهام رزق الله (بروفسورة في كلية العلوم الإقتصادية – جامعة القديس يوسف)

 

منذ انكشاف حجم الانهيار المالي-النقدي-المصرفي أواخر عام 2019 بعد تراكم احتقان متمادي منذ انقلاب المؤشرات الاقتصادية لاسيما منها ميزان المدفوعات عام 2011، حتى أصبحت فجأة الاشكاليات الاقتصادية، ولاسيما النقدية، مادة سجال واسع النطاق وتجاذب إعلامي ونقاش مفتوح بينما جوهر البحث يحتاج حد أدنى من مرتكزات علمية دقيقة، لا يمكن فلشها بشكل شعبوي مهما حاولنا تبسيطها. اليوم وبعد سقوط نظام سعر الصرف المرن في لبنان واستحالة اعتماد نظام سعر صرف عائم في ظل معدّل دولرة جزئية جدا جدا مرتفع، الاتجاه الواقعي هو نحو نظام الربط الصارم لسعر الصرف المتمثّل بالدولرة الشاملة الرسمية أو رديفها "مجلس النقد" استنادا الى جميع النظريا العلمية النقدية المعروفة في كل الأدبيات الاقتصادية والتجارب الدولية المماثلة.. السؤال المركزي لم يعد إذا كان يمكن الذهاب نحو هذا الخيار أو غيره. إنما كيف وبأي شروط وآلية يمكن تسهيل عملية الانتقال وضمان استدامتها؟ طبعا الآلية التطبيقية العلمية لها أسسها وأركانها التي تحتاج تخصّص معروف إنما من حق الرأي العام الاجابة على السؤال البديهي الذي يرفعه الجميع: من أين الدولارات للدولرة الشاملة؟

****************************

قبل حرب 1975-1990 في لبنان ، في نهاية عام 1974 ، لم تكن تتجاوز الودائع بالعملات الأجنبية (823 مليون دولار أمريكي) 18٪ من إجمالي الكتلة النقدية في البلاد وكانت أقل بكثير من الأصول الخارجية للعملات الأجنبية للنظام المصرفي ( 2.11 مليار دولار). وهذا يعني أن معظم العملات الأجنبية التي كانت تدخل لبنان كانت تحولت إلى ليرة لبنانية، مما أدى إلى ارتفاع قيمة العملة الوطنية.

في الصورة: تطوّر النسبة المئوية لدولرة الودائع في لبنان لفترة 1980 - 2022

منذ اندلاع الحرب عام 1975 ، تراجعت التحويلات من الدولار الأمريكي إلى الليرة اللبنانية تدريجيًا وانعكست في النهاية مع اندلاع عملية الدولرة الجزئية غير الرسمية الناتجة عن الاختيار الحر للقطاع الخاص في أعقاب التدهور الحاد في شراء الطاقة للعملة الوطنية . خلال الأزمة النقدية في الثمانينيات ، لا سيما مع التضخم الجامح في عام 1987 الذي تلاه انخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي ، والذي بلغ ذروته في عام 1992. وجاءت الزيادة في الودائع بالعملات بعد ارتفاع فائض ميزان المدفوعات تقريبًا. ، في نهاية عام 1992 ، 63٪ من إجمالي المعروض النقدي. خلال هذه الفترة ، بدأ الدولار الأمريكي يحتل مكان الليرة اللبنانية بوظائفها الثلاث: وحدة التسعير والحساب ، وسيط التداول والدفع في التبادل التجاري، والادخار. ارتفع سعر الصرف ، الذي كان قبل الحرب 3 ليرة لبنانية / دولار أمريكي ، إلى أكثر من 2850 ليرة لبنانية / دولار أمريكي في نهاية عام 1992.

منذ عام 1993 ، تخلى لبنان عن نظام سعر الصرف العائم ليتبنى نظام ربط انزلاقي من 1993 إلى 1997 يسمح بتخفيض سعر الصرف تدريجيًا حتى تطبيق نظام الربط المرن لعملة واحدة يربط الليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي بسعر الصرف بهامش 1501-1514 ومعدّل متوسط ​​1507.5 منذ عام 1997.

في الوقت نفسه ، منذ عام 1993 ، بدأت تتنامى الفجوة النمو الودائع بالعملات الأجنبية والأصول الخارجية للنظام المصرفي وأخذت تتسع تدريجياً. في محاولة لاستعادة الثقة في الليرة اللبنانية ، انتهج مصرف لبنان سياسة ترسيخ قيمته ، ولكن كان لها تأثير سلبي يتمثل في تعميم استخدام الدولار في المدفوعات الداخلية، خاصة بعد إنشاء غرفة المقاصة للشيكات بالدولار الأميركي بدءا من عام 1994. وبعدها تطوّرت الدولرة باتجاه أجهزة الصراف الآلي التي أخذت تمتلئ بالدولار الأميركي خلافا لما هي حال جميع البلدان التي لا تملأ اجهزة الصراف الآلي سوى بالعملة الوطنية التي يمكن للمصرف المركزي للبلاد طباعتها خشية من تعميم التداول الورقي بالعملة الأجنبية واستخدامها لتبييض الأموال والمضاربة على العملة الوطنية في السوق السوداء.... ثم تضمن عملة العملة الوظيفة الثالثة لأي عملة وهي أن تكون أداة صرف. وقد تم تأكيد هذا الاتجاه مع تثبيت سعر الصرف عند 1507.5 ليرة لبنانية من نهاية عام 1997. وبالتالي ، فإن المدفوعات بالدولار لا تتم فقط عن طريق بطاقات الدفع أو الشيكات المسحوبة على الودائع ، ولكن أيضًا عن طريق الأوراق النقدية. بالإضافة إلى السماح بعمليات التحويل التلقائي من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأمريكي ، أدى استخدام العملة كأداة دفع إلى تطوير منح قروض مصرفية للقطاع الخاص بالدولار الأمريكي للسوق الداخلية ومنحها حتى لمن مدخولهم بالليرة اللبنانية بما في ذلك من مخاطر تقلّب سعر الصرف وعدم إمكانية السداد كما حصل بعد 2019 حتى تم السماح لهم بالتسديد بالليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف الرسمي ، وهذه خيارات تؤدي في جميع مصادرها الى خلق المزيد من النقد عن طريق "مضاعف الائتمان" .. حيث يتبيّن صوريا أن الودائع تتزايد بالدولار وهي معظم مجرّد تحويل ودائع من الليرة الى الدولار دون غطاء دخول دولار فعلي وتحديدا من تزاكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ عام 2011.  وكذلك عمدت الدولة اللبنانية الى دولرة متنامية للدين العام بما في ذلك من مخاطر صعوبة التسديد وتوّجهتها من خلال "الهندسات المالية" التي كان من أهدافها تخفيض وهمي لخدمة الدين العام لأان الفوائد على الأوروبوند أقل من الفوائد على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية (بفعل فرق عامل المخاطرة بين العملتين) فضلا عن محاولة تسويق الأوروبوند في الأسواق المالية الدولية (الأمر غير الممكن بالنسبة لسندات الخزينة بالليرة اللبنانية).

تم الحفاظ على هذا الوضع طالما كان ميزان المدفوعات فائضًا ، أي حتى عام 2011 الذي بدأ منه ميزان المدفوعات في تسجيل تراكم للعجز (باستثناء عامي 2016 و 2017 بسبب "الممولين الهندسيين" الذي جعل من الممكن جذب رأس المال بالدولار الأمريكي من الخارج لاستثمارها في سندات اليورو وشهادات الإيداع بالدولار الأمريكي لدى مصرف لبنان). منذ عام 2011 ، اتسعت الفجوة بطريقة بارزة مثل "تأثير القمع" بين الودائع بالدولار الأمريكي التي كانت تتزايد بوتيرة متسارعة والأصول الخارجية للنظام المصرفي التي بدأت في الانخفاض ، مما قلل تدريجيًا من القدرة على تلبية جميع الطلبات سحب ودائع العملاء بالعملة الأجنبية في عام 2019 ، مما سلط الضوء على انهيار نظام 2019 ، مع العلم أن مصرف لبنان لا يستطيع طباعة الدولارات لتزويد المصارف واحتياطياته من العملات الأجنبية بدأت في النضوب (بسبب التدخل المستمر على العملات الأجنبية). سوق الصرف للحفاظ على تثبيت سعر الصرف ، ومشاركته في تمويل الدولة سواء عن طريق السندات الأوروبوند أو التمويل المستمر لشراء الوقود للكهرباء أو لضمان الدولارات للواردات المختلفة بسعر الصرف الرسمي فضلا عن سياسة الدعم ومن ثمة منصة صيرفة"..

باختصار كل الأمكنة التي تم فيها توظيف الودائع بالدولار الأميركي (الدولة والمصرف المركزي والقطاع الخاص) تخلّفت عن إعادتها بالدولار الفعلي النقدي الى المصارف، فهي إما أعلنت العجز عن السداد (الدولرة) أو سددتها بالليرة اللبنانية أو بشكل تدريجي أقل من قيمتها وفق سعر السوق..

بعد تجاوز عتبة 80٪ من الدولرة الجزئية في لبنان ، لم يعد المقدار الضروري من احتياطيات العملات الأجنبية مرتفعًا للتحول المحتمل إلى نظام الربط الصارم عبر الدولرة الشاملة، لأنه يحتاج فقط تغطية القاعدة النقدية بالدولار الأميركي (وليس كل الكتلة النقدية): أي النقد المتداول خارج النظام المصرفي بالإضافة إلى الاحتياطيات الإلزامية بشكل أساسي على الجزء من الودائع التي سيتم سدادها "بالدولار الأمريكي الجديد" بالإضافة إلى الحد الأدنى من الودائع التي سيتم تحويلها إلى الليرة اللبنانية (لأنه سيتعين تقسيمها على سعر السوق بعد شهر من التعويم الحر لتحويلها مرة أخرى إلى "دولارات جديدة"). ليس من الضروري تكوين احتياطيات إلزامية على جزء من الودائع التي سيتم تحويلها إلى أسهم وسندات. إذا اعتبرما مثلا أن مجموع الأوراق النقدية المتداولة هي 75 تريليون ليرة لبنانية أو بسعر صرف 100.000 كاليفورنيا يتطلب: 0.75 مليون دولار أمريكي)التغطية اللازمة للودائع بالدولار الأمريكي حتى 100،000 دولار أمريكي وفقًا لخطة الحكومة اللبنانية: 19 مليار دولار أمريكي والتي تتطلب احتياطيات مطلوبة (14٪) بقيمة 2.66 مليار دولار أمريكي (بمعدل مرجعي 100،000 يبقى 2.66 مليون دولار أمريكي)

الودائع المتبقية بالدولار الأمريكي: 101394 - 19 = 82394 مليار دولار أمريكي (والتي لن يتم إرجاعها جديدة لا تتطلب تغطية كاملة في الاحتياطيات الجديدة .. يجب تحويلها إلى ليرة لبنانية ثم تقسيمها على سعر الصرف في السوق. افترض أن التحويل إلى ليرة لبنانية بسعر 15000 ثم اقسم على 100000 للتحويل إلى دولار أمريكي جديد ، للاحتفاظ باحتياطي 14٪ (بمعدل 100000: 14٪ * 82494 * 15000/100000 = 1.732 مليون دولار أمريكي). الودائع بالليرة اللبنانية: 47535 مليار ليرة تقسم على 100،000: 0.475 مليار مليون دولار.

بذلك يكون المبلغ المطلوب من الاحتياطيات بالدولار الأمريكي لتغطية القاعدة النقدية بسعر السوق البالغ 100000 دولار أمريكي / ليرة لبنانية ، ستتم تغطية القاعدة النقدية فقط بـ :: 0.75 + 2.66 + 1.732 + 0.475 = 5.617 مليار دولار أمريكي

وبحسب الميزانية العمومية لمصرف لبنان في آذار 2023 ، تبلغ الاحتياطيات المتبقية في مصرف لبنان بالدولار الأمريكي 9.5 مليار دولار ، إضافة إلى 5.03 مليار دولار من سندات اليورو التي أعلنت الدولة اللبنانية عن عدم سدادها. حيث بلغ احتياطي الذهب حوالي 16.65 مليار دولار أمريكي. سيحدد هذا المبلغ من الدولارات الحجم الفعال الجديد للاقتصاد وسيُلزم الدولة باعتماد صرامة في الميزانية لتجنب حدوث عجز وإلزام البنك المركزي بتكوين أموال لتغطيتها. الانتقال إلى الدولرة الشالة هو أعلى مستوى للإصلاح النقدي الذي يجب أن يرافقه مجموعة من الإصلاحات المالية والمصرفية والاقتصادية والإدارية اللازمة ... والصدمة الإيجابية الناتجة عن هذه الانتقال ستعيد الثقة في الاقتصاد اللبناني بعودة الاستقرار في الحسابات بعملة دولية ثابتة، تشجيع الاستثمار والنشاط الاقتصادي والسياحي وسرعة تداول الدولارات المجمّدة اليوم من قبل الأفراد والشركات خوفا من الغد.

إن القرار الرئيسي بوضع حد لازدواجية النقد التي تسبّب اليوم كل الفوضى في الأسواق وأبشع أنواع  قلّة العدالة بين أفراد المجتمع الواحد والتفاوتات الاجتماعية الناتجة عن دولرة كل الفواتير حتى منها احتساب كلفة خدمات الدولة فيما لا يزال جزء كبير من المواطنين يتقاضى مدخوله فقط بالليرة اللبنانية.. طباعة الليرة المستمرة لم تعد اليوم سوى مصدر فقر لحامليها مصدر ثروة للمضاربين عليها والمتسببين بدهور قيمتها...

_____________________________