mercredi 30 décembre 2020

لبنان 2021: بين "مجلس النقد" و"المجلس المصرفي" و"الدولرة الشاملة"

 لبنان 2021: بين "مجلس النقد" و"المجلس المصرفي" و"الدولرة الشاملة" - د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في كلية العلوم الاقتصادية لجامعة القديس يوسف)

Tuesday, 29-Dec-2020 06:20
https://www.aljoumhouria.com/ar/news/569730/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%...
بعد أكثر من ثلاثين سنة على اختيار الدولرة الجزئية بشكل تلقائي غير رسمي من قِبل اللبنانيين، سعياً للحفاظ على قدرتهم الشرائية بعد التدهور الأول لسعر صرف الليرة اللبنانية في الثمانينيات، وبعد نحو 22 سنة من اعتماد ربط سعر الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي على أساس 1507.5، توازياً مع معدل دولرة لم ينخفض منذ سنوات عن حدود الـ70%.. سقط سعر الصرف، وعجزت الدولرة الجزئية غير الرسمية عن تحقيق غايتها... اليوم لم يعد السؤال عن كيفية استكمال الخيار النقدي المعتمد، بل بات السؤال الاستراتيجي، أي خيار هو الأفضل لاستبداله، لا سيما مع تشعّب البحث بين «مجلس النقد» و«المجلس المصرفي» و «الدولرة الشاملة الرسمية».. فما هو تعريف ومميزات كل من هذه الخيارات؟ وأي خصوصية للبنان إزاءها؟

من المعلوم أنّ التجربة القاسية لتضخم الثمانينيات أرخت بظلالها بقوة على خيارات السياسة النقدية مطلع التسعينيات، إذ تلقّى المصرف المركزي كرة النار، فكان عليه امتصاص التضخّم الذي أسهم في حدوثه بشكل أساسي، بسبب زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، إن لتمويل الدولة أو لتلبية احتياجات تمويلية تحت كل ضغوط تلك الحقبة من الحرب وعدم الاستقرار على جميع المستويات...هكذا بدأ تأثير ذكرى فترة التضخّم والدولرة الجزئية غير الرسمية التي اختار اللبنانيون، حفاظاً على قدرتهم الشرائية على سلوك الحكومات والسلطة النقدية، بحثًا عن تثبيت استقرار قيمة العملة الوطنية وقدرتها الشرائية في مطلع التسعينيات، بعد انتهاء الحرب ميدانيًا.
وقد شكّل معدّل الدولرة المرتفع تقييدًا أيضًا للمصرف المركزي وسياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والتي كانت مكلفة للاقتصاد، من دون ضمان الاستقرار الفعلي. والبرهان على ذلك، استمرار معدّل الدولرة بحدود 76% بعد 22 عامًا من تثبيت سعر الصرف، فيما كان يمكن الانتقال التدريجي إلى نظام أكثر مرونة ومتماه مع مؤشرات ميزان المدفوعات، وطبعًا بأقل كلفة من العجز الفجائي عن التدخّل وترك الساحة للسوق الموازي.

أما أبرز المقترحات التي طُرحت لضمان الاستقرار النقدي في لبنان، فكانت إما اعتماد ربط الليرة بسلة من العملات لأبرز الشركاء التجاريين للبنان (أكثر البلدان التي تربطنا بها التجارة الخارجية) وفق ثقل يوازي النسبة المئوية للعلاقات التجارية مع كل منهم (مثلاً 40% تجاه الاورو اذا كانت نسبة التبادل التجاري مع أوروبا توازي 40% من مجموع تجارتنا الخارجية)، كذلك كان اقتراح الارتكاز على التوسع التدريجي لهامش سعر الصرف، وفق نهج ويليامسونWilliamson (2000) للاقتصادات النامية، مقارنة بالحالة في لبنان، ما يسمح بالانتقال التدريجي من نظام التثبيت الجامد لسعر الصرف إلى نظام أكثر مرونة، يسمح بتحديد أولويات هدف التضخم وفق تحليلات غولدشتاي Goldstein (2002). وفي الوقت نفسه، تعلّق هذه الدروس أهمية كبيرة على تنفيذ الإصلاحات المالية الموصى بها، للحدّ من وزن الدين العام، الذي يتحمّله البنك المركزي والمصارف التجارية، أي الجهاز المصرفي ككل، وبالتالي تجنّب التوقعات التضخمية المرتبطة بتوقعات تسييل الدين العام.

أما اليوم، بعد سقوط تثبيت سعر الصرف على أساس ربط الليرة بالدولار في ظل معادلة الدولرة الجزئية غير الرسمية، يبرز إقتراح إنشاء «مجلس النقد» Currency Board/Caisse d’Emission تنص هذه القاعدة على أنّ القاعدة النقدية - المكونة من الودائع التي تحتفظ بها البنوك والأوراق النقدية الصادرة عن مجلس العملة - يجب تغطيتها بالكامل وهامشياً بالعملة الاحتياطية. تؤسس قاعدة الاحتياطيات 100% هذه عدم مرونة فعليًا للعملة الأساسية، ومن المفترض أن تثبت صدقية السلطات النقدية بشكل دائم وعدم قابلية سعر الصرف للنقض. على مستوى الأدوات ، فإنّ مجلس النقد يضمن أنّ مجلس العملة وحده يضمن قابلية التحويل على قدم المساواة (على سبيل المثال، بمعدل واحد إلى واحد) لإصداراته بالعملة الاحتياطية، وبالتالي يشكّل احتياطيًا واحدًا.

عملياً يغطي مجلس النقد طباعة الليرة اللبنانية بنسبة 100% بالموجودات الخارجية (احتياطي بالعملات الاجنبية و احتياطي الذهب)، فيعيد الثقة المفقودة بالليرة، لأنّه يضمن القدرة على تحويلها من دون قيود، ما يجذب المستثمرين الأجانب ويزيد من إيرادات الدولة. والأهم في هذا الخيار، هو أنّه يقيّد المصرف المركزي فيمنعه تحديداً من طباعة العملة الوطنية بشكل إستنسابي من تمويل الحكومة Discretionnaire، ما من شأنه أن يرغم الدولة على القيام بالإصلاحات المالية، نظراً لتوقف إمكانية تحميل السياسة النقدية تبعات عجزها المالي وتحميل النظام المصرفي مدّها بالسيولة، ان بالتسليفات المباشرة أو عبر شراء سندات خزينتها بشكل متواصل دون ضوابط كما حصل.

فعلياً، ووفق الأرقام المعلنة، يملك «مصرف لبنان» احتياطياً ضئيلاً من العملات الأجنبية (لم يعد يتخطّى 800 مليون دولار أميركي فضلاً عن 17.5 مليار دولار تمثّل الاحتياطي الالزامي الممنوع من الصرف، كونه 15% من ودائع الناس في المصارف، ولا يجوز استخدامه لغير هذه الوجهة ولا حتى اعتباره ضمانة لخلق النقد ولا لغيره)، ولكنه يملك أيضاً احتياطي ذهب يفوق 24 تريليون ليرة، بإمكانه تغطية الليرة اللبنانية 3 مرات في حال تمّ تثبيت الصرف على 5000 ليرة للدولار، وفق الاقتصادي الخبير في أزمات العملات «ستيف هانك»، الذي أشار إلى أنّ «المدة الزمنية المطلوبة لإنشاء مجلس نقد في لبنان لا تتعدّى الـ 30 يوماً، تصبح من بعدها الليرة ثابتة بشكل مستدام»، مشبّهاً وضع البلاد الحالي بأزمة بلغاريا في أوائل التسعينيات، التي تخلّفت عن سداد ديونها مرات عدة بين 1991 و1997 فيما تخطّت نسبة التضخّم السنوي في بلغاريا 1230% (مقارنة بـ 283% في لبنان اليوم)، وبلغ عجز الموازنة العامة 14.2% (مقارنة بـ 11.4% في لبنان اليوم). وبعد إقرار مجلس النقد، انخفض التضخم إلى 1.6% ومعدلات الفائدة إلى 2.43% وتحول عجز الموازنة إلى فائض، وارتفع احتياط العملات الأجنبية من 864 مليون دولار إلى 3.1 مليارات دولار.

ولكن، يكمن التحدّي الأساسي في كيفية ضمان النقد بالليرة من خلال الذهب، بعد استنفاد الاحتياطي بالعملات الأجنبية والتسليم بعدم مس الاحتياطي الإلزامي.. والى أي مدى يشكّل ذلك خطراً من تسييل الذهب وخسارة آخر «عامل نفسي» مطمئن للبنانيين، في ظل ضعف ثقتهم الشاملة بكل الخيارات التي يمكن طرحها عليهم اليوم، قبل تلمّس أي منحى إصلاحي جذري وآفاق واضحة للمستقبل على مختلف المستويات..

كما ثمة تساؤلات حول مغبة خيار مجلس النقد تثبيت سعر الصرف وعدم قدرة السلطات النقدية على إجراء تعديل لسعر الصرف من أجل إدارة صدمات الاقتصاد الكلي الخارجية بشكل أكثر مرونة. في الواقع ، من المقبول عمومًا أنّ اختيار الثبات غير القابل للإلغاء لسعر الصرف يجب أن يأخذ في الاعتبار هيكل الاقتصاد الكلي ويكون أكثر ملاءمة للاقتصادات الصغيرة المتكاملة تجاريًا وماليًا. كما ثمة تساؤلات تتعلق بشكل أساسي بمسألة الإقراض كملاذ أخير Preteur en dernier ressort في هذا النوع من النظام النقدي. ومجلس النقد يمثل إشكالية في هذا الصدد، لأنّ من شأنه أن يحرم النظام المصرفي من قرض الملاذ الأخير للمصارف التجارية عند حاجاتها التمويلية. ويعتقد المدافعون عن مجلس النقد، أنّه إذا كان مجلس العملة يحتفظ باحتياطيات «فائضة»، فيمكنه في النهاية حشدها للتدخّل لدى المصارف. ومع ذلك، وكما رأينا في المقدمة، فإنّ مثل هذا الإجراء لا يتوافق مع قرض الملاذ الأخير ؛ إنّه يتوافق مع تحويل الاحتياطيات، والذي يظل مشروطًا للغاية وينطوي على عدم مرونة العملة الأساسية.

كما يعتقد المدافعون عن مجلس النقد، أنّ أي انحراف عن التشدّد النقدي من شأنه أن يقلّل من صدقية مجلس العملة، وبالتالي يعرّض لمخاطر العملة. نظرًا لإشكالية السيولة «غير المرغوب فيها» من قِبل مجلس النقد. فقد دعا بعض الاقتصاديين إلى التحول إلى الدولرة الرسمية للحدّ من ضخ المزيد من العملة الوطنية وضمان التشدّد في ضبط السيولة المتداولة.

الدولرة الرسمية الشاملة هي نظام يتمّ فيه دمج الأموال التي يصدرها بنك مركزي خارجي مع دمج النقود يدويًا. تؤدي هذه الخاصية إلى عدم مرونة عرض النقود اليدوية، بمعنى أنّه عندما يزداد الطلب على النقود اليدوية وينشأ نقص في السيولة، فإنّ النظام المصرفي غير قادر على تلبيتها. والنتيجة هي عدم الاستقرار في احتياطيات المصارف والقروض التي تقدّمها، وعدم استقرار في طبيعة انكماشية. من ناحية أخرى، يُلاحظ في هذا الصدد أنّ مجلس العملة يمكن أن يستجيب - ولكن إلى حدٍ معين فقط - للتغيرات في الطلب على النقود اليدوية، من خلال تعديل شكل التزاماته (زيادة تداول الأوراق النقدية وانخفاض في الودائع بين المصارف). من ناحية أخرى، للتغلب على عدم مرونة عرض النقود اليدوي هذا، دعا Hanke and Schuler (2001) إلى الإصدار المجاني للأوراق النقدية. في حين أنّ هذا الاقتراح يسمح للنظام المصرفي بتوفير نقود يدوية مرنة، إلّا أنّه يترك مسألة مرونة الأموال الأساسية دون إجابة.

كما ثمة خيار ثالث يتمثّل بإنشاء المجلس المصرفي Banking Boad يختلف عن «مجلس النقد»، إذ في ظلّ المجلس المصرفي لا توجد قاعدة إصدار أو احتياطي واحد، ولكن يوجد مقرض الملاذ الأخير، بينما تحت مجلس النقد، لا يوجد مقرض الملاذ الأخير، ولكن قاعدة واحدة والاحتياطي. يستجيب المجلس المصرفي لمبدأ القابلية للتحويل إلى عملة خارجية (عملة معدنية أو عملة أجنبية) ويؤسس تسلسلاً هرميًا مصرفيًا بين المصارف التجارية في القاعدة والبنك السيادي الأعلى على رأسها. حتى الآن، اتخذ المجلس المصرفي سمة من سمات الدولرة، وهي عدم وجود احتياطي واحد وقابلية التحويل إلى عملة خارجية على مستوى المصارف التجارية. ومع ذلك، لا يزال هيكلها العام مختلفًا جدًا، نظرًا لوجود شكل معين من المصرف المركزي. ينظم البنك المتميز (أو البنك المركزي، إذا اتبعنا تعريف Hawtrey) عمليات المقاصة بين المصارف، وهو مؤسسة ذات تغطية جزئية، تضمن إمكانية التحويل على قدم المساواة من عملتها إلى عملة خارجية ؛ تُصدر الأموال بين المصارف في شكل أوراق نقدية أو ودائع تحتفظ بها المصارف التجارية، وبالتالي يمكنها أن تكون بمثابة مقرض الملاذ الأخير.

يختلف المجلس المصرفي عن مجلس العملات، من حيث أنّه لا يوفر إمكانية التحويل من تلقاء نفسه ؛ ومع ذلك، فإنّه يضمن سيولة النظام المصرفي، بالنظر إلى حقيقة أنّ الإصدارات المصرفية قابلة للتحويل إلى عملة خارجية وإلى عملة أعلى (أو مركزية). علاوة على ذلك، لا يتبع البنك الأعلى سياسة نقدية تهدف إلى تثبيت المستوى العام للأسعار أو الحفاظ على التوظيف؛ بداهة أنّها لا تطبّق سياسة سعر الصرف.

في حين أنّ مجلس العملة يربط بين خاصيتين تبدوان متناقضتين، وهما اللامركزية المصرفية والمركزية النقدية الكاملة ، فإنّ المجلس المصرفي يربط بين خاصيتين لا تتعارضان بأي حال من الأحوال، وهما التسلسل الهرمي المصرفي (البنوك التجارية والبنك المركزي) وعدم التركيز النقدي (تضمن البنوك التجارية والبنك المركزي إمكانية التحويل إلى عملة خارجية).

نحدّد المجلس المصرفي كنظام مصرفي هرمي في إطار قابلية التحويل: في الأعلى، مؤسسة ذات تغطية جزئية، البنك المركزي (أو الأعلى)، يُصدر سيولة بين المصارف قابلة للتحويل إلى عملة خارجية ؛ في الأساس، تضمن مصارف الدرجة الثانية إمكانية تحويل عملتها إلى عملة البنك الأعلى وإلى عملة خارجية. ومن ثم ، فإنّ البنك الأعلى هو شكل معين من أشكال البنك المركزي في سياق قابلية التحويل. تمّ التخلّي عن قاعدة (احتياطيات 100%) وأداتها (الاحتياطي الفردي)، الأمر الذي يسمح بإزالة مخاطر الصرف وإعطاء النظام المصرفي الملاذ الأخير للمقرض السيادي..

تحت المجلس المصرفي، كل مصرف «يحتفظ» باحتياطياته الخاصة، والتي توجد بشكل هامشي في خزائنه الخاصة، ولكن بشكل رئيسي في خزائن ودفاتر المؤسسة - البنك الأعلى - التي تقوم بإجراء المقاصة بين المصارف. بعبارة أخرى ، يضمن البنك الكبير قابلية تحويل التزاماته المستحقة عند الطلب، وعلى الرغم من أنّ قابلية التحويل هذه تحدث على مستوى هرمي أعلى ، إلّا أنّها ليست المؤسسة الوحيدة التي تضمن قابلية التحويل إلى عملة خارجية. ونظرًا لتعدد العقود المصرفية القائمة على التزام عدد كبير من المصارف، فإنّ التوقعات تتعلق بقدرة كل مصرف على الاحتفاظ بالسيولة. وبالتالي، هناك تباين في التوقعات في ما يتعلق بقدرة العديد من المؤسسات المصرفية على ضمان قابلية التحويل إلى عملة خارجية - وليس تجانس التوقعات في ما يتعلق بالتزام البنك المصدر وحده. بهذه الطريقة، لا يوجد خوف مسبق من تخفيض قيمة العملة أو مخاطر العملة. فلا تزال هناك مخاطر سيولة مبعثرة بين العديد من المصارف التجارية ، فضلاً عن مخاطر السيولة على مستوى أعلى بنك. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ أسعار الفائدة أقل مما هي عليه في لوحة العملة (لا يوجد المزيد من مخاطر الصرف) وأقل تقلبًا من الدولرة (العملة اليدوية كعملة أساسية ، كلاهما مميز ومرن).

مع الاشارة الى أنّه من خلال إلغاء الاحتياطي الفردي ، فإنّ المجلس المصرفي يجعل من الممكن الخروج من هذا المأزق ؛ ولا يعود هناك أي مخاطر صرف، والنظام لديه مقرض الملاذ الأخير ؛ لا يوجد قيد كمي يؤثر على مستوى الاحتياطيات أو قضايا البنك الأعلى. كذلك، فإنّ غياب مخاطر العملة لا يمكن بالتالي أن يؤدي إلى حدوث أزمة مصرفية أو تفاقمها، والتي يمكن احتواؤها من قِبل البنك الأعلى. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان هناك مخاوف في ظلّ مجلس النقد من أنّ خطر عدم السيولة سيتحول إلى مخاطر إفلاس بسبب عدم وجود قرض الملاذ الأخير، وبالتالي زيادة قسط التخلّف عن السداد، كما احتمالية تخفيض قيمة العملة ، فإنّ الحفاظ على السيولة من قِبل البنك الأعلى داخل نظام مجلس الإدارة المصرفية، يجعل هذا التحول أقل احتمالية.

أما الدولرة الشاملة فهي تتميز بطابعها النهائي (غير القابل تقريبًا للرجوع عنه). واذا كانت تنبع المزايا الرئيسية للدولرة من صدقيتها في الدولرة الكاملة، مرادفة بالنسبة للدولة لخسارة أرباح طباعة العملة الوطنية seigneuriage (الناتج بشكل أساسي من الفرق بين تكلفة إنتاج العملات المعدنية والورقية وقوتها الشرائية، وهي عملياً، إذا تجاهلنا الحدّ الأدنى من تكلفة طباعة الأوراق النقدية والصناعة المعدنية، تصبح تساوي الزيادة في حجم العملة الوطنية المتداولة). فضلاً عن كون الدولرة الكاملة تلغي دور المصرف المركزي الوطني كملاذ أخير للإقراض المصرفي.. وبالتالي تجعل البلد المعني بالدولرة الشاملة والرسمية يخسر «السيادة النقدية» المتمثّلة بالعملة الوطنية، وهي الى جانب العلم، تمثّل رمز استقلال وسيادة الوطن، وهنا يصبح للموضوع أبعاداً أوسع من الناحية النقدية البحتة.

يبقى أنّ السياسة النقدية كعنصر أساسي من السياسة الماكرو اقتصادية الشاملة، لا يمكن عزلها عن السياسات العامة للأوطان، وكأنّها على جزيرة مستقلة عن مختلف العوامل السياسية والاجتماعية الشاملة. وكما كان للخيار المعتمد منذ سنوات نقاط قوة ومكامن ضعف، ساهمت في ما وصلت اليه الأوضاع اليوم، كذلك للخيارات المطروحة اليوم آفاق وتحدّيات للمستقبل، وارتباط طبيعي بمجمل عناصر السياسة الاقتصادية وخيارات السياسات العامة للدولة ورؤيتها للدور المستقبلي للبنان. فمن هنا يبدأ البحث لاعتماد خيار جديد. وعلى هذا المستوى ستكون مسؤولية اتخاذه.https://www.aljoumhouria.com/ar/news/569730/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-2021-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews&fbclid=IwAR3uPEOif9GiSoCbOr8vYMzzDTB8MXmxQwSPZleSg7ADkQxRa5-UejAq6Q4

mardi 25 août 2020

بعد زلزال بيروت: المسؤولية الاجتماعية أولوية!

 بعد زلزال بيروت: المسؤولية الاجتماعية أولوية!

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/550829/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B2%D9...

جريدة الجمهورية
Saturday, 22-Aug-2020 06:57
محلي
بعد زلزال مرفأ بيروت أصبحت «المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات» أولوية ملحة وطارئة، حفاظاً على سلامة الناس وصحتهم وبيئتهم المحيطة وحقوقهم السكنية والمعيشية والاجتماعية الشاملةّ! و«المسؤولية الاجتماعية» ليست مجرّد بحث في مفهوم جديد يتألّق عالمياً في مختلف الشركات والقطاعات، لتلميع صورتها وزيادة حصّتها في السوق، من خلال عمل خيري وتقديم المساعدات للمجتمع... «المسؤولية الاجتماعية» مفهوم ضروري وفق معايير «ايزو 26000» في كل المؤسسات العامة الخاصة والمشتركة وكل المرافق الحيوية من موانئ ومطارات ومحطات نقل ومؤسسات كهرباء وسدود مياه ومخازن وقود ومستودعات مواد.. ليكون عملها مسؤولاً إجتماعياً تجاه عمّالها وموظفيها وزائريها وزبائنها ومشتركيها وشركائها وسكان المناطق المجاورة لها، ولتكون أمينة وآمنة ومسؤولة تجاهها صحياً وبيئياً واجتماعياً، لتفادي المخاطر، قبل البحث في تغطية الأضرار والتعويض عن الأذى...هذه معاني «المسؤولية الاجتماعية». ومن الواضح اليوم أكثر من أي يوم مضى، كم باتت ضرورية. فعلامَ ترتكز؟ ماذا تطاول؟ وكيف تتبلور؟

من المعروف أنّ مجال الأعمال كانت تسوده ركائز الإقتصاد الأساسية القائمة على «القاعدة الذهبية» لتحقيق أعلى مستوى من الربح، بتوسيع الهامش بين المردود والكلفة الى أقصى حد ممكن، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى وعوامل مؤثرة ومتأثرة في محيطه على المستوى الإجتماعي والبيئي والصحي والسلامة العامة...أما المؤسسات التي يهمّها إعطاء «صورة جميلة» عن حسّها الإجتماعي والإنساني والأخلاقيات المهنية وتفاعلها مع بيئتها المحيطة، فكانت تجد ملاذاً لمرادها عبر تمويل بعض المشاريع ذات طابع المنفعة العامة والمساعدة الإنسانية (بناء جسر مهدّم من هنا، تقديم مساعدات خيرية من هناك، تخصيص مبلغ سنوي معيّن، أو نسبة من الأرباح لتقديم منح دراسية ومساعدات طبية وغيرها من هنالك...)، وتضع ذلك تحت تسمية الحس بالمسؤولية الإجتماعية، من باب المساهمة في مساعدة المجتمع لتأمين بعض الخدمات الخارجة عن إطار عمل المؤسسة وأهدافها المالية والإقتصادية البحتة.

المسؤولية الاجتماعية كتعريف سريع ترتكزعلى اهتمام المؤسسة خلال تأدية عملها، بالحرص على الاستجابة لحاجات المجتمع الذي تعمل فيه، والمساهمة في تنميته المستدامة، وليس فقط على تحقيق الأرباح.

أما الأفرقاء المعنيون بالاستجابة الى حاجاتهم فهم مختلف العملاء الاقتصاديين المعنيين بعمل المؤسسة من موظفين، زبائن، مؤسسات منافسة، إدارات عامة، هيئات مدنية من جمعيات ومنظمات غير حكومية، وسائل إعلام ... تربطها بالمؤسسة عقود عمل أو قوانين مرعية الاجراء أو أنّها تتأثر بنشاط المؤسسة وتؤثر فيه، من خلال تواصلها مع الرأي العام... فيكون على المؤسسة المسؤولة إجتماعياً أن تحدّد حاجات المجتمع الذي تعمل فيه وأولويات المشاريع التنموية المطلوبة لتتمكّن من إدراجها ضمن استراتيجياتها.

هكذا ترتقي المؤسسة من العمل الخيري الذي ينتهي مفعوله آنياً (مثل تقديم مساعدة مالية لجمعية تُعنى بالمقعدين في منطقة معينة) لتلتزم بالاستجابة الى الحاجات التنموية المستدامة للمجتمع (مثل تأمين البنى التحتية المناسبة لتنقّلهم وتوظيفهم في مشاريعها التنموية المستدامة في مختلف مناطق إنتشارهم، بحيث يصبحون مستقلين مالياً عن ذويهم ولا يعودون في حاجة الى المساعدات الخيرية).

في الواقع، وبعدما تفاقمت الأزمات الإجتماعية الى حدّ تسجيل عدم قدرة الدولة على الإستجابة لوحدها الى الحاجات الإنسانية والإجتماعية للفرد أو الجماعة، ظهر بوضوح انّ الهمّ الإجتماعي بات مسؤولية مجتمعية، يتشارك فيها الجميع، وفي مقدّمهم قطاعات الإنتاج التي تُعتبر العامود الفقري للإقتصاد، فتظهّر دور المنظمات غير الحكومية ودور المجتمع المدني، كما تبلور حديثاً مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وتطوّر بسرعة ليصبح من أهمّ المبادئ التنموية على المستويين الإجتماعي والإقتصادي. فكان من الطبيعي ازدياد إهتمام المؤسسات والشركات في ولوج هذا الباب، إسهاماً في مداواة الحاجة الإجتماعية من جهة، وترسيخاً للعلاقة المتوازنة الضرورية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مع تأكيد إضطلاع الدولة بمسؤولياتها كإطار ناظم وشريك أساس في المهمة، في إطار ما يُعرف بالشراكة بين العام والخاص (PPP).

ولعلّ خير دليل على تنامي هذا الدور، ما أظهرته الإحصاءات الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ( OECD)، من أنّ مساهمات منظمات المجتمع المدني تراوحت بين 6-7 بلايين دولار سنوياً في أواخر القرن العشرين. إنطلاقاً من هذا الواقع، قرّرت الشركات والمؤسسات الوازنة في الإقتصاد ـ وعلى المستويين المحلي والخارجي ـ الإضطلاع بدور متنام ٍ في المسؤولية الإجتماعية، وبلغ هذا الدور حداً تنظيمياً متجانساً مع الحداثة، فتطورت التقديمات من عطاء عشوائي غير منظّم وغير محدّد الهدف، الى دور تنموي أساسي يشكّل جزءاً لا يتجزأ من أنشطتها، يعتمد على خطط ـ برامج، منظمة، وواضحة الأهداف والمعالم لمساعدة المجتمع والمشاركة في العملية التنموية بنحو فعّال، يفضي الى كسب ثقة المجتمع وبالتالي ضمان النجاح في تحسين الأوضاع الإجتماعية وتثبيت الإستقرار الإجتماعي الإقتصادي المرجو.

على النطاق العربي، بدأ الاهتمام بالمسؤولية الإجتماعية يتنامى، وقد أُنشئت المنظمة العربية للمسؤولية الإجتماعية، التي تهدف الى رفع مستوى التعاطي مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية على المستوى المحلي وتحويلها الى مستوى المفهوم الاستراتيجي في عمل البلديات والحكومات العربية وتعزيزها من خلال الادارة الحكيمة وتعميم ثقافتها عبر كافة الوسائل المتاحة، فضلاً عن تكريم المؤسسات الرسمية والحكومية الحائزة على شهادات الجودة العالمية «أيزو» في مجال المسؤولية الاجتماعية...

أما في لبنان، فمن الثابت انّ للمجتمع المدني دوراً كبيراً يلعبه بالتكامل والتعاون مع القطاعين الخاص والعام، فيما التحدّي الأساس في تحقيق هدفين متوازنين: تأطير دور ومدى عمل المجتمع المدني، من ضمن الاستراتيجية التنموية للمؤسسات المعنية تجاه مجتمعها بمختلف مكوناته من جهة، وتأمين الربط والتواصل المفقود بين المشاريع التي تنفذها المنظمات غير الحكومية وتوجيه التمويل المطلوب لها...

مع العلم أنّ الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى في لبنان في السنوات الأخيرة، وقلّة الاستقرار السياسي والمؤسسي، أظهرتا أكثر فأكثر قصور الدولة في الاستجابة للاحتياجات الاجتماعية المختلفة.

كما من المعروف انّ كثيراً من المؤسسات في لبنان كان يعتمد مبدأ «المساعدة الإجتماعية»/ أي العمل الخيري الذي ينتهي مفعوله فور تقديمه، دون أن يكون ساهم في تحقيق التنمية المستدامة التي تؤمّنها برامج المسؤولية الاجتماعية (مبادرات لتأمين منح مدرسية وجامعية لمتفوقين غير قادرين على تسديد أقساطهم، مساعدات طبية لحالات إستثنائية مكلفة لا تشملها تغطية وزارة الصحة، أو حالات إجتماعية صعبة يتمّ تسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام طلباً للمساعدة، الخ) أو على مساهمات في أعباء وطنية كبرى كمثل ما حصل بعد إنتهاء حرب تموز 2006 على لبنان، واليوم بعد زلزال مرفأ بيروت والكارثة التي تسبب بها في المناطق المحيطة، (حين أخذت بعض المصارف على عاتقها إعادة بناء بعض الجسور المهدّمة، والبنى التحتية المدمّرة، وبعض المقومات الإقتصادية التي قوّضها العدوان).

اليوم، بات من الضروري الإرتقاء بدور الشركات والمؤسسات التي تشكّل العمود الفقري للإقتصاد الوطني، ليصبح إلتزاماً بالمساهمة في التنمية المستدامة، من خلال العمل مع المجتمعات المحلية لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد ويخدم التنمية في آن واحد، وخصوصاً بعد صدور المواصفة العالمية ISO 26000 خلال تشرين الأول 2004 والتي تضمنت معايير المسؤولية الإجتماعية، وخصوصاً في الجوانب المتعلّقة بالسلامة والصحة والعامة للسكان في محيط عملها، إضافة الى الجانبين البيئي والقانوني، والشروط المتعلقة بالتنمية الإقتصادية.

يبقى القول، إنّ المسؤولية الاجتماعية باتت اليوم أولوية أكثر من أي وقت مضى، بعد أن ثبت بالألم الكارثي مدى خطورة اللامسؤولية على الأرواح والممتلكات، على سلامة الناس وحياتهم، كما المساكن والمرافق الاقتصادية والظروف المعيشية، كما ثبت أكثر فأكثر عدم إمكانية الدولة ولا أي دولة منفردة للاستجابة وحدها للكوارث الناتجة من خلل كهذا، والحاجة الى تضافر جهود كل مكوّنات المجتمع لمواجهة الأزمات.

واليوم، بعد ان تبيّنت عملياً على الأرض ديناميكية المجتمع المدني والقطاع الخاص المسؤول إجتماعياً، لا بدّ من وضع كل التدابير والتشريعات الضرورية لتسهيل وتشجيع ودعم وتأطير المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، طريقاً للتنمية المستدامة والسلامة العامة صحياً وبيئياً وإقتصادياً إجتماعياً بنحو مقونن ومبرمج.


بين زيادة الكتلة النقدية وتراجع النمو الإقتصادي: التضخم بلا حدود

 


Tuesday, 04-Aug-2020 06:20



بين زيادة الكتلة النقدية وتراجع النمو الإقتصادي: التضخم بلا حدود

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/547754/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%AE%D9%85-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews


من يوم الى يوم تتصاعد الأسعار في الأسواق، بما يشعر المواطن أن لا ضوابط عملية للتضخم المتعدّد 


الأسباب، فيما النتيجة واحدة، متمثّلة بتراجع مؤلم في القدرة الشرائية، خصوصاً لذوي الدخل المحدود بالليرة اللبنانية. ومهما تعدّدت وتشابكت أسباب ارتفاع الأسعار، ثمة سبب رئيسي يتفاقم يوماً بعد يوم، ويتمثل بازدياد عرض الكتلة النقدية، وتحديداً السيولة المتداولة بالليرة اللبنانية، والتي تترافق مع انكماش النمو الاقتصادي، فتُترجم النتيجة بمزيد من التضخّم.. فكيف يتجّه النمو الاقتصادي ومعدّله نسبة الى الدين العام، وبالتزامن مع ازدياد الكتلة النقدية المتداولة؟

 

يشكّل النمو الاقتصادي المؤشر الرئيسي الذي يعكس منحى تطور الاقتصاد وازدهاره، حتى لو لم يكن كافياً لتظهير مستوى العيش في أي بلد، لأنّ ذلك يحتاج الى التطلّع أيضاً الى مؤشرات التنمية المستدامة، التي تشمل الركائز الثلاث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.. ويكفي لذلك النظر الى مسار معدّل النمو الاقتصادي في لبنان، حيث حتى في فترات تحقيق أعلى معدلات نمو لم يُترجَم ذلك تحسناً في المستوى الحياتي لناحية مثلاً تأمين التغطية الصحية الشاملة وضمان الشيخوخة والرعاية الاجتماعية للعاطلين من العمل وذوي الحاجات الخاصة والتيار الكهربائي المتواصل والمياه الصالحة بكميات كافية لكل المناطق، والبيئة النظيفة من معالجة النفايات الى مكافحة كل أنواع التلوث البري والبحري والجوي...

 

ويتبيّن تنامي نسبة الدين العام الى الناتج المحلي، التي ما لبثت أن انخفضت من حدود 180% عام 2006 الى 130% عام 2011 ، حتى عاود خطّه التصاعدي الذي تخطّى فيه حدود الـ 150% في نهاية العام 2018 ، وأكمل صعوداً مع تدهور الأوضاع عام 2019 بالتزامن مع تدهور معدل النمو من 8.25 % الى أقل من 1% للفترة عينها.. فيما كان الدين العام يكبر بحجم كرة الثلج التي تنمو بسرعة، تفوق بأضعاف نمو الناتج المحلي، مع تراكم العجز المالي السنوي وصعوبة التحكّم بمكونات الانفاق الذي معظمه جارٍ وتستحوذ خدمة الدين العام (أي الفائدة على الدين) بنحو اساسي على أكثر من 40%، وتلامس كذلك رواتب وأجور القطاع العام الـ40% من مجموع الإنفاق، وتبقى حصّة عجز الكهرباء نحو11%، فلا يبقى ما يُذكر للاستثمار العام...

 

كذلك ترتفع الدولرة التي نتجت من خيار حرّ في القطاع الخاص اللبناني، منذ تجربة التضخم وانهيار سعر الصرف في الثمانينات، والتي طاولت أخيراً دولرة جزء من الدين العام (حوالى ثلث الدين)، فضلاً عن اعتماد ربط سعر صرف الليرة بالدولار الأميركي ولو بنحو «عرفي» كون النصوص لا تدلّ الى تثبيت رسمي لسعر الصرف.. وذلك في ظل نظام إقتصادي حرّ يلتزم حرية حركة الرساميل ويتأثّر طبعاً بنتائج ميزان المدفوعات الذي يشمل الميزان التجاري من جهة (المعروف بعجزه التاريخي بين الصادرات المحدودة والواردات الطاغية التي تلبي أكثر من 80% من حاجاتنا الاستهلاكية) وميزان الرساميل (المعتمد عليه للتعويض من خلال استقطاب الرساميل الخارجية خصوصاً من المغتربين اللبنانيين والمستثمرين العرب والسياح المتعددين).

 

من هنا تتظهّر لنا خصوصية الاقتصاد اللبناني والقيود التي تكبّل حركته والتي تجعل منه نموذجاً خاصاً غير قابل للمقارنات مع سواه، قبل البحث في المعضلات التي ترهق نموّه أو تعقّد ديونه أو تُتعب جهازه المصرفي موضع البحث تحديداً.

 

أما مصرفياً، فإلى جانب الانغماس في الانكشاف على الدين السيادي للدولة وشهادات الايداع بالعملات الأجنبية، تواجه المصارف اللبنانية مخاطر إنعكاسات جمود النشاط الاقتصادي وتوقّف الطلب على التسليفات كما توقف تدفّق الرساميل من الخارج وزيادة الودائع في الداخل، بل من التوجّه المعاكس على تقليصها على يد أصحابها الى الحدّ الأدنى الممكن، إن من خلال السحوبات المستمرة بالدولار الميركي كما بالليرة اللبنانية أو من توجّه كثيرين الى ما يُعرف بأدوات الحماية من المخاطر عبر شراء الذهب أو الاستثمار العقاري، علماً أنّ لهذا الأخير إيجابيات كثيرة خصوصاً في تسييل عقارات كانت مجمّدة بفعل الأزمة، فيما أصحابها مديونون للمصارف ويهمّهم إطفاء أكبر جزء من دينهم ولو بشيكات مصرفية، بغض النظر عن إمكانية سحبها نقداً.

 

من هنا تفتح الأزمة الاقتصادية باب مخاطر القروض المتعثّرة لدى المصارف، والتي لا تقلّ أهمية عن مخاطر الانكشاف السيادي، مع الاشارة الى أنّ التسليفات المصرفية بالعملات الأجنبية للقطاع الخاص اللبنانية تبلغ نحو 32 مليار دولار، وتسعى تعاميم مصرف لبنان المركزي الى احتوائها، من خلال العمل على وضع سقوف على الفوائد الدائنة وخفض الفوائد المدينة بنحو مباشر، وتوجيه المصارف لإعادة هيكلة الديون المتعثّرة عبر إطالة الآجال، وإعادة النظر في الشروط، الى جانب الالتزام بالتعاميم الجديدة الصادرة عن المصرف المركزي، والتي تنصّ على خفض معدلات الفوائد...

 

كما أنّ الإجراءات الحالية، من ضبط حركة الرساميل بسبب الأزمة، في غياب نصّ قانوني جامع وضوابط موحّدة، جمّدت كلياً إقدام غير المقيمين وحتى المغتربين، عن إرسال التحاويل، لا بل أدّت الى قلق المقيمين على ودائعهم، إن كان بالعملات الأجنبية أو حتى بالليرة اللبنانية، مما يدفعهم يومياً الى نشاط مصرفي اتجاه واحد، هو سحب الأموال وتخزين الأوراق النقدية إن كان بالدولار أو حتى بالعملة الوطنية، ما ينسف النظام المصرفي ككل ويدفع في اتجاه الاقتصاد النقدي «cash economy»، فيضرب إمكانية استعادة المصارف دورها في التسليف، أياً كانت شروطها لافتقاد ثقة العملاء بإيداعها مدخراتهم.

 

ويبدو واضحاً أثر الأزمة ان لناحية الودائع أو التسليفات بالليرة اللبنانية كما بالدولار الأميركي في مصارف لبنان، كذلك يبدو ملحاً مراقبة معدلات مخاطرها السيادية من خلال رصد نسبة توظيفاتها بسندات الحزينة، ولا سيما منها سندات «اليوروبوند» وشهادات الايداع لدى المصرف المركزي، ولا سيما منها بالدولار الأميركي، من مجموع رساميلها الخاصة، للتأكّد من إمكانية أن يتحمّل المساهمون أي خطر إعادة هيكلة أو اقتطاع ديون الدولة، من دون الحاجة للجوء الى المودعين الكبار للمساهمة معهم...

 

أما صلب الاشكالية، فلا يكمن فقط في تراجع النمو، بل في تنامي الكتلة النقدية والسيولة بمعدلات هائلة تنعكس تضخماً مفرطاً تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، ولا سيما ذوي الدخل المحدود بالليرة اللبنانية. ويكفي لذلك الاشارة الى بيانات مصرف لبنان، التي تظهر الازدياد الهائل خصوصاً في حجم العملة الموضوعة في التداول والودائع تحت الطلب بالليرة اللبنانية بين تشرين الأول 2019 وأيار 2020.

 

والمعلوم إقتصادياً أنّ كل زيادة في السيولة المتداولة لا تتوافق مع نمو إقتصادي موازٍ ومن دون تغيير في سرعة تداول العملة، تُترجم بزيادة معدل الأسعار وضرب سعر صرف العملة الوطنية نسبة الى سائر العملات الأجنبية، ما يجعل الاستيراد أيضاً أغلى، فيتغذى أكثر مفعول التضخم...وهذا ما يحصل يومياً في لبنان ولو بنحو أكثر وضوحاً منذ تشرين الأول 2019 من دون معرفة الحدود الزمنية والكمية لهذه المؤشرات كما لانعكاساتها.

 

ومن المفيد الاشارة الى جملة العوامل المؤثرة في النمو الاقتصادي التي رصدها تقرير «بنك لبنان والمهجر»، والتي أشارت الى التراجع في الاستثمار وإنتاجية رأس المال منذ 2012-2013 بنحو ملحوظ مع تدهور مناخ الاستثمار. وفي هذا الصدد، من الضروري أن لا تركّز الإصلاحات على التحسين وسهولة ممارسة الأعمال التجارية فقط، ولكن يجب أولاً أن تتضمن أيضًا حوكمة أفضل للمؤسسات العامة بنحو حاسم، مما يستوجب بيئة سياسية مستقرة.

ـ ثانيًا، ثمة انعكاسات سلبية متراكمة لتوالي العجز في الموازنة العامة (بأكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في الآونة الأخيرة) نتيجة النفقات الجارية المفرطة (40% على الأجور والمعاشات وأكثر من 35% على الفوائد، أي خدمة الدين العام و11% لكهرباء لبنان) وهي بالطبع نفقات غير منتجة ولا مشجّعة للاستثمار.

ـ ثالثاً، لا بدّ من التنبّه الى دور الادخار الخاص في الاستثمار ،اذ تدخر الأُسر والشركات اللبنانية القليل نسبياً (ما يقرب من 7% من الناتج المحلي الإجمالي) خصوصاً مع توجّه الاقتصاد أكثر فأكثر نحو الاستهلاك المفرط، والذي يتخطى أحياناً كثيرة مردود الأُسر وتتمّ تغطيته ببطاقات الائتمان والقروض الشخصية...

- رابعاً، يبقى السبب الأهم من ذلك مرتبطاً بالموارد الخارجية المؤثرة بالمساهمات في النمو في الاقتصاد اللبناني، ما هو مثير للاهتمام، خصوصاً أنّه في حين تباطأت تدفقات رأس المال بنحو ملحوظ منذ عام 2012، فإنّ ما أبقى الوضع ثابتًا هو اللجوء الى الاحتياطيات الأجنبية في مصرف لبنان - وهو مورد خارجي آخر - مع تراكم عجز ميزان المدفوعات لأكثر من 18 مليار دولار منذ عام 2012... فيما احتياطيات المصرف المركزي من العملات الاجنبية تُستنزف يوماً بعد يوم.

 

ويبقى طبعاً على الدولة تنفيذ تدابير الإصلاح الأساسية الملحّة لتنشط النمو، بالاستناد الى ركائز الاقتصاد المحلية والموارد الكثيرة التي يتمتّع بها لبنان وتعطيه ميزات تفاضلية وقدرات تنافسية. كما من الضروري تقديم الحوافز لزيادة المدخرات (العامة والخاصة)، وتعزيز الصادرات، واستبدال الواردات، وبالتالي تجنّب الحاجة إلى مصادر تمويل خارجية أو تقليلها. وهذا مطلوب، خصوصاً في وقت أصبحت فيه أسواق رأس المال الدولية والإقليمية تزداد تنافسية... على أن يتركّز الجهد على تأمين معدّل نمو بالاستناد الى مصادر تمويل انواع إستثمارات ثابتة أو أكثر ثباتاً، خصوصاً في فترات الأزمات، كما بالتشديد على تحقيق معدّل نمو للاقتصاد أعلى من زيادة تنامي السيولة في الكتل النقدية، لتفادي انعكاسها مزيداً من التضخم وتضاؤل القدرة الشرائية والقدرة على إيفاء الديون...

 

 

ميزان المدفوعات يعكس دور لبنان الإقتصادي التاريخي: تصحيح الخلل لا يكون بتغيير الدور!

ميزان المدفوعات يعكس دور لبنان الإقتصادي التاريخي: تصحيح الخلل لا يكون بتغيير الدور!

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/546626/%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%81%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%8A%D8%B9%D9%83%D8%B3-%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A-%D8%AA%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%84-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

أستاذة مُحاضرة في كلية العلوم الاقتصادية لجامعة القديس يوسف

العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات 1999 - 2018
جريدة الجمهورية
Monday, 27-Jul-2020 06:44
في ظلّ نظام إقتصادي حرّ يكفله الدستور، شهد لبنان على مرّ السنين نتائج في ميزان المدفوعات، تعكس تماماً حقيقة دوره في المنطقة، من حيث اجتذاب الرساميل والتوظيفات والاستثمار العقاري والسياحة ومختلف الخدمات التجارية والسياحية، التي تمثّل أعلى مساهمة في ناتجه المحلي... ومجرد تبدّل رصيد ميزان المدفوعات من إيجابي (فائض) الى سلبي (عجز)، كان الاشارة الرئيسية الى بداية انفجار الأزمة الاقتصادية التي تصاعدت مؤشراتها منذ العام 2011 ليضع إنفجارها عام 2019 علامة إستفهام حول دور لبنان الاقتصادي نفسه، ويعيد طرح السؤال حول القطاعات الركيزة للبنان، والتي تؤمّن الحدّ الأدنى من أمنه الغذائي ومن مردوده المالي ومن مستقبله من جميع النواحي... ولكن، هل الخلل في ميزان المدفوعات يُعالج بإعادة النظر بمكوناته أم بسبل إعادتها الى مسارها الإيجابي؟ كيف يمكن قراءة مكوّنات ميزان المدفوعات؟

يتشكّل ميزان المدفوعات بشكل رئيسي من الميزان التجاري وميزان الرساميل. ومن المعروف تاريخياً أنّ كل فائض في ميزان المدفوعات يكون ناتجاً من فائض كبير في ميزان الرساميل، يتمكّن من التعويض بفائض أكبر من عجز الميزان التجاري، الذي لطالما عرف تاريخياً تراكم عجوزات في لبنان الذي يفوق استيراده أضعاف صادراته، نظراً لأسباب بنيوية استراتيجية وليس لعوائق ظرفية قابلة للتبدّل بسهولة.

 

علماً أنّ ميزان المدفوعات يعكس الفارق بين مجموع الاستيراد ومجموع التصدير، فيما ميزان الرساميل يعكس، كما يدلّ إسمه، الفرق بين حركة دخول وخروج الرساميل، والتي تتنوّع مصادرها بين أموال يرسلها لبنانيون من الخارج الى ذويهم ويوظّفها المغتربون والأجانب في لبنان على شكل ودائع مصرفية أو غيرها، واستقطاب للاستثمار الأجنبي والاغترابي في العقارات وسائر القطاعات، وأموال تدخل بفضل السياحة بشكل أساسي، وغالباً ما يُعوّل عليها وعلى تفوّقها على حركة خروج الرساميل في لبنان لتسيل فائضاً كبيراً في ميزان الرساميل، من شأنها التعويض عن عجز الميزان التجاري الناتج من كثافة الاستيراد من جهة وضعف التصدير من جهة أخرى. وتعزّز حركة الرساميل طبيعة النظام الاقتصادي اللبناني الحر الذي يسمح بحرّية الربح وتحويل الأموال وحركتها الى الخارج، والسرية المصرفية التي تميّز لبنان في المنطقة وتجتذب الودائع نحوه.

 

ومن أبرز العوامل التي أدّت الى هذا العجز المتزايد في الميزان التجاري، هو أنّ لبنان بلد مستهلك من الدرجة الاولى، وحاجة استهلاكه الى السلع المستوردة في تزايد مستمر، بفعل ارتفاع القوة الشرائية لدى السكان، وخصوصاً في الفترة التي كانت فيها عملته «مدعومة» عبر ربطها بالدولار ( 1507.5) منذ العام 1997، ولكون لبنان بلد سياحة وخدمات يزوره، الاجانب بأعداد كبيرة ويزيدون من استهلاك مختلف الماركات العالمية، ليمثّل الاستيراد أكثر من 80 % من الاستهلاك في لبنان.

 

كذلك يبرز ضعف قدرة لبنان على التصدير. إذ على الرغم من التوسع الكبير الذي حصل في السنوات الاخيرة في ميدان الانتاج الصناعي والزراعي، وبالرغم من الزيادة الملحوظة في حجم الصادرات اللبنانية الى الخارج ، فإنّ العناصر والامكانات الانتاجية المتوفرة في لبنان لا تزال ضعيفة لأسباب عدة، لاسيما نظراً للحاجة الى استيراد المواد الأولية للمنتوجات الصناعية ومختلف التجهيزات وصولاً الى التغليف. كما لارتفاع كلفة عناصر الانتاج من كلفة الرأسمال، أي معدّل الفائدة على كلفة الأجور، كذلك بسبب ضيق السوق اللبناني وصعوبة تحقيق ما يُعرَف في عالم الاقتصاد بـ«إقتصاد الكم» الذي يقلّص كلفة الوحدة المنتجة كلما زاد عدد الوحدات المنتجة. كما هناك مشكلة تأمين المياه الكافية لجميع المناطق وضعف شبكات الري، وطبعاً بشكل أساسي أزمة قطاع الكهرباء، وكل ما ينتج منها من عراقيل انتاجية وتكاليف مولدات وانعكاسات على سائر القطاعات، فضلاً عن ارتفاع كلفة الاتصالات وضعف الانترنت، كما ضعف كل البنى التحتية والخدمات في المناطق... فصادراتنا محصورة بأكثرها بالفاكهة والحمضيات التي تشكّل نسبة لافتة من مجموع صادرات لبنان، اضافة الى القليل من المنتجات الصناعية المحلية... وطبعاً طفرة المبادرات الزراعية الحديثة لإعادة الناس الى الأرض، وأهمية التنمية المستدامة والحرص على حسن الاستفادة من الموارد الطبيعية على أهميته، لا يمكن أن يشكّل رافعة للاقتصاد اللبناني بالمعنى الفعلي ولا عموداً فقرياً جديداً بديلاً من الدور التاريخي للاقتصاد اللبناني الخدماتي، السياحي، المالي، العلمي، والثقافي، نظراً لكل العوائق البنيوية في طبيعته، والتي لا تُعالج بمبادرات «تشجيعية»، «معنوية» و«وجدانية».. فالزراعة والصناعة تحتاجان مقومات وبنى تحتية ومواد أولية.. فيما اللبناني لا يزال يبحث عن شراء الشموع نتيجة التقنين المزدوج لكهرباء الدولة والمولّد الخاص، اذا توفّر المازوت لهذا الأخير! ومع انقطاع الكهرباء يغيب ضخ المياه في حال توفّرها، ومع غياب المازوت اضافة الى الكهرباء، تُطرح علامات استفهام حول استمرارية الانترنت؟ فأي زراعة وأي صناعة نشجّعهما؟!

 

وأكثر من ذلك، ومع التكاليف الخدماتية الاضافية، يُضاف استيراد المواد الأولية للصناعة والمبيدات وسواها للزراعة. فيصبح في نهاية المطاف سعر المنتج اللبناني يضاهي سعر المنتج المستورد في السوق..! فعلاً يتم الاعتماد على تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية!؟؟ وكيف يمكنها في هذه الحال ان تشكّل رافعة للاقتصاد وتسمح مثلاً بإدخال دولارات تغطي أقله استيراد الدواء والتجهيزات الطبية، للتخفيف عن احتياطي المصرف المركزي المستنزف يومياً، قبل انبثاق فجر حلول جذرية؟؟

 

على خط موازٍ، وحتى قبل اتخاذ الإجراءات المكبّلة لحركة الرساميل، كان لبنان يعاني في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ العام 2011 ، من انقلاب وضع ميزان المدفوعات وتحوّله الى سلبي بشكل مستمر، مع تراجع ميزان الرساميل وعدم إمكانية التعويض عن العجز الهائل في الميزان التجاري، الذي تخطّى سنوياً 17 مليار دولار أميركي. وقد سجّل ميزان المدفوعات عجزاً في نهاية 2019 بقيمة 4351 مليون دولار، ليصبح العجز التراكمي منذ 2011 إلى اليوم ما قيمته 14515.9 مليون دولار (باستثناء عام 2016 الذي لم يسجّل عجزاً بسبب هندسات مصرف لبنان المالية التي استقطبت من خلالها المصارف اللبنانية المشاركة، رساميل من الخارج بالعملات الاجنبية لشراء اليوروبوند...).

 

إلّا أنّ انفجار الأزمة ومحدودية الاحتياطي بالعملات الأجنبية وأولويات استخدامه بين تلبية استحقاقات داهمة بالدولار الأميركي، قبل بتّ إعادة هيكلة الدين العام وتمويل استيراد مواد أساسية من قمح ودواء ولوازم طبية ومشتقات نفطية، في ظلّ تزايد الطلب على الدولار في السوق، جمّد إمكانية الصرف في القطاع المصرفي، الذي ابقى على السعر الرسمي 1507.5 دون امكانية التحويل في المصارف ولا التحويل الى الخارج، حتى تضاعف الطلب على الدولار لدى الصرافين، وأفلت السوق من امكانية ضبطه، فظهر سعر موازٍ للدولار أعلى من السعر الرسمي، فتهاوى معه الهدف الأساسي للمصرف المركزي المتمثّل بحماية القدرة الشرائية والاستقرار النقدي من تقلّبات سعر الصرف وموجات التضخم، لاسيما التضخّم المستورد الناتج من ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة والتي أكثريتها المنتجات الاستهلاكية.

 

وفي ظلّ تزايد الطلب على الدولار في السوق، تمّ تجميد إمكانية التبادل في القطاع المصرفي، الذي حافظ على السعر الرسمي 1507.5 دون إمكانية التحويل في السوق إلى الخارج، حتى تضاعف الطلب على الدولار عند الصرافين وفلت السوق من إمكانية السيطرة عليه. مع العلم أنّ سعر الدولار الموازي ظهر في سوق الصرافة أعلى من السعر الرسمي، بحيث انهار الهدف الرئيسي للبنك المركزي لحماية القوة الشرائية والاستقرار النقدي من التقلبات في أسعار الصرف وموجات التضخم، وخصوصاً «التضخم المستورد» الناتج من ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، في ظل دولرة تخطت 76 % من مجموع الودائع.

 

ويُلاحظ، أنّه منذ عام 1993 بدأت فجوة النمو بين ودائع العملات الأجنبية والموجودات الخارجية للنظام المصرفي في الاتساع تدريجيًا..بمجرد أنّ الدولار الأميركي لا يُستخدم فقط للدفع مقابل الواردات، فإنّ مبلغ ودائع العملات الأجنبية لم يعد يساوي تمامًا كمية الموجودات بالعملة الأجنبية. هناك عاملان آخران يلعبان دوراً في توسيع الفجوة بين الودائع والأصول الأجنبية: التحويل المستمر من الليرة اللبنانية إلى الدولار ألاميركي ومنح المصارف تسليفات بالدولار من شأنها أن تزيد خلق النقد، فضلاً عن استخدام الدولار كأداة للدفع والتسوية للمعاملات المحلية.

 

ومع ذلك، طالما كان ميزان المدفوعات في مسار تصاعدي، ظلت فجوة النمو بين ودائع العملات الأجنبية والموجودات الخارجية للنظام المصرفي مضبوطة، وبالتالي انخفضت نسبة الودائع إلى الأصول الخارجية من 1.7 عام 1997 إلى 2.0 في نهاية 2011.

 

منذ ذلك الحين، مع بداية تداعيات الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني ومجمل التغيّرات في المشهد اللبناني واهتزاز الاستقرار، وظهور عجز في ميزان المدفوعات وزيادة غير طبيعية في ودائع العملات الأجنبية، التي ارتفعت نسبتها بشكل كبير لتصل إلى 3.5 في نهاية عام 2016 ؛ 4.2 نهاية عام 2017 ؛ 5.3 في نهاية 2018 ؛ وأخيرًا 7.3 في نهاية عام 2019. مع هذا المستوى من الاختلاف وفي سياق الأزمة ، يبدو جلياً أنّ الموجودات الخارجية للمصارف لم تعد كافية لتلبية طلبات العملاء لسحب الودائع، خصوصاً وأنّ مصرف لبنان لا يستطيع طباعة الدولار لتزويد المصارف بها والاستجابة لطلبات السوق.

 

وبذلك يتبيّن، أنّ ميزان المدفوعات له دلالات كبرى وأساسية في مسار الاقتصاد الوطني، وله عمقه البنيوي المتّصل بطبيعة وخصوصية الاقتصاد اللبناني، التي لا يمكن نسفها وإعادة تكوينها من جديد، خصوصاً في غياب الرؤيا والامكانيات لذلك، وبمجرّد «ردة فعل» لتشجيع الناس على الصمود بمبادرات فردية زراعية و صناعية مطلوبة، دون تأمين الحد الأدنى مما نادى وينادي به المزارعون والصناعيون منذ سنوات.

 

لكل إقتصاد هوية ومرتكزات ودور يُبنى على أساسها، وتميّزه عن غيره وتُعقد على أساسه الشراكات والاتفاقات التبادلية والتكاملية. فالاقتصاد لا يُبنى بـ»ضربيات» تكتيكية، بل برؤيا استراتيجة شاملة. وفي غياب الرؤيا الجديدة المتكاملة للنموذج الجديد، حان الوقت للوعي لضرورة العمل لإنقاذ النموذج الأساسي بإعادة الثقة لإعادة استقطاب الرساميل والاستثمارات والسياح، مع رسم خارطة واضحة للزراعة والصناعة تستند الى مطالب أرباب القطاع ولا تكون مُنزلة عليهم دون أي مقوّمات!

dimanche 26 juillet 2020

الجامعات المسؤولة إجتماعياً حاضنة لطلابها: علمياً، بحثياً وإقتصادياً

الجامعات المسؤولة إجتماعياً حاضنة لطلابها: علمياً، بحثياً وإقتصادياً
https://www.aljoumhouria.com/ar/news/545731/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%88%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D9%86%D8%A9-%D9%84%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D8%AD%D8%AB%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A7?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews


Tuesday, 21-Jul-2020 06:20

وسط اشتداد الأزمة الاقتصادية، يحتدم البحث عن ترجمة التضامن الاجتماعي، لاسيما في المؤسسات التي تُعنى ببناء أجيال المستقبل، فيما الجامعات المسؤولة إجتماعياً، حاملة الرسالة مسبقاً من منطلق المسؤولية الاجتماعية، التي هي أبعد بكثير من «العمل الخيري» المتمثّل بتخفيض أقساط من هنا وحذف مصاريف زائدة من هناك.. المسؤولية الاجتماعية للجامعات لها مرتكزات ثلاثة: المستوى العلمي الرفيع، الذي يعطي تصنيفاً دولياً يسمح لحامله بالاعتراف بشهادته في كل بقاع الأرض. ومستوى بحثي، يجعل العلوم في خدمة الاستجابة لحاجات المجتمع، وإيجاد حلول لمشاكله وتسجيله بصمة عالمية من نتاجها. فضلاً عن الخدمة الاقتصادية للأفراد والمجتمع، من خلال المساهمة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. فماذا يعني بالعمق مفهوم المسؤولية الاجتماعية للجامعات اليوم، وكيف يُترجم، لا سيما في جامعات عريقة حملت همّ الشباب اللبناني في الحرب والسلم، بالبحبوحة وبالأزمات، وجعلت قيمها الانسانية البوصلة الأساسية لبناء وطن على أسس سليمة من العيش معاً، وجعلته منارة على قدر نور شعلة شبابه الواعد.

مع تنامي الأسئلة عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات وخصوصاً منها المؤسسات التربوية، وتحديداً الجامعات من بينها، لا سيّما مع أهداف الميثاق العالمي للأمم المتحدة، الذي تخطّى المسؤولية الاجتماعية للشركات لتشملَ وفقَ معايير أيزو 26000 مختلف المؤسسات العامة والخاصة والمنظمات غير الحكومية التي لا تبتغي أساس الربح، لا بدّ من تفنيد الركائز الثلاث للمسؤولية الاجتماعية للجامعات: التعليم، الأبحاث العلمية، وخدمة المجتمع، من خلال المساهمة في التنمية المستدامة و»الحدّ من أوجه عدم المساواة الاجتماعية».



المسؤولية الاجتماعية
في البداية، لا بدّ من توضيح الفَرق بين المسؤولية الاجتماعية و»العمل الخيري». اذ غالباً ما يختلط الاثنان في ذهن المجتمع، لا سيما في الأزمات، حيث الحاجة الملحة لترجمة المساعدة بدعم مالي سريع مباشر، بغض النظر عن السلّة الاجتماعية التنموية الشاملة ونوعية الخدمات المقدّمة. لا شك أنّ «العمل الخيري»، مثل المساعدة المالية وتأمين الِمنح الدراسية وتخفيض الأقساط لمن هو غير قادر على تسديدها كاملة، يندرج من ضمن استراتيجية المسؤولية الاجتماعية، ولكنه وحده لا يحقق المسؤولية الاجتماعية التنموية المطلوبة، ما لم يترافق مع سلة الركائز الضرورية. كما أنّ تحقيق الهدف العاشر للأمم المتحدة المتمثّل بتخفيف «أوجه عدم المساواة الاجتماعية» لا يكون بالدعم الشامل العشوائي للجميع بشكل متشابه، بل بأخذ في الاعتبار قدرة كل فرد وخلق روح التضامن، التي تجعل الأكثر قدرة يساهم في تعزيز وضع الأقل قدرة، بما يعزز المساواة ويحقق التنمية المستدامة والانسجام في النسيج الاجتماعي للوطن والعدالة، في الحصول على فرص التقدّم وتحسين أوضاع العائلات وفق جهود شبابها والتزامهم بالقيم الانسانية التي تتخطّى كل أنواع الفروقات الاجتماعية.





المستوى العلمي المعترف به دولياً
ويمثّل التعليم العالي إحدى الركائز الأساسية التي تقدّمها الجامعات لخدمة المجتمع، من خلال إعداد الكوادر والرأسمال البشري المتمكّن من المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة على الصُعد العلمية والاقتصادية والاجتماعية. ويكون على الجامعات التأكّد من أنّ التوصيات العلمية التي تَصدر عن ندواتها ومؤتمراتها تَشمل النواحي البيئية والاجتماعية والأخلاقية لمختلف أعمالها. فالبحثُ العلمي ضروري لجعلِ المعلومات في خدمة المجتمع وتحسينِ نوعية الحياة. وبالتالي لا تكون المعلومات المنقولة نظرياً غريبة عن الواقع، فلا تكتفي الجامعات بنقلِ المعطيات الأكاديمية بغضّ النظر عن التمكّن من تطبيقها.
ويتبيّن، أنّ أبرز نواحي المسؤولية الاجتماعية للجامعات تتجلّى في إعداد مواطنين منتِجين ومسؤولين، وتشجيعِ الشراكة والمشاركة الفاعلة في صلبِ المجتمع المدني، وتنميةِ الكفاءات وتحقيق التوجيه المناسب نحوها. هذه الناحية من التعليم العالي تشكّل أحدَ أبرز مستلزمات التزام الجامعة تجاه المجتمع. من هنا نَفهم دور جامعات البلدان المتقدّمة في تشجيع طلابِها على التفكير في سُبل خدمة المجتمع على الصعيد العالمي، ولا سيّما التي في البلدان النامية، بما يفسِح في المجال أمام الحوار وتلاقي الثقافات المتنوّعة.
أولى مسؤوليات الجامعة هي تقديم تعليم رفيع المستوى معترف به عالمياً ومصنّف دولياً، بحيث تؤمّن الشهادات أوسع الفرص للمتخرجين على أوسع نطاق. فلا تكون صادرة عن «دكاكين» لا يُعرف إسمها ولا يُعترف بها في أي نقطة في الكون، فيكون الطالب هدر وقته وماله سدى، ويضطر الى إعادة التسجيل في أي إختصاص من جديد في مؤسسة معروفة لتأمين فرصة عمل مناسبة.
فالمستوى التعليمي بحدّ ذاته هو مسؤولية إجتماعية بما يحمل من هدف تكوين رأسمال بشري لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مستوى العيش. وهنا أهمية الجامعات المسؤولة إجتماعياً في ضمان تكافؤ الفرص التعليمية للجميع، وخصوصاً الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والفئات الأقل إمكانيات مادية ومعنوية، بسبب أي ظروف مالية أو عائلية وظرفية في البلاد.
ويُطلب من الجامعات ألّا يقتصر تدريبها وأبحاثها الأكاديمية على متطلبات واحتياجات سوق العمل، بل عليها تشجيع المناهج المتنوعة والمنهجية التي تحدّد الروابط بين العلوم العملية والعلوم الاجتماعية. في الوقت نفسه، تسعى الجامعات الى إدراج توصيات الميثاق العالمي المتصلة بالأثر البيئي والاقتصادي- الاجتماعي، فضلاً عن الأخلاقيات المهنية والتنموية لمختلف نشاطاتها.
كما أنّ الجامعات هي التي تَصنع المستقبل، وبالتالي تقع عليها مسؤولية جعلِ «شهاداتها مسؤولةً إجتماعياً» بحِرصها على: إعداد نظام الإدارة الجيّدة، واستخدام الطاقات المتجددة، حسن إدارة النفايات وإعادة تدويرها، وضع استراتيجيات التنمية المستدامة، العمل على تعزيز روح المبادرة، الابتكار والتكنولوجيا، تنمية مواهب الطلاب ليكونوا مواطنين منتِجين، حسنِ إدارة الموارد البشرية لتشجيع وتوجيه الجهود نحو العمل التطوعي، وتنميةِ المجتمع... كلّ ذلك يَدفعنا للقول، إنّ جامعات اليوم هي جامعات المجتمع، لأنّها تعيش تحدّيات وحاجات المجتمع، كما فرَصَ وطموحات المجتمع.
وثمّة نشاطات جامعية عديدة من شأنها المساهمة في المسؤولية الاجتماعية، مِثل: توجيه البحث العلمي نحو المجالات التي تلبّي حاجات المجتمع ومختلف العملاء الاقتصاديين، تنظيم مؤتمرات علمية، التبادل الأكاديمي، النوادي الثقافية، منتديات الحوار، المعارض والمنتديات الثقافية والوطنية، دورات الإعداد والتدريب والتعليم المستمر، ورَش العمل الاقتصادية- الاجتماعية والثقافية في مختلف البرامج، حلقات الحوار والنشاطات التي يتمرّس فيها الطالب على التواصل مع المجتمع (المؤسسات العامة، الشركات الخاصة، الهيئات المحلية في البلديات وجمعيات ومنظمات غير الحكومية...) ليتبلوَر له كيفية استخدام ما يتعلّمه في خدمة المجتمع الذي ينمو فيه.





البحث العلمي والتطبيق العملي
البحث العلمي ضروري لوضع المعرفة في خدمة المجتمع وتحسين نوعية حياة السكان. وبالتالي، لا يمكن إجراء البحث بشكل مستقل عن احتياجات المجتمع والحاجة إلى استخلاص الاستنتاجات اللازمة التي تسمح باستخدامه لحلّ المشكلات (القانونية والاقتصادية والطبية والحضرية والبيئية والتعليمية والثقافية. .) من أجل تحسين رفاهية ومستوى معيشة الناس.
إلّا أنّ هذه الإنجازات تتطلّب وضعَ ورقةِ عملٍ استراتيجية لتحقيق المسؤولية الاجتماعية للجامعات، وتشكيلَ هيئةٍ تُراقب المسؤولية الاجتماعية، وتحديدَ الأفرقاء المعنيين بمختلف البرامج وتوقّعاتهم من مختلف برامج المسؤولية الاجتماعية المطروحة، وإعدادَ الدراسات والأبحاث المناسبة لها.
وبذلك تكون الجامعة مساهمةً في بناء المواطنية المسؤولة اجتماعياً، من خلال إدراج حاجات المجتمع ومفاهيم الحياة العامة في صلب الحياة الجامعية بالنشاطات الصفّية وغير الصفّية. كما مِن خلال تمكينِ المتخرّجين من التعامل مع مختلف تقنيات التواصل والبحث والحوار وتبادل الأفكار وترجمتها لإنجازات في خدمة المجتمع بكافّة مكوّناته وفئاته العمرية والاجتماعية والثقافية...
وهكذا يكون مشروع المسؤولية الاجتماعية للجامعات مساهِماً في تحقيق التنمية والترويج للنواحي الاجتماعية للتعليم العالي. وهكذا تكون المسؤولية الاجتماعية للجامعات متّسمةً بروح المواطنية والتنمية المستدامة، ومنطبعةً بكون التربية خدمةً عامةً والتزاماً تجاه المجتمع الذي تنشَط فيه، ناشرةً لمختلف السياسات والممارسات التي من شأنها تحقيق الازدهار والتنمية وفرَصِ العمل والتقدّم وتحسين مستوى العيش وخلق واحةً لفتح آفاق المنافسة نحو تقديم الأفضل وجعلِ البحث العِلمي في خدمة التطبيق العَملي.
بالنتيجة، لا تكون المسؤولية الاجتماعية للجامعات فصلاً في درس أو مشروعاً في جملة نشاطات أو قسماً من هيكلية المؤسسات، إنّما قيمة راسخة في استراتيجيتها ينبغي أن تُترجم في مختلف أوجه رسالتها.



المواطنية وخدمة المجتمع
تعتمد مسؤولية الجامعة تجاه المجتمع على فكرة أنّ دور الجامعة لا يقتصر على توفير التعليم المناسب للأشخاص الأكفاء في مختلف مجالات النشاط، ولكن تدريب المواطنين المسؤولين القادرين على الاندماج بسهولة في المجتمع، والتمرّس على الديمقراطية والتعاون مع الآخر، لبناء وطن أفضل للجميع. وخدمة المجتمع، هي واحدة من الركائز الرئيسية لرسالة ورؤية العديد من الجامعات المسؤولة إجتماعياً في جميع أنحاء العالم، ومنها طبعاً في لبنان، وفي طليعتها جامعة القديس يوسف، التي تميّزت في أدائها المسؤول إجتماعياً بين مختلف الجامعات الفرنكوفونية في الشرق الأوسط وفي اتحاد الجامعات الكاثوليكية وفي الميثاق العالمي للتنمية المستدامة للأمم المتحدة.
تبقى الإشارة، الى إنّ المسؤولية الاجتماعية للجامعات هي الفسحة الأولى للتمرّس على المسؤولية الاجتماعية في مختلف المؤسسات وعلى نطاق الوطن بشكل عام. أما الرهان الأساس للتقدّم في هذا المجال، فيتطلّب الالتزام بالمعايير المعتمَدة لقياس المسؤولية الاجتماعية للجامعات الدولية، والتي تشكّل نموذجاً تحتذي به كبرى الجامعات في لبنان، لتؤسس شبكة أمان للوطن ولأجياله القادمة، في القيم والمبادئ التي تحفظ كرامة الانسان وحقة بالمستوى العالمي اللائق، لفرص عمل لاحقة تؤمّن التنمية المستدامة والتقدّم الدائم.