dimanche 4 juin 2023

إزدواجية العملة رسمياً... حتى الدولرة الشاملة 09-Feb-2023

 إزدواجية العملة رسمياً... حتى الدولرة الشاملة

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/676425/%D8%A7%D8%B2%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9?utm_source=editor&utm_medium=web&utm_campaign=listnews

09-Feb-2023     د. سهام رزق الله

طباعة الليرة لشراء الدولار؟

إزدواجية العملة رسمياً... حتى الدولرة الشاملة

 

د. سهام رزق الله (بروفسورة في كلية العلوم الإقتصادية – جامعة القديس يوسف)

عندما يحتلّ الدولار الأميركي مكان الليرة اللبنانية في مهامها الثلاثة من الإدخار الى التسعير الى الدفع بغض النظر الرسمي ثم بالقبول الرسمي ثم بالترويج بأن ذلك من مصلحة المستهلك يعني أن البلاد دخلت عملية التمهيد للإقرار الرسمي بالدولرة الشاملة ولم يعد الوقت المستقطع سوى لتصفية حسابات بالليرة وتهيأة موازنات الجهاز المصرفي والمؤسسات وبرمجة آليات التطبيق.. طبعا إنه قرار مؤسف وما من بلد اعتمده كخيار إنما بلغه بعد افتقاد كل الخيارات الأخرى الفعّالة لمواجهة أزمته النقدية التي بلغت حدّ اضمحلال الثقة لغير رجعة بالعملة الوطنية فلم تعد تنفع طباعتها سوى لشراء الدولار بها... ماذا عن استقلالية المصرف المركزي والساسية النقدية؟ ماذا عن إيرادات مصرف لبنان من طباعة الليرة اللبنانية؟ ماذا عن محدودية الاحتياطات بالعملات الأجنبية؟ استكمالا ل"خارطة الطريق" التي سبقنا ونشرناها، لبنان في وسط "إزدواجية العملة" بانتظار الإقرار الرسمية بالدولرة الشاملة...

*******************************

في علم النقد للبلدان المدولرة جدا، من المؤكد وغير القابل للنقاش ومن منطلق حقيقة علمية مثبة وليس رأي قابل للتداول أنه بعد ثبات الدولرة المرتفعة لسنوات طويلة على الرغم من تثبيت سعر الصرف وعدم إمكانية إستعادة الثقة بالعملة الوطنية يستحيل إعادة تعويم سعر الصرف كما يستحيل إعادة إقناع الاقتصاد باعتماد نظام صرف قائم على الربط المرن أو تثبيت سعر الصرف على أي مستوى جديد. الخيار الوحيد المتبقي والذي لا خيار فعّال ممكن سواه هو بالانتقال المنظّم نحو الربط الصارم أي إما إنشاء مجلس نقد إذا حصل الوعي باكرا مطلع الأزمة وتبنّته السلطات الرسمية سريعا وإلا لا يبقى سوى الدولرة الشاملة الرسمية وفق آلية تدريجية ناجحة كما في الكوادور مهما كانت الاحتياطات المتبقية بالدولار الأميركي هزيلة (وليس الدولرة الفوضوية التي يفرضها السوق بشكل عشوائي رهيب الكلفة على الموطنين كما حصل في زمبابوي فنزويلا وسواها حيث لم يعد من هدف لطباعة العملة الوطنية لسوى لاستخدامها لشراء الدولار).

هناك ثلاثة أشكال من الدولرة الشاملة: 1) أحادية الجانب ، 2) من خلال اتحاد نقدي كامل مع الولايات المتحدة ، و 3) من خلال اتفاقية ثنائية أو معاهدة مع الولايات المتحدة. يعكس الاتحاد النقدي الكامل الوضع في منطقة اليورو. تمثل الدولرة أحادية الجانب سياسة تبني الدولار الأمريكي دون أي اعتراف رسمي أو التزامات ذات مغزى. الاحتمال الثالث هو اعتماد الدولار في إطار اتفاقية محدودة بين الدولة التي تقوم بالدولرة والولايات المتحدة. أو أقلّه صندوق النقد الدولي لدعم ومواكبة عملية الانتقال الى نظام الصرف الصارم الجديد.

وفق "خارطة الطريق نحو الدولرة الشاملة" التي سبق ونشرتها في مقالات علمية  دولية مع ملخّص في جريدة "الجمهورية" في 11 أيار 2022 لتوعية الرأي العام عمّا نحو واصلون إليه تباعا، لقد أصبح لبنان اليوم في محطّة استراتيجية وهي ما يعرف علميا ب"إزدواجية العملة" أي أنه بات مقبولا التعامل مع العملتين الليرة اللبنانية والدولار الأميركي على نفس المستوى من المقبولية العلنية الرسمية. بعد تخطي الدولرة عتبة ال 90% للمرة الثانية اليوم (المرة الأولى كانت عام 1987) والذهاب أبعد من غرفة مقاصة للدولار في مصرف لبنان الى درجة تبنيه تحويل تلقائي للرواتب من الليرة اللبنانية الى الدولار الأميركي لا سيما لموظفي الدولة اللبنانية بالفرعين المدني والعسكري! وبعد "تجربة" فتح منصة الصيرفة دون سقف للجميع كإشارة أن المصرف المركزي يمكنه تجفيف السيولة بالليرة اللبنانية من السوق واستبدالها كلها بالدولار الأميركي بأي لحظة يتم فيها تخاذ وتغطية هكذا قرار مصيري في تاريخ لبنان، وبعد قبول حصرية عقود التأمين الصحي والطبابة وغيرها بالدولار الأميركي والاضطرار لازدواجية الرواتب بين قسم بالليرة وقسم بالدولار للحفاظ على حد أدنى من القدرة الشرائية، بلغت الأمور حدّ تسعير جميع المنتوجات بالدولار الأميركي وصولا الى المواد الغذائية... اليوم لبنان الخطوات والشروط العددية لهذا المقطع على النحو التالي:

1. تطوير إجماع وطني حول الدولرة الشاملة.

  2. استكشاف إمكانية عقد معاهدة ارتباط نقدي مع الإدارة الأمريكية أو أقلّه دعم صندوق النقد الدولي للنظام الربط الصارم الجديد

3. الإعلان عن برنامج دولرة مسبوق باعتماد سياسات تضمن نجاحه.

  4. إعتماد برنامج إصلاح السياسات ضمان الملاءة والسيولة للقطاع المالي وقدرة سوق العمل على مواجهة الصدمات الحقيقية

5.  وضع جدولة ، سنتين أو ثلاث سنوات للوصول إلى الدولرة الشاملة.

6. التأكد من أن البنك المركزي سيكون لديه دولارات كافية لتحويل جميع العملات المتداولة وكذلك مخزون السندات. ولو تدريجيا كون معظم البلدان التي تصل الى هذا الخيار لا يكون لديها الاحتياطي الكافي لتغطية كامل القاعدة النقدية بالدولارولكن الآلية العلمية الصحيحة للدولرة الشاملة الرسمية تسمح لها بتحقيق عملية الانتقال التدريجي بنجاح...

7. تنفيذ إصلاح النظام المصرفي قبل الدولرة الرسمية الشاملة وضمان الملاءة والسيولة للنظام.

  8. البحث عن بديل لمقرض الملاذ الأخير ، وهو نوع من التمويل ، لتجنب تحويل المخاطر إلى دول أخرى.

تستفيد الدولة المدولرة من حصة من المعروض من العملات الأجنبية التي حلت محل عملتها الوطنية كما لو كانت منطقة إضافية في البلد "الوصي" الذي ينشئ هذه العملة ، في حالة الدولار الأمريكي ، الولايات المتحدة. لا يحتاج البلد المعتمد على الدولار إلى وجود فائض في الحساب الجاري لتجميع الدولارات ؛ يمكن أن يؤدي تدفق الاستثمار الأجنبي إلى تعويض عجز الحساب الجاري.

في بلد يعتمد على الدولار ، تميل أسعار السلع والخدمات إلى الحفاظ على مستوى أسعارها في الولايات المتحدة. قد يختلف تضخم أسعار المستهلك بين الدولة المُدولرة والبلد "الوصي" تمامًا كما يختلف بين منطقتين في الولايات المتحدة نفسها.

بعض الاقتصاديين (Hanke and Schuler، 1999) الذين نادوا دوليا لإنشاء مجلس نقد للحالات لمماثلة لوضع لبنان، باتوا أنفسهم يدافعون الآن عن الدولرة الشاملة الرسمية. تقضي الدولرة الشاملة الرسمية على سعر الصرف بسبب إلغاء الاحتياطي المنفرد، وقد يظهر مُقرض الملاذ الأخير في شكل الخزانة أو غرفة المقاصة بغياب إمكانية طباعة العملة...

العيب الأكثر وضوحا للدولرة الرسمية هو فقدان إيرادات طباعة العملة وهي في الوقت عينه فضيلة لأن البلدان التي تصل للدولرة الشاملة تكون غالبا قد استنفذت بشكل كبالغ به بطباعة العملة الى حد التدني الكلي لقيمة عملتها وباتت تطبعها بالكميات لشراء الدولار بها من السوق لتعزيز احتياطي بالدولار لا يلبث أن يٌستهلك... ترتبط هذه الخسارة بنوعين من التكاليف: من ناحية ، تكلفة المخزون ، والتي تتوافق مع التكلفة المباشرة للحصول على الأوراق النقدية من المؤسسة الأجنبية التي تصدر العملة الأجنبية التي ستحل محل العملة الوطنية ؛ من ناحية أخرى ، تكلفة التدفق ، والتي تتوافق مع خسارة الفائدة السنوية للمقابل من القاعدة النقدية.

يفقد الاقتصاد القائم على الدولرة بالشامل سيطرته ، أي الإيرادات التي يمكن للبنك المركزي أن يستمدها من امتيازه في إصدار الأموال.تٌقسم هذه الخسارة إلى فئتين. فمن ناحية ، فإن "التكلفة الإجمالية للتدفق" أو "تكلفة المخزون" تعادل النفقات المتولدة لشراء عملات معدنية جديدة وأوراق نقدية جديدة من البنك المركزي الأجنبي لاستبدال العملة المحلية التي تحتفظ بها البنوك والعملاء الاقتصاديون الآخرون. من ناحية أخرى ، فإن "صافي تكلفة الملكية" أو "تكلفة التدفق" تمثل خسارة الإيرادات الناتجة عن استبعاد الدخل من الفوائد المكتسبة على احتياطيات النقد الأجنبي.

إذا اختار بلد ما الدولرة الشاملة للتحكم في معدل التضخم ، فإنه يقدر أن فوائد خفض التضخم تتجاوز الخسائر في الدخل من اطباعة النقدي (مكاسب السيولة) والتضخم المستدام.

تُظهر الأدبيات الاقتصادية أن عائدات الحكومة لا تختلف كثيرًا من بلد إلى آخر. تظهر الدراسات التجريبية أن متوسط ​​الدخل من طباعة النقد في المجموعات المختلفة للاقتصادات المدولرة يتراوح من 1 إلى 2 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

إن عائدات الدولة من طباعة العملة هي أعلى باستمرار في البلدان ذات الدرجات العالية من الدولرة أكثر منها في البلدان ذات الدولرة المنخفضة أو المعتدلة ، مما يعكس أداء تضخمها المختلف. وهكذا ، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في لبنان ، الذي يعتمد على الدولرة بشكل كبير ، 23.13 مليار دولار في عام 2021 ، بحسب البنك الدولي ، وانكمش بنسبة 5.4٪ في عام 2022 ليصبح حوالي 21.88 مليار دولار. وبالتالي يجب ألا يتجاوز دخل السندات 0.328 و 0.438 مليار دولار أمريكي ، وتُقاس إيرادات طباعة النقد في الفرق بين قيمة إنتاج العملة والقيمة الاسمية للأوراق النقدية. مثلا إذا كانت تكلفة طباعة ورقة 100000 ليرة لبنانية هي 0.06 دولار أمريكي و على أساس مثلا سعر صرف الدولار الأمريكي / الليرة اللبنانية البالغ 50000 ، فإن كل 100000 ورقة تكلف 3000 ليرة لبنانية وبالتالي توفر ما يقرب من 97000 ليرة لبنانية أو 1.94 دولار أمريكي... يستمر هذا الفائض من طباعة النقد من قبل مصرف لبنان في زيادة التضخم وانخفاض قيمة الليرة. في الجولة التالية ، يضطر المصرف المركزي إلى طباعة المزيد من الليرة لشراء المليار دولار ...

أما بشأن أثر الدولرة الشاملة الرسمية على استقلالية المصرف المركزي، فالمعروف أنّه في ظلّ حرية حركة الرساميل التي كان يضمنها نظام الاقتصاد الحر المنفتح في لبنان، من الضروري الاختيار بين التضحية بثبات سعر الصرف والإبقاء على مرونته، لترك هامش تحرّك للمصرف المركزي لاعتماد الاستقلالية في تحديد وتنفيذ سياسته النقدية الهادفة الى المحافظة على القدرة الشرائية للعملة الوطنية ومكافحة التضخّم وإدارة السيولة في السوق، أو القيام بالعكس تماماً، أي التضحية باسقلالية المصرف المركزي عبر توجيه خياراته للحفاظ على تثبيت سعر الصرف عبر ربط سعر صرف العملة الوطنية بالعملة الأجنبية الأكثر تداولاً واستقراراً وتعاملاً دولياً وهي الدولار الأميركي، خصوصاً بعد اعتماده كعملة ثانية إلى جانب الليرة اللبنانية منذ الأزمة النقدية التي عرفها لبنان في الثمانينات، والتي أطلق على أثرها مسار دولرة مرتفعة غير رسمية ولكنها “مفروضة” من قِبل القطاع الخاص كأمر واقع منذ ذلك الحين، بغرض الهروب من خطر تقلّبات سعر الصرف وافتقاد العملة الوطنية لمهامها الأساسية في الثمانينات كأداة تسعير وتسديد للعمليات الشرائية الكبرى والمحافظة على القدرة الشرائية على المدى البعيد وصعوبة استعادة الثقة منذ ذلك الحين، على الرغم من جهود وكلفة تثبيت سعر الصرف على مدى 22 عاماً. علماً أنّه الخيار الأكثر فعالية لتحقيق الاستقرار النقدي في ظل اقتصاد مدولر كما هي الحال في لبنان، حيث لا نفع من الاكتفاء بإدارة السيولة بالليرة اللبنانية طالما الحصة الأكبر من السيولة المتداولة في السوق هي بالدولار الأميركي.

يبقى القول أن الدولرة الشاملة لم تعد خيار بل مسألة مسار، التقدّم واضح خطوة خطوة وفق خارطة الطريق التي تعكس الآلية الدولية للتجارب المشابهة.. المهم أن تتمّ بلورة المسار والاعتراف الرسمي بكل خطوة منه تدريجيا لضبط مخاطر فوضى الأسواق وعشوائية التعامل بين العملاء الاقتصاديين... عندما يصبح المسار أمرا واقعا ينحصر البحث في تنظيمه بأقلّ كلفة على الناس وأفضل نتائج ضمن الممكن.

________

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire